أجرت شركة آراء للبحوث والاستشارات، المتخصصة بالاستشارات التسويقية ودراسات الرأي، وبالتعاون مع صحيفة "الوطن" (السعودية) والسفير اللبنانية، والقبس الكويتية، والبيان الإماراتية، و"الوطن" القطرية بحثًا ميدانيًا حول قوانين الانتخاب النيابية اللبنانية.
وقد تم إجراء البحث عبر مقابلات هاتفية بواسطة الكمبيوتر (ما يعرف بالـ CATI) في الفترة من 29 أبريل حتى 5 مايو، على عينة مؤلفة من 633 لبنانيًا، رفض 94 منهم المشاركة بعد الاطلاع على نوعية الأسئلة، وهي نسبة بسيطة لهذا النوع من الدراسات، فيما شارك 539 مواطنًا ممن يحق لهم الاقتراع بعينة مماثلة للتوزيع الطائفي والعمري والمناطقي وفقًا لجداول الشطب الأخيرة (فبراير 2005) شاملة جميع الأراضي اللبنانية.
وأبرزت الدراسة اهتمام اللبنانيين جميعًا في الشأن العام وسياسات بلدهم من خلال توقع مشاركتهم الكثيفة في الانتخابات النيابية المقبلة والتي اعتبر 89% منهم أنهم معنيون جدًا بها. إلا أن البارز في تحليل هذه الدراسة هو التمايز بين تطلعات المواطن وبين "من يمثله" من زعماء سياسيين أو روحيين. فقد أظهرت الدراسة أن 89% مع تغيير جذري في التركيبة السياسية اللبنانية، والنسبة ذاتها مع تغيير أعضاء المجلس النيابي الحالي إما جميعهم (34%) أو معظمهم (47%). وكذلك الحال بالنسبة للتكتلات والتيارات والأحزاب، والتي لم يحقق منها سوى تيار المستقبل شعبية تذكر على الصعيد الوطني. فأيد تيار المستقبل 19% من اللبنانيين بفارق شاسع عن كتلة الوفاء للمقاومة (8%)، وتيار الوطني الحر (6%) اللذين لم يحتضنا على المستوى الوطني وظلا أسيري طوائفهما. ومن الواضح أن أي تيار فئوي لن تكون له أي نسبة مؤثرة وطنيا طالما لم يطرح برنامجًا سياسيًا على المستوى الوطني ولم يأخذ بعين الاعتبار هواجس وحاجات الفئات اللبنانية المختلفة. كما رأى 40% من اللبنانيين أن "الهم المعيشي" يجب أن يتبوأ أولوية اهتمامات النائب و35% أعطوا الأولوية "للدور الرقابي" فيما لم يعتبر سوى 7% "الأولوية للاهتمام بالتنمية المناطقية".
فضّل معظم اللبنانيين ومن دون استثناء مذهبي إما القضاء (40%) أو لبنان دائرة واحدة (32%) بدلاً من المحافظة (16%) والدائرة الفردية (4%). وبالرغم من أن القضاء يتناقض مع الأولويات التي وضعوها لمجلس نوابهم والتي تتخطى المفهوم المناطقي، إلا أنه يبدو أن الدائرة الصغرى (القضاء) تمنح بعضًا من الوضوح والسيطرة وتحميهم من قوانين انتخاب استنسابية يتم تفصيلها كل مرّة كما جرت العادة في الانتخابات الثلاثة السابقة. وبخلاف ما يدّعيه معظم السياسيين فقد أيّد معظم اللبنانيين (51%) النظام النسبي مقابل 30% للنظام الأكثري المعمول به. ولوحظ ارتفاع نسبة مؤيدي النظام النسبي بين المطّلعين على الفوارق بين النظامين لتصل إلى نسبة 79% من بين الذين اعتبروا أن معرفتهم بالفرق معمقة. هذا مع العلم أن نسبة 60% من اللبنانيين أقرّوا أنهم على دراية غير كافية بالفوارق بين القانونين مما يعني أن نسبة مؤيدي النظام النسبي سترتفع مع ازدياد المعرفة به.
أغلبية ساحقة معنية بالانتخابات
أظهرت دراسة شركة آراء أن نسبة مرتفعة ممن شملتهم العينة بلغت 89% اعتبرت نفسها معنية بشكل عام بالانتخابات النيابية القادمة، بينما اعتبر 9% بأنهم غير معنيين بهذا الاستحقاق، فيما رفض 1% الإجابة. ويلاحظ ارتفاع نسبة المعنيين بالانتخابات لدى جميع فئات المجتمع اللبناني مما يدل على إعادة الاعتبار لهذا الاستحقاق والذي يأتي لأول مرة منذ انتخابات عام 1972 من دون وجود الجيش السوري في لبنان.
ويلاحظ أن النسبة الأعلى من الاهتمام بالانتخابات قد سجلت لدى الطوائف ذات الثقل الديموجرافي الأكبر، مثل الطائفتين السنية والشيعية (94% من المجيبين لكل من الطائفتين)، وتنخفض لدى اللبنانيين من الطائفة المارونية إلى 87%، ثم الأرثوذكس (84%)، وبعدها الطائفتان الدرزية والكاثوليكية (82%)، ليصل أدناها إلى 81% لدى الطوائف الأرمنية (انظر الرسم البياني رقم واحد).
ارتفاع في نسبة المشاركين
أكد 81% من العينة أنهم سيقترعون في الانتخابات المقبلة، مقابل 7% أكدوا عدم مشاركتهم، و 12% لم يقرروا بعد، مع العلم أنه حتى لحظة إجراء هذا البحث، لم يكن قد بت نهائيا بماهية قانون الانتخاب، وعدم إعلان المرشحين بشكل رسمي. وبالمقارنة مع نسبة 67% من المستفتين الذين كانوا قد اقترعوا في الانتحابيات النيابية السابقة في عام 2000، نجد دلالة واضحة على ازدياد اهتمام اللبنانيين بالعملية الانتخابية المقبلة.
تيار المستقبل
وعند سؤال المستفتين (باستثناء الذين قرروا عدم المشاركة بالتصويت) عن التيارات السياسية التي سوف يدلون بأصواتهم لصالح مرشحيها، حصد تيار المستقبل النتيجة الأعلى وبفارق شاسع عن باقي التيارات السياسية محققًا 18.8% من أصوات عموم الناخبين، وتلاه كتلة الوفاء للمقاومة بـ 8.2%، فالتيار الوطني الحر 6.2%. أما القوى الأخرى فلم يتجاوز تمثيلها 4% على الصعيد الوطني (انظر إلى الرسم البياني رقم اثنين). وتجدر الإشارة إلى أن نسبة مؤثرة من اللبنانيين وصلت إلى 18.4% من إجمالي العينة (مسيحيون 23% ومسلمون 15%) سوف تدلي بأصواتها لجهات سياسية مختلطة دون الانحياز لقوة سياسية معينة. بينما أشار 20.9% بأنهم لم يقرروا بعد وبشكل نهائي، وامتنع 6.4% عن الإجابة.
ويلاحظ عدم بروز أي تيار حاضن على المستوى الوطني، فيما غابت الأحزاب العلمانية. فعدا تيار المستقبل، والذي أسسه رئيس الوزراء السابق الشهيد رفيق الحريري، لم تحقق أي من التيارات السياسية اللبنانية أي نسب مؤثرة خارج طوائفها. ويبدو تيار المستقبل الأكثر شعبية، فبالإضافة إلى حصوله على الأغلبية المطلقة من أصوات الطائفة السنية وبلغت 56%، اكتسب هذا التيار نسبا مؤثرة من مواطنين من مذاهب أخرى كالطوائف الأرمنية (14%)، فالأرثوذكس (8%) والدروز والكاثوليك (7%)، علمًا أن اختيار التصويت مرتبط بالقيد الجغرافي للناخب مما قد يحدّ من إمكانية تصويت مذاهب أخرى لهذا التيار. هذا وقد صوت 22% من الإناث له، بالإضافة إلى 25% من اللبنانيين ذوي الفئة العمرية الشابة (بين 21 و29 سنة) والتي ستشارك أو قد تشارك في الاقتراع المقبل.
وفي هذا الإطار يلاحظ انقسام أصوات اللبنانيين من الطائفة المارونية بين القوات اللبنانية (13%) والتيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشال عون (12%). وقد يرجح دفة التيار الوطني الحر الطوائف المسيحية الأخرى (22% من الكاثوليك و 14% من الأرثوذكس) فيما يبدو أن التيار قد اضمحلت شعبيته لدى المسلمين (1.4% فقط من السنة).
أما اللبنانيون من الطائفة الشيعية فقد صوتت نسبة مرتفعة منهم بلغت 27% لكتلة الوفاء للمقاومة المدعومة من حزب الله، فيما حققت كتلة التحرير والتنمية، التي يتزعمها رئيس مجلس النواب الحالي ورئيس حركة أمل الأستاذ نبيه بري، 13% من الشيعة.
أما الذين قرروا عدم المشاركة في التصويت، فقد ذكر 19% منهم أنهم "غير راضين ولا مطمئنين على الأوضاع العامة"، و16% "غير مقتنعين بجدارة المرشحين المتوقعين للانتخابات"، و14% اعتبروا أن النواب لا تهمهم إلا مصالحهم الخاصة" و12% اعتبروا أن "صوتهم لا يصل"، و 6% "لأن الانتخابات تجري في لبنان على أسس طائفية".
توافق 89% على ضرورة التغيير الجذري في البنية السياسية:
طرحت شركة آراء على المستفتين عددًا من القضايا المتفرقة والمحيطة بالقانون الانتخابي، بغية استكشاف مدى موافقتهم عليها. وقد أجمع اللبنانيون كافة على "الحاجة لتغيير جذري في بنية لبنان السياسية" (89%)، واعتبر 77% منهم على أن "إلغاء الطائفية السياسية هو المدخل لتوحيد اللبنانيين" وكذلك رفض 92% رفضًا باتًا "أن يقتصر حق الناخب في التصويت لمرشحين ينتمون إلى طائفتهم فقط دون غيرها من الطوائف". أي إن التغيير الذي ينشدونه هو في اتجاه تخفيف الطائفية السياسية دون الوصول لقناعة إلغائها، إذ انقسم اللبنانيون حول ضرورة التوزيع الطائفي لمقاعد المجلس فاعتبر 46% منهم أنهم موافقون تمامًا على أن "التوزيع الطائفي لمقاعد مجلس النواب هو في مصلحة لبنان"، مقابل 30% من غير الموافقين بتاتا على هذه الفكرة.
حازت مسألة التغيير الجذري للبنية السياسية على تأييد نسبة (89%) من اللبنانيين وبكافة فئاتهم. كما طالبت نسبة 85% بإجراء تغييرات في تركيبة المجلس النيابي؛ (38%) لجميع أعضاء المجلس النيابي و (47%) لمعظمهم. كما أعلنت نسبة 54% عن استعدادها "للانضمام إلى تيار سياسي جديد".
طغيان الهم الوطني العام
عند الطلب من العينة اختيار ثلاثة أدوار أساسية وبالترتيب حسب الأولوية، على النائب أن يلعبها وذلك من ضمن خمسة خيارات (انظر إلى الرسم البياني رقم ثلاثة)، احتل الهمّان المعيشي والرقابي أولويات أدوار النائب. فاختارت النساء كأولوية أولى "أن يهتم النائب بشؤون الوضع المعيشي للمواطنين" فيما رأى الرجال أن "الأولوية لمراقبة عمل الحكومة والإدارة التنفيذية" (النساء 49% و28% على التوالي مقارنة مع الرجال 28% و43% على التوالي). واللافت للانتباه هو انخفاض نسبة الذين اعتبروا أن على النائب "أن يهتم بخدمات وتنمية المنطقة التي يمثلها" إلى 7% كأولى مهامه بغض النظر عن مكان السكن.
وكذلك صرح 62% من المستفتين "أن معظم السياسيين الذين يودون الاقتراع لهم، هم من خارج دائرتهم الانتخابية" (موافق تمامًا 31% موافق بعض الشيء 31%) مما يعكس مرة أخرى الأهمية التي يوليها اللبنانيون لدور النائب خارج التمثيل الخدماتي والمناطقي.
تفضيل القضاء أو الدائرة الواحدة
غير أن الدور المرجو من النائب والذي يطغى عليه الطابع الوطني العام لم يترجم على مستوى تقسيمات الدوائر المفضلة لدى اللبنانيين. فقد فضل 40% من اللبنانيين التقسيم على مستوى القضاء، جلهم من المنتمين إلى الطوائف المسيحية (55% من المسيحيين مقارنة مع 31% من المسلمين)، فيما فضلت نسبة مهمة من إجمالي العينة (32%) لبنان كدائرة واحدة، والتي تبدو الخيار الأكبر لدى المسلمين (39% مقابل 20% من المسيحيين)، فيما فضل 16% المحافظة و4% الدائرة الفردية، و8% لم يجاوب (انظر الرسم البياني رقم أربعة). وتجدر الإشارة إلى عدم وجود إجماع حتى داخل الطائفة الواحدة حول تقسيم محدد، فعلى سبيل المثال لا الحصر وضمن اللبنانيين من المذهب السني، فضل 39% منهم التقسيم على مستوى القضاء مقابل 32% لبنان دائرة واحدة. كما فضل 25% من الأرثوذكس و20% من الموارنة لبنان دائرة واحدة.
51% مع النسبي و32% مع الأكثري
اعتبرت نسبة 51 % من اللبنانيين أن النظام النسبي أفضل من الأكثري "لكي يتمثل الجميع في المجلس" (52% ممن فضلوا النسبي) ولكونه "أكثر عدلاً" (38% منهم). فيما رأى ثلث اللبنانيين أن الأكثري أفضل (انظر إلى الرسم البياني رقم خمسة)، وذلك لضمان وصول "مجلس قوي يستطيع أخذ القرارات" (30% ممن فضلوا الأكثري) ولكون الأكثري "يسهل فهمه" (33% منهم)، فيما لم يختر 3% أياً من النظامين، ولم يجاوب 14%. وقد أعترف 60% من المستفتين بأن معرفتهم بالفوارق بين النظامين النسبي والأكثري محدودة جدًا (26%) أو حتى معدومة (34%). ولوحظ أنه كلما زادت درجة المعرفة بالفوارق بين هذين النظامين، يتم اختيار النظام النسبي، إذ فضل 79% من الذين يعتبرون أن "معرفتهم معمقة" النظام النسبي ، مقارنة بـ32% من بين الذين "يجهلون الفرق بينهما". والجدير ذكره أن النظام النسبي تمت إحاطته بكثير من اللغط والإبهام والتشكيك، فقد صرح العديد من السياسيين "بصعوبة فهمه من الناس" قبل إعطائه فرصة، فيما لم يحاول مقترحو هذا النظام توضيحه أو إعارته الاهتمام المطلوب.
وللمفارقة، وبالرغم من أن الزعماء السياسيين المدافعين عن القانون الأكثري قد عزوا ذلك لكون الأكثري يحمي الأقليات، فقد رفض (رفضًا تامًا أو رفضًا نسبيًا) معظم المنتمين لمذاهب ذات الثقل الديمجرافي الأصغر فكرة "أن اللائحة الانتخابية التي تحصل على الأكثرية يجب أن تحصل على جميع المقاعد في الدائرة الانتخابية" (68% من الدروز، 57% من الأرثوذكس)، فيما أيدها المنتمون للطوائف الكبرى كالسنية (62% موافق أو موافق تمامًا). ولعل هذا التمايز يعود للربط بين النظام الانتخابي والتقسيمات الإدارية الملائمة له. فقد فضل النظام النسبي 47% فقط من محبذي التقسيم على مستوى القضاء مقارنة بـ59% من محبذي لبنان دائرة واحدة.
كوتا للنساء وتخفيض سن الاقتراع
عند سؤالهم فيما إذا يؤيدون "ضرورة وضع كوتا للنساء في المجلس النيابي" ، أيد 86% من إجمالي العينة ذلك وبقوة (أوافق تمامًا 78% وأوافق بعض الشيء 9%)، فيما رفض 9% ذلك رفضًا باتًا، و3% رفض بعض الشيء، و2% لم يجاوب. وكذلك أيد معظم اللبنانيين ومن مختلف الطوائف "تخفيض سن الاقتراع إلى 18 سنة" (74% موافقة تامة و7% موافقة بعض الشيء)، فيما عارض ذلك 16% معارضة تامة، و2% رفض بعض الشيء، ولم يجاوب 1% .
الوطن-السعودية
10-5-2005