من المتوقع أن تعرف المنطقة الممتدة على ضفتي نهر أبي رقراق، الذي يفصل العاصمة المغربية الرباط عن شقيقتها مدينة سلا المجاورة، ويصب في المحيط الأطلسي، عند سفح قلعة الوداية الشهيرة، "انقلابا تاريخيا" يغير وجه العدوتين الرباط وسلا. فبعد أن كانت ضفاف النهر مطارح للنفايات، ومجمعا لبعض دور الصفيح، ومرعى لبعض البهائم، كتب القدر لنهر أبي رقراق أن يضيف إلى جمال العاصمة المغربية جمالا.
فقد تم توقيع مذكرة تفاهم بين كل من صندوق الإيداع والتدبير المغربي، وشركة "صبر" للتهيئة العمرانية، وشركة دبي الدولية للعقارات، وذلك من أجل إنجاز الشطر الأول من مشروع "أمواج" الاستثماري، لتهيئة ضفتي أبي رقراق، التي ستكون البداية فيها من قنطرة مولاي الحسن، إلى قنطرة السكة الحديدية، وكلا القنطرتين معبر يومي لمئات الآلاف من المواطنين في هذا الاتجاه أو ذاك بين المدينتين، وبين شمال البلاد وجنوبها.
واستمر مخاض ولادة القرار حول البدء في أشغال تهيئة ضفاف النهر الشهير في المغرب عدة أشهر. وقال وزير الداخلية مصطفى الساهل إنه كان هناك "حوار قائم مع مستثمرين من الهند وبريطانيا والولايات المتحدة، بخصوص المشاريع المزمع إنجازها في ضفتي أبي رقراق"، وذلك قبل أن يسفر هذا الحوار عن اتفاق نهائي مع الجهات المختلفة الموقعة على المذكرة.
وتشمل المنطقة موضوع التهيئة على ثلاث أماكن:
- المنطقة السكنية لصومعة حسان: وستمتد على مساحة 15 هكتارا، وهي مساحة مجاورة للنهر، ومطلة على مدينتي الرباط وسلا، وتتميز بمنارتها الشهيرة، ومسجدها الكبير، فضلا عن الضريح الذي دفن فيه عاهلان مغربيان هما محمد الخامس والحسن الثاني. وستخصص هذه المساحة لإنشاء "فضاءات للأنشطة الثقافية وللمتحف الوطني وحدائق معلقة، وستكون فيها أيضا منطقة لتشييد عمارات سكنية رفيعة المستوى، بالإضافة إلى تموقعها في قلب المجموعة السكنية لمدينة الرباط.
- المنطقة التجارية لأبي رقراق: وتمتد على مساحة 12 هكتارا، وتضم فنادق ومجمعا للمؤتمرات. وقد تم تصميم هذه المنطقة لاحتواء المنشآت التجارية المندمجة، ومكاتب فخمة، مجهزة بأحدث التقنيات الخدماتية والتكنولوجية، والعديد من المحلات التجارية ومراكز للتسوق، وحدائق ومسارح ومدرجات مفتوحة. وسيتم تأمين المواصلات في هذه المنطقة بفضل شبكات الطرق الرئيسية التي تعبر الموقع، بالإضافة إلى وسائل النقل النهرية التي سيتم وضعها على طول المجرى.
- المنطقة السياحية: وتضم المنطقة الفندقية ومجمع المؤتمرات على ضفتي النهر، وهي مصممة وفق "مناظر بانورامية فريدة"، تشمل سلسلة فنادق ومنتجعات سياحية من فئة خمس نجوم، ومركزا للندوات والمؤتمرات، ومواقع ترفيهية، هذا بالإضافة إلى الساحة الكبيرة، ومنطقة باب البحر، وقصبة أبي رقراق، وصهريج الوادي، والمنزه الكبير، وبحيرة السهول.
ويمتد المشروع في جملته على مساحة 100 هكتار من الأراضي، وينتظر أن يتم ترحيل بعض الساكنة من أراضيهم، على أن تتكفل الدولة بتعويضهم، حسبما أشارت إليه مداولات مجلس النواب المغربي مع وزير الداخلية مصطفى الساهل. وقدرت التكلفة المالية لهذا المشروع بملياري دولار. وقال الساهل في هذا الصدد إن الرباط العاصمة سترتقي بفضل هذا المشروع إلى "مصاف كبريات العواصم العالمية".
وأبرز الوزير أن هذه التهيئة لضفتي النهر تقتضي "إدماج المواقع التاريخية، وإبراز قيمتها الحضارية، بما في ذلك المدينتين العتيقتين"، هذا علاوة على ضرورة التركيز على الأنشطة الاقتصادية المنتجة والمدرة للربح.
وقال المغاري صاقل، المدير العام لشركة "صبر" للتهيئة، أهمية هذا المشروع، الذي "سيعيد الاعتبار لنهر أبي رقراق، والمناطق المجاورة له، وسيجعل من موقع النهر أرقى المواقع العربية والإفريقية، كما سيضفي على عاصمة المملكة رونقا وجمالية خاصين"، على حد قوله.
وقال الإماراتي محمد عبد الله القرقاوي، الرئيس التنفيذي لشركة "دبي القابضة"، خلال ندوة صحافية، عقدت للغرض، إن إطلاق مشروع "أمواج" يدخل في إطار "تعزيز العمل العربي المشترك، ودعم كافة الجهود التي تساهم في الارتقاء بالعلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية".
وسيمكن هذا المشروع حسب القرقاوي من خلق 100 ألف منصب شغل، منها أزيد من 30 ألف منصب شغل مباشر. ولن تتعدى حسب هذا المسئول مدة إنجاز المشروع عامين.
ويبدي سكان الرباط وسلا بعض التخوفات من هذا المشروع الجديد، بالرغم من أنه سينعش المنطقة سياحيا وعمرانيا، إلا أنه سيتسبب في طرد سكان ضفتي النهر من المزارعين الفقراء. ويتخوف بعض ملاك الأراضي من أن لا تكون التعويضات المرصودة من قبل الدولة في مستوى قيمة الأرض، التي سيجبرون على التخلي عنها.
كما يبدي الكثير من المواطنين المغاربة جملة من التخوفات، خاصة فيما يتعلق بإمكانية تعطيل حركة المرور من وإلى مدينة الرباط، مادامت الأشغال ستقوم على إعادة تهيئة القنطرتين، ليتناسبا مع الدور الجديد المرصود لهما.
وعبر وزير الداخلية بنفسه عن هذه التخوفات في تصريح سابق، إذ قال "إن المشروع رهن بحل مشكلات التنقل في المنطقة عبر الترامواي، حيث تعرف قنطرة مولاي الحسن حركة مرور تفوق بأربعة أضعاف حركة المرور بالطريق السيّار الرباط الدار البيضاء، إضافة إلى تسوية ظاهرة المطارح المعدة للنفايات، عبر معالجة المطارح السابقة خاصة بالولجة وعكراش، واعتماد مطرح جديد مراقب مطابق للمعايير الدولية".
قدس برس
19-5-2005