ظلت عملية الاكتشاف والاقتناء للأثاث القديم والتحف الثقافية أهم شىء في حياة وانغ شي شيانغ. فمنذ عشرات السنين ينهمك في هذه الهواية والعمل وتعمق في البحث والدراسة لهذا الأثاث القديم حتى الأشياء الصغيرة الباقية من حياة الناس في أسرتي مينغ وتشينغ الملكيتين والتي لا تلفت أنظار الناس عادة مثل علبة الجدجد وصفارة الحمامة وجعبة القرعة، ويجعل كل هذه الأشياء مواضيع ثقافية ممتعة ويكتب عنها كتبا محبوبة لدى الناس. ويلتفت الى مسيرة حياته عندما يستعرض الأثاث القديم والأغراض الثقافية القديمة. فيمكن القول إنه شخصيا قد أصبح موضوعا ثقافيا ممتعا يوحي الى الناس بالتفكير.
وكان فناء دار وانغ شي شيانغ الواقعة شرق مدينة بكين ملتقى المثقفين والأدباء الصينيين في الخمسينات والستينات من القرن العشرين. ورث هذه الدار المربعة من والده، وكان يسكن هناك مع زوجته لوحدهما قبل عام 1957. وفيما بعد انتقل فنان الرسم والخط الصيني المشهور هوانغ مياو تسي وزوجته الشاعرة وكاتبة النثر يوه فنغ الى الدار المجاورة له، وأصبح هؤلاء الفنانون والمثقفون أصدقاء أحماء وبقوا يسكنون في هذه الدار المربعة القديمة لأكثر من عشرين سنة. وقال وانغ مياو تسي ويو فنغ إنهما وجدا الهدوء والانهماك والنشوة الفنية والسعى المثابر من صاحب الدار وانغ شي شيانغ وزوجته.
وكان اسم هذه الدار "فانغ جيا يوان" معناه "الفناء المعطر بالحسن". وعندما انتقل هوانغ مياو تسي اليها فاجأه اكتشاف الأثاث القديم الجميل والأنيق الموروث من أسرة مينغ الملكية في غرف دار وانغ شي شيانغ مثل الطاولة المربعة المزخرفة القديمة والمنضدة الصغيرة المجوّفة الحافات، والسرير الخشبي المزين بالصور المنحوتة، والكرسي الكبير ذو مقعد صغير اضافي لاراحة القدمين، ورفّ الأدوات الجميل على الطراز الفني من أسرة مينغ الملكية. ودائما يحمل وانغ شي شيانغ هذه القطع من الأثاث الى الخارج للصيانة أو الى أستوديو التصوير لأخذ صورها. وجمع وانغ كل هذا الأثاث بالإضافة الى صفارات الحمامة الجميلة والأغراض الفنية الأخرى من أنحاء الصين خلال عشرات السنين.
وبالنسبة الى هوانغ مياو تسي ويو فينغ كان وانغ شي شيانغ وزوجته خير جيران لهما بسبب هذه الهواية المشتركة. فأثّروا في بعضهم وشجعوا بعضهم وتبادلوا وجهات النظر وتناقشوا مع بعضهم، وانتشوا بالجاذبية الثقافية والفنية بطريقتهم الخاصة. وقال هوانغ مياو تسي عن وانغ شي شيانغ:"إنه شخص يعرف الحياة الثقافية الصينية والتقاليد الشعبية الصينية بصورة حقيقية. ويجيد التعمق في دراسة المواضيع الثقافية غير الشائعة ولا يسير مع تيار الجمهور، ويعرض الثقافة التقليدية الصينية الى الناس من زاوية مختلفة لا تلفت أنظار الناس عادة."
وفيما بعد انتقل الرسام الكوميدي المشهور تشانغ قوانغ يوه مع أسرته الى هذه الدار المربعة أيضا مما جعل فناء الدار أكثر ازدهارا ثقافيا وأدبيا. وفي أمسية صيفية جلس كل هؤلاء المثقفين والأدباء والفنانين حول الطاولة الحجرية وسط الفناء لشرب الشاى والتحدث وتبادل الأفكار. وكان يأتي الى هذا الفناء للزيارة والحديث ني فيه كه وتشي قونغ ويه تشيان يو وشن تسونغ وون وتشانغ تشنغ يو وهوانغ يونغ يو وغيرهم من الكتّاب وفناني الرسم والخط والمثقفين. تبادلوا الكتب والتحف الأثرية وتحدثوا عن القصائد والأشعار القديمة والفنون والخط والرسم. اهتموا بمختلف الأشكال الثقافية بل اشتركوا في نفس الهواية وتمتعوا بدفء وفرح اللقاء والحديث.
وقد مر على تلك الفترة الماضية عشرات السنين، وقبل سنتين غادر وانغ شي شيانغ هذه الدار أخيرا وانتقل الى شقة حديثة. وقال إن الدار ستهدم في المستقبل القريب وسيصبح الفناء أرض عقارية لمستثمرين. وبدا هادئا عندما قال هذا غير أن الحزن والأسف ظهرا في عينيه. ولكن الذي يسرّه أنه قد أصدر أكثر من عشرة كتب منذ الثمانينات ويعرض الأثاث القديم من أسرتي مينغ وتشينغ الملكيتين والذي اقتناه طول حياته يعرض في متحف ببكين. وبالنسبة الى مثقف مثله هو لا يطلب أكثر من ذلك من الحياة.