علاء الدين مصطفى:
أكدت دراسة اقتصادية أن الوقت قد حان لتعميق دور البنوك العربية في مجال التعاون الاقتصادي بين البلدان العربية خاصة أنه منذ يناير/ كانون الأول الماضي 2005 أصبحت الرسوم الجمركية صفرا بين 17 دولة عربية أعضاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. وهذا نظرا للدور الذي تقوم به البنوك العربية في تيسير التبادل التجاري، وتمويل التجارة البينية. إلى جانب مشروعات الاستثمار. وتعميق دور البنوك لن يتحقق إلا بزيادة درجة التشابك المصرفي بين البنوك العربية، ليس فقط من خلال زيادة الاعتماد المتبادل فيما بينها في إنجاز العمليات المصرفية التقليدية وممارسة ما يسمى بالخدمات المصرفية المستخدمة. وبزيادة الوجود المصرفي البيني في أسواق الدول العربية المختلفة. وذلك في ظل الشروط التي تقررها السلطات النقدية والمصرفية في الدول المضيفة وذلك في المرحلة الأولى من مراحل التوجه نحو الاهتمام بالتعاون الاقتصادي العربي فإذا كانت بعض البلدان العربية تسمح بإقامة فروع للبنوك الأجنبية غير العربية. أليس من المناسب أن تسمح هذه الدول بإقامة فروع لبعض البنوك العربية لتقديم الخدمات المصرفية التقليدية والمستحدثة في إطار التوجه نحو تعميق التعاون الاقتصادي العربي.
تؤكد الدراسة التي أعدها الدكتور محمد كمال بعنوان: "التحديث المصرفي كأحد محددات التكامل الاقتصادي العربي" أنه من خلال نظرة سريعة إلى واقع الأسواق المصرفية في الدول العربية تشير إلى سيطرة قلة من البنوك في هذه السوق أو تلك. وبشكل إجمالي يضم القطاع المصرفي العربي 365 مؤسسة مصرفية يتركز معظمها في لبنان، الإمارات، البحرين ومصر وبالنسبة لمستوى التشابك المصرفي بين البنوك العربية. هنا يتعين التفرقة بين التشابك المكاني والتشابك الوظيفي، ويقصد بالأول وجود البنوك العربية في الأقطار العربية خلاف القطر الذي ينتمي إليه البنك في ظل القوانين المنظمة لإقامة فروع البنوك غير الوطنية.
أما التشابك الوظيفي فيصعد به مدى إمكانية تقديم البنك لخدماته المصرفية لعملاء دول أو مناطق أخرى. ولا شك أن الوجود المكاني لأحد فروع بنك عربي ما في دولة عربية أخرى يزيد من فرص تقديم خدماته المصرفية لأبناء هذه الدولة، بل يسمح له بالتكيف مع الاحتياجات المصرفية لعملائه من أبناء هذه الدولة. من ناحية أخرى فإن زيادة اعتماد البنوك العربية على بعضها بعضا في تقديم الخدمات المصرفية يعني توسيع نطاق الحيز المكاني لهذه الخدمات، ويعظم من مقدرة البنوك العربية في تدعيم التعاون الاقتصادي العربي.
ومن خلال استقراء واقع التشابك المصرفي المكاني في المنطقة العربية بين بنوكها العربية نجد أن الدول العربية سمحت حتى منتصف التسعينات من القرن العشرين بوجود 40 بنكا عربيا خلاف بنوكها الوطنية. بينما سمحت بوجود 112 بنكا أجنبيا غير عربي وذلك بخلاف البنوك المشتركة.
وقد لوحظ أن البنوك العربية من الأقطار العربية الأخرى والبنوك الأجنبية تتركز في دول مجلس التعاون الخليجي، مصر، ولبنان بشكل رئيسي، الأمر الذي يصدق أيضا بالنسبة للمؤسسات المالية الأخرى كشركات التأمين وتلك العاملة في أسواق المال أي البورصات.. مما ترتب عليه أن أصبحت الأسواق المصرفية العربية على الأقل جزءا مهما منها أكثر ارتباطا بالأسواق المصرفية من خلال وجود المصارف الأجنبية في الأولى، وهذا الوضع انعكس بالسلب على ما تقدمه البنوك العربية من خدمات في مختلف أسواق العالم العربي.
ومن المؤكد أن زيادة وجود البنوك العربية في الدول العربية الأخرى خلاف الدول الأم التي تنتمي إليها هذه البنوك، سيزيد من درجة التشابك المصرفي العربي لما سيؤدي إليه ذلك الوجود من اتساع نطاق السوق المصرفية من النطاق القطري إلى النطاق الإقليمي، ومن ثم زيادة معدل تركزها في المنطقة العربية، ويحد من النصيب النسبي للبنوك الأجنبية في عوائد النشاطات المصرفية في العالم العربي. ويرتبط بهذه الحقيقة ما أشارت إليه دراسات اتحاد المصارف العربية، من أن الهيكل التوزيعي للمصارف بين البلدان العربية لا يتفق وكل من حجم السوق مقارنة بحجم السكان والدخل الفردي ومستوى النمو الاقتصادي. غير أن هذا يرتبط بحجم التبادل التجاري البيني فالمعروف أن البنوك تتولى تسوية المدفوعات الدولية الناتجة عن تداول السلع والخدمات بين الدول، إذ تتولى بنوك الدولة تحصيل قيمة صادراتها، ودفع قيمة وارداتها وفقا لقواعد العمل المصرفي وأعرافه. ولا تخرج البنوك العربية عن ذلك. إلا أن ضآلة حجم التجارة العربية البينية يضعف من دور البنوك العربية في خدمة التجارة العربية البينية فحجم هذه التجارة لا يمثل إلا نسبة بسيطة من إجمالي التجارة الخارجية للدول العربية.
وحول تزايد دور المصارف العربية في المرحلة القادمة يقول الدكتور مصطفى هديب رئيس الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية إنه في وطننا العربي هناك مسؤولية هائلة تفرض اليوم على المصارف لمواجهة قضايا مثل تحسين الكفاية، ورأس المال الحر، ومخاطر السعر، ويجب أن يقود القطاع المصرفي عملية التنمية الاقتصادية. وهذه مهمة عاجلة وتحديات بالغة الأثر تواجهها فرق الإدارة العليا في مصارفنا، فالموضوع هو ليس مجرد ما يمكن تحقيقه، إنما سرعة التحقيق والتوصل إلى الأهداف المرجوة.
وتواجه المصارف العربية العديد من المخاطر المعاصرة خاصة في السنوات الأخيرة هذا إلى جانب عولمة الأسواق المالية، مما جعل من المهم جدا مراجعة الهياكل القائمة في المصارف وتشريع عملية إدخال نظم القياس وأطر الإدارة وذلك للتصدي للتحديات القادمة في عالمنا العربي.. خاصة مع تطبيق "مقررات بازل 2" التي تعطي معالجة شاملة لجملة المخاطر المصرفية المتنوعة مع التأكيد على كيفية مواجهة المصارف لها وحساب رأس المال المصرفي اللازم لمقابلتها.
والمصارف العربية لا تعمل بمعزل عن التطورات المتسارعة وما تشهده الساحة العالمية من تطورات ومستجدات على العمل المصرفي وقيام كيانات مصرفية عملاقة تقدم خدمات مصرفية عديدة ومتنوعة الأمر الذي يستلزم مواكبة هذه المتغيرات لتكون المصارف العربية قادرة على المنافسة، وهذا يتطلب أن تتكامل الأسواق المالية العربية ويزداد التعاون بين المصارف العربية ليكون لها دور بارز في قيادة التنمية على المستوى القطري وعلى مستوى العالم العربي وأن يكون لها دور في تنمية التجارة العربية البينية في ضوء نجاح منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى.
وحول أهمية تطوير المصارف العربية لمواكبة التطورات الإقليمية والعالمية يقول إسماعيل حسن محافظ البنك المركزي السابق ورئيس بنك مصر إيران إن البنوك في العالم العربي تتطور ولا تستطيع البنوك العربية أن تكون بمعزل عن التطور. قد تكون متأخرة بعض الشيء ولكنها تتطور وأصبحت الخدمات متنوعة سواء في مجال الخدمات المصرفية والتجزئة وتحويلات الأموال وتجارة الأوراق المالية، والتعامل فيها، هذه كلها أنشطة تفرض نفسها على الجهاز المصرفي، وبعضها مكمل للعملية الائتمانية مثل فتح الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان وتحويلات الأموال، وهذه التطورات والخدمات والمنتجات المصرفية متماشية مع تطور الأسواق العربية واحتياجاتها لهذه الخدمات.
و"متطلبات بازل 2" وتحرير تجارة الخدمات المالية والمصرفية تفرض المنافسة على المصارف العربية التي استعدت لهذه المنافسة وأخذت الخطوات التي تساعدها على مواجهة تحرير تجارة الخدمات.. والمنافسة مفيدة وتحفز الهمم والمطلوب هو القدرة على توفير الاحتياجات التي تتطلبها الأسواق وهذا يأتي عن طريق القاعدة الرأسمالية الكبيرة وهذا ما فعلته مصر ودول الخليج ولبنان كما أن سوريا تمضي على طريق تطوير مصارفها.
وهذا بالطبع يؤهل البنوك العربية لكي تقوم بدورها في عمليات التنمية الاقتصادية باعتبار أن البنوك هي الشرايين للاقتصادات ودورها محوري في عمليات التنمية.. كما أن البنوك تسعى للتعامل مع المنتجات المصرفية الحديثة، وهذا لابد أن يقابله زيادة الوعي المصرفي لدى المواطنين لاستيعاب هذه المنتجات ثم ملاحقة البنوك لتلبية الطلب عليها، ومع ثورة تكنولوجيا الاتصالات أصبحت الفرصة مهيأة للمزيد من التعاون المصرفي الذي يواكب متطلبات زيادة التجارة العربية البينية وزيادة الاستثمارات العربية.
الخليج-الامارات
27-5-2005