تقع مدينة شيآن في مقاطعة شنسي غرب الصين، وقد اصبحت هذه المدينة التى شهدت ازدهار وسقوط 13 اسرة ملكية في الصين مدينة حديثة ذات مبان شامخة وشوارع ممتلئة بالناس، لكنها ما زالت تحافظ على العديد من الاثار التاريخية حتى اليوم، ومنها دار عائلة قاو التى يرجع تاريخها الى اكثر من اربعمائة سنة، وفي حلقة اليوم، نصحبكم الى هناك للتمتع بالعادات والتقاليد الشعبية الصينية.
من بين المدن الصينية الكبيرة تشتهر مدينة شيآن بحفظ سورها القديم الكامل، حيث شكل السور القديم الذى يبلغ طوله 14 كيلومترا مدينة صغيرة في قلب المدينة تشكلت في اسرة تانغ الملكية قبل اكثر من الف سنة وما زالت هى مركزا لمدينة شيآن، وهى ايضا اكثر منطقة تجمعا للاثار التاريخية المحفوظة في المدينة، اما دار عائلة قاو التى سنزورها فتقع في شارع بي يوان مون الى غرب هذه المدينة الصغيرة.
تقع دار عائلة قاو في مدخل شارع بي يوان مون القديم والمرصوف بالواح صخرية سواداء، وتجذب بوابة الدار المهيبة البالغ ارتفاعها اربعة امتار المزيد من انظار الناس في هذا الشارع الضيق، ويسمى المحليون هذه البوابة "بوابة مرور الخيل" ويقصدون بذلك انها كانت تسمح بمرور فارس رافع الرأس وملوحا بالسوط محث الحصان على صهوة حصانه، واوضحت المرشدة شواي هونغ مي ان مثل هذه البوابة كانت رمزا لمكانة صاحبها، وكان يتعين على المسؤولين المدنيين المارة الخروج من المحفات وعلى المسؤولين العسكريين النزول من على صهوة الخيول احتراما لها، وحول تاريخ هذه الدار قالت المرشدة:
"بنيت هذه الدار في نهاية عهد اسرة مينغ وبداية اسرة تشينغ، اذ يرجع تاريخها الى اكثر من اربعمائة سنة، حيث نال صاحبها قاو يوه سونغ وكان عمره 12 عاما المرتبة الثانية في الامتحان الامبراطوري لاختيار المسؤولين المدنيين، وكان الامبراطور سعيدا جدا فمنحه هذه الدار الكبيرة."
واول ما يجذب انظار السياح للوهلة الاولى بعد دخولهم هذه الدار المربعة الشكل هو جدار حجري ذو منقوشات دقيقة وجميلة، يسمى "الحاجز الجداري"، وكان موجودا في معظم المنازل الكبيرة في قديم الزمان بالصين يقوم بدور الستارة التى تحافظ على سرية وقدسية وحرمة المنزل.
ويمكن للسياح خلال تجولهم في هذه الدار الواسعة التى تبلغ مساحتها اكثر من 2300 متر مربع الاحساس بالحياة الهادئة والسعيدة في ذلك الوقت، ورؤية ستارة من البامبو وسلسلتين من الفوانيس وعدد من اعمال الخط والرسوم داخل الغرفة الصغيرة والبسيطة، وكل ذلك يخبر الناظر ان اسرة كانت تعيش هنا، كما في الدار اناءان خزفيان تسبح فيهما اسماك ذهبية جميلة، وقالت المرشدة شواى هونغ مى ان كل شئ هنا من الاعشاب والاشجار والاحجار له مغزى:
"هذه الحجرة تسمى حجرة لعبور الشارع، ومكتوب عليها مقطع/شو/ باللغة الصينية ويعنى العمر المديد، وتحيط به خمسة خفافيش ولفظ كلمة الخفاش في اللغة الصينية "فو" وهو قريب من نطق السعادة والبركة، يحكى انه اذا وطئ شخص هذه الحجرة، فسيعمر الى مائة سنة، وهناك شجرة رمان يبلغ عمر جذرها اكثر من اربعمائة سنة، وفي القدم كانت اشجار الرمان رمزا لكثرة عدد الابناء والاحفاد والسعادة الدائمة. "
كما يمكن للسياح التمتع بالفنون الشعبية التقليدية ذات الخصائص المحلية في مقاطعة شنسي، ومنها نحو مائة عمل من المقصوصات الورقية الشعبية التى تتميز عن الكثير من المناطق الصينية الاخرى، بالبساطة والخشونة المتسمتين بالخصائص المحلية.
لا تدع شيئا يفوتك وانت تتمتع بالعادات الشعبية المتميزة في مقاطعة شنسي في دار عائلة قاو وهو مسرحية خيال الظل، تجدر الاشارة الى ان مقاطعة شنسي هى مسقط رأس مسرحية خيال الظل، اذ يرجع تاريخ هذا الفن الى اكثر من الفي سنة، حيث تعرض المسرحية بالشكل التالي: يضاء مصباح خلف ستارة بيضاء حيث يقف الممثلون او الممارسون ويحركون الدمى ويغنون في آن واحد، ويشاهد العروض المشاهدون الذين يجلسون على الجانب الاخر للستارة.
اصدقائي، تستمعون الآن الى مقطع من مسرحية خيال ظل "بيع البضائع المتنوعة" التى تحكى قصته ان شابا وفتاة خطبا لبعضهما بترتيب والديهما دون ان يلتقيا ولو مرة، لذلك، ذهب الشاب الى امام منزل الفتاة وهو متنكر بزى بائع متجول آملا في رؤية خطيبته، وخرجت الفتاة من خدرها بعد سماعها لنداء البائع بدون معرفة حقيقة الامر لشراء بعض مواد التجميل، وهكذا تدور احداث المسرحية وتتطور على ايدي محركي الدمى على مسرح الظل.
واذا شاهدتم عرضا لخيال الظل في دار عائلة قاو، فستجدون ان معظم موضوعاته متسمة بالمناظر المفرحة والنشاط والحيوية مثلما كانت فرقة مسرحية كبيرة تؤدى عروضها على المسرح الامامي ولكن اذا نظرتم الى ما خلف الستارة لا تجودون الا عدة اشخاص او شخص واحد فقط يحرك عدة دمى.
يجذب هذا الاثر التاريخي كثيرا من السياح بمميزاته الاصيلة والانيقة والاساليب الشعبية، وقال السائح وو يان هوا القادم من مقاطعة قوانغدونغ جنوب الصين للمراسل انه احب هذه الدور منذ اول زيارة لها:
"اعتقد ان ما ظهر في هذه الدار هو الثقافة الشعبية الشمالية بالصين، انه يجمع بين ميزات مقاطعة شنسي والمشاعر التقليدية الصينية الخالصة، وان مسرحية خيال الظل تحمل الثقافة الخاصة بالاتربة الصفراء، حيث تمثل قصص كثيرة عبر اشكال شعبية لامتاع المشاهدين، ويمكن المشاركة فيها من قبل الجميع، الاغنياء وكبار الشخصيات منهم وعامة الشعب."