أصبح اليورو العملة الجديدة لإحدى عشرة دولة هي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في أول يناير/ كانون الثاني 1999. وبعد عام ونصف العام من ذلك التاريخ قبلت اليونان تغيير العملة ايضاً. وتحولت اسواق المال في اوروبا بما في ذلك اسواق العملات الأجنبية وأسواق الأسهم والسندات والديون الحكومية الى اليورو، بينما حبس خبراء الاقتصاد والمستهلكون أنفساهم وهم يتوقعون تغييرات كبيرة وواضحة. وبعد مرور ثلاث سنوات من تاريخ استخدام اليورو، لا يزال الوقت مبكراً لقياس التأثير الكلي، فقد كان من المتوقع ان يجعل اليورو الأمور أكثر سهولة للمسافرين عند انتقالهم من بلد الى آخر حتى لا يضطروا للتعامل مع تعقيدات وعقبات استبدال العملة في دول اليورو. ويتعرض اليورو هذه الايام لأزمة بعد الرفض الفرنسي الهولندي للدستور الاوروبي الا انه لا يزال صامداً.
قوة اليورو تعزز دور القارة الأوروبية في مواجهة الولايات المتحدة
وحسب تقرير لبنك الشرق كان من المتوقع ان يؤدي هذا الى شفافية الأسعار التي ستزيد بدورها من حدة المنافسة بين التجار في الاتحاد الأوروبي وانخفاض الأسعار. وكانت هناك توقعات بأن يؤدي القضاء على تقلبات اسعار صرف العملات الى توفير بيئة أكثر استقراراً للتجارة داخل اوروبا من خلال تخفيض المخاطر والشكوك للمستوردين والمصدرين. وستصبح الشركات أكثر قدرة على وضع خطط استثمارية مع انخفاض الشكوك، كما سيتم الحد من تكاليف عمليات وتعاملات التغطيات الوقائية.
وأشارت التوقعات الى ان المدخرين والمقرضين سيستفيدون من وجود سوق رأسمالية ضخمة.
وقد عبر الاتحاد الأوروبي بانضمامه الى اليورو عن الثقة وحسن النية بين دول كانت بينها منافسة قوية، وقد صرح هانز تيتماير محافظ بنك بوند سبانك (المصرف المركزي الألماني) وأقوى مسؤول مالي في أوروبا بأن الاتحاد النقدي سيكون سابقاً للأوان دون اتحاد سياسي. ومع وضع جميع الشكوك جانباً، يتعين على كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي ان تثق في ان الدول الاخرى الاعضاء لن تنتهج سياسات تهدد ازدهارها الاقتصادي الكلي.
والسؤال الذي يدور في ذهن كل شخص حالياً هو: "هل نجح اليورو؟". لقد أثبت اليورو نجاحه كعملة دولية، فقد كان القادة الأوروبيون يأملون في ان تكون لهم عملة قوية تستطيع ان تواجه الدولار. ولا شك ان انخفاض قيمة الدولار مؤخرا مقابل اليورو حقق ذلك لمنطقة اليورو.
وبينما كان اليورو في وقت ما ضعيفا وتسبب في ان يتكبد المستثمرون في الاصول الاوروبية الخسائر المالية، إلا أنه الآن قوي كبديل للدولار.
ولا يزال يتعين على مجموعة اليورو تحقيق المستويات العليا للنمو الاقتصادي التي كان الأوروبيون يتوقعونها. وكانت ايرلندا واليونان واسبانيا بين الدول القليلة التي حققت بعض المزايا في حين ان فرنسا وايطاليا وهولندا وألمانيا. وهي الاسوأ حالاً بين جميع الدول. ظلت تعاني من عدم النمو أو من هبوط حاد في الاسعار. وقد توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ومقرها باريس. زيادة كبيرة تصل الى 2% في العام الحالي بينما توقعت في الوقت ذاته مستويات أعلى للنمو في بريطانيا والولايات المتحدة واليابان. وفي كثير من الاحيان تتم الاشارة الى ان عدم مرونة اليد العاملة وفرض اللوائح والنظم تمثل اسباباً للهبوط الحاد في الاسعار. ويتمثل الموضوع الاساسي في انتاجية العمال التي تظل على حالها في اوروبا بينما ترتفع بشكل مستمر في الولايات المتحدة.
وطبقاً لما يقوله خبير الاقتصاد جان بول بتبيز: "لا وجود للاستقرار المالي إلا داخل أذهان الناس، وهذه فكرة مهمة للغاية لأن لها تأثيرا في الاجور والاسعار والتنافسية". وبينما كانت هناك توقعات تشير الى امكانية انخفاض الاسعار، فقد ارتفعت تكاليف خدمات نشاطات مثل صالونات الحلاقة والمقاهي وماكينات البيع وعدادات مواقف السيارات، في حين بقيت السلع الضخمة كالسيارات والثلاجات عند مستوى اسعارها ذاته تقريباً. ولا تزال الاسعار غير منتظمة في أوروبا. ويمكن ان يباع راديو سيارة في لشبونة عاصمة البرتغال بسعر يزيد بنسبة 38% على سعره في المانيا. كما يمكن ان يباع قرص تلفزيوني رقمي (DVD) في باستون، بلجيكا بسعر يزيد بنسبة 45% على سعر بيعه في مدريد، عاصمة اسبانيا. وقد اكتشفت بعض الشركات ان عددا من منافسيها الادنى مستوى قد انتهزوا الفرصة ليزيدوا اسعارهم وادى هذا الى ارتفاع الكلفة بالنسبة للمستهلكين الذين لم يبق أمامهم خيار سوى ان يتحملوا الزيادة لأن الأمر يتعلق بالضرورات اليومية.
وقد كانت اسعار الفائدة قوة يحسب لها حساب ايضاً. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، تمتعت الدول التي توجد بها معدلات تضخم منخفضة مثل اسبانيا وايرلندا واليونان والبرتغال بأسعار فائدة سلبية بعد تسوية التضخم. وأما ألمانيا التي يوجد بها أدنى معدل للتضخم. فقد عانت من اسعار فائدة قصيرة الاجل بلغت 3% بينما كان اقتصادها يعاني بالفعل من هبوط حاد في الاسعار. واصاب الركود ايضاً تعاملات النقد الاجنبي، وظلت حصة اليورو في السوق البالغة 20% على ما هي عليه كما كانت عليه الحال اثناء التعامل بعملات مختلفة.
ويعزو البعض هذا الى الركود، في حين ان آخرين يعزو ذلك الى غياب بريطانيا وما ذلك الا دلائل واضحة على هذا الغياب. وكان تحفظ المملكة المتحدة ازاء الانضمام لمجموعة اليورو ذا اثر جيد في اقتصادها ونذير شؤم في الوقت ذاته بالنسبة لمجموعة اليورو، لا سيما أن كثيرين يعتقدون ان تحسناً سيطرأ على مكانة اليورو واستخدامه إذا انضمت بريطانيا إلى دول العملة الموحدة، وستزيد التجارة بالتأكيد وسيؤدي ذلك إلى تحقيق زيادات في الإيرادات لجميع المشاركين في العملة الواحدة. وقد شهدت بريطانيا بالفعل بعض الميزات التجارية على الرغم من كونها ليست عضواً في هذا المشروع. ويمكن أن يحقق نمو التجارة داخل منطقة اليورو مستويات معيشية أعلى ويقلل الأسعار. وطبقاً للبروفسور اندرو روز من جامعة كاليفورنيا فإنه من غير المعروف ما إذا كانت ميزة زيادة التجارة تكفي لتعويض تكاليف فقدان السيطرة على السياسة النقدية.
ومن الناحية السلبية فيما يتعلق ببريطانيا، فإن سعر الفائدة المشتركة أوروبياً يمكن أن يؤدي إلى الاستقرار في سوق الإسكان في المملكة المتحدة، فقد ظلت التقلبات في سوق الإسكان سمة ظاهرة بوضوح في الحياة الاقتصادية البريطانية على مدى العقود الثلاثة الماضية. ويبدو أن تغيرات أسعار الصرف في المملكة المتحدة امتصت الصدمات التي لها تأثير كبير في الاقتصاد.
في هذه السياق، هناك عدة دول تدرس الآن إلغاء قطعتي النقد فئة 1 سنت و2 سنت من أجل خفض تكاليف سك العملة، فيما يعارض كريستيان نوييه من بنك فرنسا هذه الخطوة ويعتقد أنه (سيكون لها تأثير نفسي سيئ للغاية، بما أن المستهلكين لديهم بالفعل الانطباع بأن أسعار السلع الأساسية أصبحت غير ثابتة نتيجة لاستخدام اليورو.
ويبدو من الواضح أن هناك إحباطاً عاماً بسبب عدم القدرة على تنظيم الاقتصادات الأوروبية من خلال سياسات مالية نتيجة لسعر الفائدة الموحد الذي يحدده المصرف المركزي الأوروبي لمنطقة اليورو برمتها. ولم تعد تسوية أسعار الفائدة خياراً مستداماً لخفض التضخم.
وفي معظم الأحوال، يتعين على دول اليورو أن تفي بوعودها، لا سيما أن مؤيدي اليورو لا يزالون مقتنعين بأن نجم اليورو سيسطع في خاتمة المطاف، بينما لا يزال المنتقدون يهاجمون الجوانب السلبية للعملة الموحدة التي تشمل التخلي عن عملات تاريخية وتراثية ظلت موجودة منذ دهور. وفي سبيل تحقيق هذه الوحدة النقدية، يشعر كثيرون أنهم فقدوا جزءاً جوهرياً من ثقافتهم الوطنية.
وعلى الرغم من هذه المخاوف، هناك حكومات أخرى تدرس إمكانية تبني اليورو، إذ لا يوجد لدى الدول العشرة الأعضاء الجدد التي انضمت للاتحاد الأوروبي في أول مايو/أيار 2004 (وهي قبرص وجمهورية التشيك واستونيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا ومالطا وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا) جدول زمني محدد للانضمام إلى اليورو، بيد أن هذه الدول ستنضم إلى اليورو متى أوفت بمعايير معاهدة ماسترخت ذاتها الخاصة بالعضوية كالأعضاء الحاليين. وبالنسبة لجواديلوب وغويانا الفرنسية والمارتينيك وريونيون. التي تمثل جزءاً من الاتحاد الأوروبي. فإنها تستخدم اليورو أيضاً كما تفصل سانت بيير.ئي.ميكلون ومايوث.
ولم تكن لاندورا عملة رسمية في أي وقت من الأوقات، ولكنها استبدلت البيزيتا الإسبانية والفرنك الفرنسي بأوراق اليورو وقطعه النقدية، وأما موناكو ومدينة الفاتيكان وسان مارينو فإنها تصدر كميات معدودة من قطع اليورو النقدية إلى جانب قطعها النقدية الوطنية في حين تستخدم أوراق اليورو المستخدمة في منطقة اليورو. ويتم استخدام اليورو أيضاً في أجزاء معينة من يوغسلافيا السابقة ولاسيما كوسوفو والجبل الأسود دون إبرام زي اتفاقيات رسمية. وفي حين أصبح اليورو عملة دولية، إلا أن نجاحه أو فشله يبقى رهناً بما تريده الشعوب، بالنظر إلى عوامل منها الارتفاع في الأسعار الذي ينطوي عليه التحول من أسعار العملات القديمة إلى أسعار اليورو والميل نحو زيادة الأسعار لإيجاد سعر سوق واحد بدلاً من خفض الأسعار العالية لتحقيق الأثر ذاته وتزايد عمليات الشراء من قبل المستهلكين بصرف النظر عن الأسعار المتضخمة، فإن جميع هذه العوامل تتضافر لتزيد التضخم، فضلاً عن أن الاستخدام المنظم سيساعد على استقرار اقتصادات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وفي هذه الحال، ربما يكون العامل الأهم الذي ينبغي اعتباره هو طبيعة البشر، وهذا يلقي ضوءاً جديداً على شعار المفوضية الأوروبية القائل (سيحمل الجميع الاتحاد الأوروبي في أيديهم).
الخليج-الامارات
6-6-2005