يحكى أن في أسرة تانغ الملكية (618-907م) خزفا اسمه "الخزف السريّ اللون"، ولا يحقّ لأي شخص إلا أفراد الأسرة الإمبراطورية أن يستخدم الخزف السري اللون. وكل من رأى هذا الخزف أعجب بجماله الرائع والفاتن. ولكن اختفت من سجل التاريخ الصيني وصفة التركيبة السريّةّ لإنتاج هذا النوع من الخزف كما اختفى "الخزف السري اللون" منذ مئات السنين، ولم يرى أحد في العصر الحديث هذا الخزف بعينيه أبدا. ولا يستطيع الناس إلا أن يتخيلوا جماله الباهر من خلال قصائد الشعراء القدماء. فيسألون: هل يوجد هذا الخزف ووصفة تركيبته السرية؟
و"الخزف الأخضر" أقدم نوع من الخزف في تاريخ الصين. وفي قصائد الشعراء القدماء شبّهوا الخزف السري اللون ب"السحب الخضراء على الجليد الرفيع"، الأمر الذي يبرهن على أن "الخزف السريّ اللون" لونه أخضر. فهل يعنى هذا أن الخزف السري اللون هو الخزف الأخضر نفسه؟ وإذا كانت هذه هى الحقيقة فلماذا أطلق عليه القدماء "الخزف السري اللون" ولماذا انتشر قول وصفة تركيبته السرية؟
وبدأ الناس يتكهنون معنى "الخزف السري اللون" من جديد دون اكتشاف أية براهين فعلية. وكان بعض العلماء يرون أن "الخزف السري اللون" أروع نوع من الخزف الأخضر، ولم تكن كلمة "السريّ" إلا صفة استخدمت في صيفة مجازية لتعنى اللون الأخضر. ويرى البعض الآخر أن الخزف السري اللون لم يوجد أصلا في تاريخ الصين بل ظل حكاية أسطورية فقط. ويبدو أن حقيقة الخزف السري اللون كان من المستحيل أن تظهر أمام عيون الناس أبدا.
ولكن في الثمانيات من القرن العشرين، أدهش الناس اكتشاف الخزف السري اللون الحقيقي مع السجلّ المكتوب عنه في القصر تحت أرض معبد فا مون المشهور في مقاطعة شانسي، الأمر الذي أثبت أن القدماء صنعوا هذا الخزف العجيب لتقديم القرابين. وبرهن أن الخزف السري اللون لم يكن حكاية أسطورية فقط بل هو موجود في الواقع. وكان الأباطرة يستخدمونه كهدية غالية ويدفنونه في قصر عميق تحت الأرض للتعبير عن احترامهم للآلهة والأسلاف.
وأجرى العلماء تحليلا رقميا للخزف السري اللون المكتشف. وأظهرت نتائج التحليل أن هذا النوع من الخزف يختلف عن جميع الأنواع الأخرى بما فيها الخزف الأخضر. فمن الخطوة الأولى قد اختلفت طريقة صناعته، واختير طلاء زجاجي خاص له مختلف عنه المستخدم في الخزف الأخضر. واتخذ القدماء وسائل خاصة أيضا في الخطوة الأخيرة لإعداده داخل الأفران العالية الحرارة.
ودفعت هذه النتائج خيال الناس الى الأمام، وبرهنت على أن الحكاية حقيقية حيث أنه: قبل أكثر من ألف سنة نجح صانعو الخزف الأذكياء في اختراع وصناعة نوع خاص من الخزف، واختلفت طرائق إنتاجه عن غيره من الخزف حتى أصبح "الخزف السري اللون" الذي يتميز بلونه الرائع واللامع والصافي والمتلألئ، وشكل فن صناعته ذروة فن صناعة الخزف في تاريخ الصين غير أنه تلاشي مع انهيار أسرة تانغ الملكية حتى ظهر من جديد بعد قرون.
ولكن الحكاية عن الخزف السري اللون لم تنته عند هذا الحد لأن العلماء لم يستطيعوا بعد اكتشاف وصفة تركيبته له رغم أنهم أكدوا أنها وصفة مختلفة عن وصفات الأنواع الأخرى من الخزف. وما زالوا يعملون على إدراك الحقيقة وما زال الخزف السري اللون لغزا في طريق اكتشاف التاريخ العريق وأسرار القدماء الأذكياء.