د.أيمن علي *
منذ أن بدأت الحملة الانتخابية في بريطانيا والاقتصاد هو العامل الأساسي فيها، وعلى الرغم من ان غالبية الاحزاب اعلنت بياناتها الانتخابية التي تتضمن وعودا سياسية وامنية واجتماعية وغيرها، الا ان الجانب الاقتصادي هو الشغل الشاغل في الحملة خصوصاً بين الاحزاب الثلاثة الرئيسية: العمال الحاكم الذي يسعى لفترة ثالثة في السلطة والمحافظين المعارض الساعي لاستعادة سلطة خسرها في انتخابات العام 1997 والديمقراطيين الاحرار الذين تزداد فرصهم اكثر من اي وقت في تاريخهم المعاصر للحصول على نسبة كبيرة من مقاعد مجلس العموم.
لم يكن حزب العمال الحاكم برئيس وزرائه توني بلير ووزير خزانته غوردون براون، وهو يسعى للفوز استنادا الى سجله في الاداء الاقتصادي، بحاجة الى انباء تراجع اقتصادي من اي نوع من قبيل تسريح شركة روفر للسيارات المنهارة ستة آلاف عامل، فيما يصل عدد من ستسرحهم هيئة الاذاعة البريطانية الى ستة آلاف ايضا، وربما لا تكون تلك الارقام آخر ما سيظهر قبل الانتخابات العامة في الخامس من الشهر المقبل. وعلى الرغم من ان الاقتصاد البريطاني يتمتع باستقرار نسبي منذ اكثر من عقد الآن، الا انه يوشك على الدخول في مرحلة ركود ربما قبل نهاية الدورة الاقتصادية الحالية آخر العام المقبل.
لكن الاحزاب الرئيسية لا تدير حملتها على أساس النظرة الكلية للوضع الاقتصادي الكلي، انما بدأت تنخرط في تفاصيل صغيرة اصبحت تميز كل حملات تعبئة الرأي العام في العقدين الاخيرين. وتبقى القضية الاقتصادية الاساسية التي يحاول كل حزب استمالة الناخبين على اساسها هي الضرائب بكل اشكالها، من ضرائب الدخل الى الضرائب المحلية للاحياء (البلدية) الى مساهمات الضمان الاجتماعي والصحي الاجبارية.
ويعد حزب العمال بان تظل معدلات الضرائب كما هي دون زيادة، مستندا الى ان قوة الاقتصاد ستزيد من عائدات الضرائب، كما يعد بخفض الانفاق الحكومي ينحو 21.5 مليار جنيه استرليني عبر اعادة هيكلة الجهاز الحكومي وخفض البيروقراطية. وحسب تعهدات العمال ستقلل الحكومة من دينها الداخلي مع زيادة عائدات تحصيل الضرائب، كما ان خفض الانفاق الحكومي وزيادة حصيلة الضرائب ستزيد من الاموال المخصصة للانفاق على الصحة والتعليم. الا ان الخبراء يجمعون على ان حزب العمال سيضطر الى زيادة الضرائب على المواطنين بعد الانتخابات اذا فاز، لأن الخزانة ضخمت من زيادة الدخول بنحو 11 مليار جنيه. ويشهد التاريخ بذلك، فقد لجأ العمال الى زيادة الضرائب في اعقاب انتخابات عامي 1997 و.2001
ويعد المحافظون بخفض الضرائب على المواطنين بنحو 4 مليارات جنيه سنويا، منها 1.3 لخفض ضريبة الحي للمتقاعدين الى النصف، اما خفض الانفاق فيعد المحافظون بخفض 5.13 مليار جنيه اضافة الى تخفيضات العمال الموعودة وذلك بالغاء المزيد من الوظائف الحكومية. كما يعد المحافظون بخفض الانفاق العام بنحو 8 مليارات جنيه وزيادة الانفاق على الخدمات الاساسية بنسبة تقل %1 عن خطط العمال. ويرى بعض الخبراء ان تلك التخفيضات ممكنة لان تقليل الاستدانة الحكومية سيقلل اعباء خدمة الدين الداخلي، الا ان آخرين يخشون من تلك التخفيضات ستضر بالضرورة بالانفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية.
اما الديمقراطيون الاحرار فتعهدوا بزيادة الضرائب من %41 الى %50 على من تزيد دخولهم على 100 الف جنيه سنويا، بما يوفر 27 مليار جنيه، اما ضرائب الحي فستستبدل بضريبة دخل محلية ما يخفض تلك الضرائب بنحو 11 مليار جنيه.اما التخفيض في الانفاق العام فقدروه بنحو 5 مليارات سنويا واستدانة الحكومة مماثلة للوضع الحالي. وتعهدوا بانفاق 42 ملياراً في مدة الاربع سنوات تمولها زيادة الضرائب وخفض العبء الحكومي وذلك لالغاء الزيادة في رسوم الدراسة الجامعية والانفاق على الصحة والتعليم والمعاشات. ويقدر الخبراء ان ذلك يتضمن التضخيم نفسه الذي يعانيه مشروع العمال بنحو 11 ملياراً.
لكن الاهم ان الكل يتحدث عن وعود لا يثق الناخبون في قدرة الاحزاب على الوفاء بها، مع تراجع الثقة في السياسيين بشكل عام. ويبقى ان كل تلك الوعود الاقتصادية تفترض نسبة نمو جيدة في الاقتصاد، وثبات العوامل الاخرى التي تجعل الاقتصاد البريطاني مستقرا على رغم الكثير من العلل المبطنة التي تهدد ذلك الاستقرار واحتمالات التباطؤ الاقتصادي العالمي التي قد تعصف باستقرار اقتصاد بريطانيا. فهناك خطر دين المستهلكين الذي وصل الى حدود خطرة مع تجاوزه تريليوني دولار، وهناك خطر انهيار سوق العقارات ما يعني افلاس مئات الآلاف من الاسر في بلد يملك تكثر من %80 من سكانه منازلهم. وكل ذلك من شأنه الضغط على انفاق المستهلكين، الذي بدأت بوادره في الظهور، ما يعني انكماش الناتج المحلي الاجمالي الذي يشكل الانفاق الاستهلاكي اكثر من نصفه. وفي هذه الحالة لن تتمكن اي حكومة، بغض النظر عن وعودها الانتخابية، من مواجهة تلك الاحتمالات.
* باحث اقتصادي
الخليج-الامارات
25-4-2005