قبل ستمائة سنة شهدت الصين حدثا عظيما حيث قاد بحار صيني مسلم أسطولا ضخما أبحر نحو جنوب آسيا وأفريقيا. واسم هذا البحار تشنغ خه وهو أعظم البحارة في تاريخ الصين. عندما تحدث العالم المسلم وانغ هواي تشونغ عن أهمية رحلات تشنغ خه قال:

"إذا قارنا بين تشنغ خه والبحارة الآخرين في التاريخ، وجدنا أهمية رحلات تشنغ خه تتجلي في: أولا: رحلات تشنغ خه أبكر بنصف قرن من رحلة البحار الإيطالي المشهور كريستوفر كولومبوس لاكتشاف العالم الجديد ورحلة البحار البرتغالي المشهور فاسكو دي غاما لاكتشاف الطريق البحري الجديد من أوربا إلي آسيا مارا برأس الرجاء الصالح ورحلة البحار البرتغالي الآخر ماجيلان للوصول إلى آسيا مارة مضيق ماجيلان والمحيط الهادي. ثانيا: استهدفت رحلات تشنغ خه تعزيز تجارة البضائع وإقامة العلاقات الدبلوماسية والتبادل الثقافي بين الصين والبلدان الأخرى بدلا من شن الحروب العدوانية أو ممارسة الهيمنة على هذه البلدان."

ولد تشنغ خه عام 1371 في أسرة مسلمة فقيرة تدعى "ما" من قومية هوي بمقاطعة يوننان في جنوب غربي الصين. وكان اسمه الأصلي ما سان باو. وجدير بالذكر ان جده ووالده قد سافرا إلي مكة المكرمة لأداء فريضة الحج. حول ذلك قال نائب رئيس الجمعية الاسلامية الصينية ما يون فو:

"إن البحار الصيني العظيم تشينغ خه مسلم. وادى جده وأبوه فريضة الحج. وكان على رأس أسطول سفن سافر إلى بعض الدول العربية والأفريقية. وبالطبع بصفته مسؤولا عن السفن لم يتمكن من مغادرة السفن ولم يستطع الوصول إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج. ولكنه أرسل بعض مساعديه المسلمين إلى مكة المكرمة لاداء الفريضة."

وفي ال12 عمره بدأ تشنغ خه العمل في بلاط الأمير تشو دي في أسرة مينغ، أمير منطقة يان وهي مدينة بكين حاليا وكان من عادة الأمراء أن يخصون العاملين في بلاطهم.

وكان الخصيان يعيشون في ادني مكانة في المجتمع الإقطاعي الصيني. ولكن مع نمو تشنغ خه لاحظ الأمير تشو دى تدريجيا ذكاءه وكفاءته في الرحلات البحرية. بعد عدة سنوات أصبح تشنغ خه أحد المساعدين الهامين له ومنحه اسما جديدا: تشنغ خه. في عام1405 أصبح أمبراطورا صينيا. وأمر شينغ خه بزيارة البلدان التي تقع في غرب الصين ومنها بروناي وبعض الدول التي تقع على سواحل المحيط الهندي لإظهار قوة جيشه الامبراطوري وقوة البلاد.

وأطاع تشنغ خه هذا الأمر من الإمبراطور على الفور وقام بالاعمال التحضيرية الكاملة لاجراء الرحلة البحرية. وبدأ تشنغ خه أولا صنع السفن. وحول ذلك قال العالم المسلم وانغ هواي تشونغ:

"بعث تشنغ خه مساعديه إلي نانجينغ وجيانغسو وتشجيانغ وفوجيان وجيانغشي وهونان وقوانغدونغ للاطلاع عل مختلف صناعة السفن منها سفن للبضائع والمجوهرات. في ذلك الحين كانت الصين تمتلك أكبر سفينة تستخدم نقل الجنود. وبلغ طول هذه السفينة 150 مترا وعرضها 60 مترا ويمكنها حمل 1000 طن من البضائع. وفي الوقت نفسه دعا تشنغ خه عددا كبيرا من المتخصصين بالرحلات البحرية من مختلف أنحاء البلاد إلى المشاركة في رحلته البحرية."

وفي عام 1405 قاد تشنغ خه أسطولا ضخما يتكون من 27800 بحار، منهم الجنود والضباط والمترجمون والكتاب والعلماء والأطباء وغيرهم من تابعيه الآخرين وركبوا 62 سفينة للبضائع والمجوهرات و700 سفينة للخيول و300 سفينة للجنود و100 سفينة حربية للدفاع كما حملوا كميات كبيرة من المنسوجات الحريرية والعقاقير التقليدية الصينية والحديدية وغير ذلك. وانطلق أسطول تشنغ خه من ميناء ليوجيا القريب من مدينة سوتشو بمقاطعة جيانغسو، ومر بنهر اليانغتسي مغادرة الصين اتجاها إلى سواحل البحر الشرقي. ثم إلى المحيط الهادي والمحيط الهندي. وخلال هذه الرحلة وصل هذا الأسطول الصيني إلى فيتنام وسومطرة الإندونيسية وسيلان (سريلانكا اليوم) وغيرها. ولكن أسطول تشنغ خه البحري واجه صعوبات كثيرة. وقال العالم المسلم وانغ هواي تشونغ:

"ذكر أن أسطول تشنغ خه تعرض لهجمات شنها القراصنة حيث حاول القراصنة الاستيلاء على البضائع والمجوهرات. ولكن تشنغ خه انتصر عليهم واعتقل عدوا منهم."

وفي أكتوبر عام 1407عاد أسطول تشنغ خه إلى الصين بشكل ملموس الأمر الذي اسعد الإمبراطور تشو دي، وأغرق علي البحار الشجاع التشنغ خه وتابعين بالكثير من الحوائز.

وبعد ذلك قاد تشنغ خه اسطوله في ست رحلات بحرية أخرى. وقد استغرقت جميع الرحلات السبع هذه 28 سنة حيث وصل الجارة الصينيون إلى منطقة الخليج والبحر الأحمر ومكة المكرمة والسواحل الشرقية لافريقيا.

يعتبر تشنغ خه أول بحار تقود اسطولا للسفر إلى شرق إفريقيا. كان تشنغ خه خلال زياراته للدول الأخرى يقدم الهدايا باسم الإمبراطور الصيني لاظهار اهتمام الصين بهذه الدول ورغبتها في إقامة علاقات رسمية معها وتطوير الصداقة بين الصين وهذه الدول. وبفضل ذلك وصل العديد من الصينيين إلى جنوب شرقي آسيا واستوطنوا فيها وقدموا مساهمات كبيرة لبناء هذه الدول وتنميتها.

لقد ترك البحار تشنغ خه ورحلاته العظيمة انطباعا عميقا وتأثيرا بالغا في أذهان المواطنين الصينيين والشعوب الآسيوية. وكان تشنغ خه قد وصل إلى عمان مرتين. وحول دور رحلات تشنغ خه التاريخية قال ممثل عماني لدى منظمة التربية والعلوم والثقافة للأمم المتحدة (اليونيسكو):

توفي تشنغ خه عام 1435 تاركا مساهماته الرائعة التي عززت تبادلات الصين مع العالم.