جاءت هذه الفتاة الجميلة والقوية الشخصية من هضبة التبت واجتازت صعوبات ومشقات في سبيل السعى الى الفن، وورثت ميزات قومية التبت المثابرة والدؤوبة ووهبت كل حياتها الى فن الرقص --- حتى نجحت في وسط الرقص القومي الحديث الصيني وأصبحت أول راقصة من قومية التبت في الصين.
اسم هذه الفتاة جو ما – ومعناه في اللغة التبتية "آلهة". ويمكن القول إنها ولدت موهوبة في الرقص حيث شغفت بهذا الفن منذ صغرها، والتحقت بالمدرسة الثانوية التابعة لكلية الفنون في معهد القوميات المركزي في الثانية عشرة من عمرها، وأصبحت ممثلة راقصة في السادسة عشرة من عمرها في فرقة الرقص والغناء بمنطقة التبت الذاتية الحكم، وفي العشرين من عمرها التحقت بكلية الموسيقى والرقص بمعهد القوميات المركزي، وقد أصبحت أول راقصة محترفة من قومية التبت في الصين.
وتعتبر جو ما أن الرقص أغلى من حياتها وتنهمك بكل حواسها في التدريبات والعروض. أصيبت في التدريبات عدة مرات وتعذبت من الألم عند المشي، غير أنها لم تشعر بهذا الألم عندما ترقص لأن الرقص والموسيقى يقودانها الى عالم دافئ ولطيف.
ظلت جو ما تدرس أو تعمل بعيدة عن بلدتها منذ بضع عشرة سنة، وتشتاق الى السماء الزرقاء والسحب البيضاء ومياه نهر يالوتسانغبو الصافية والمنعشة في التبت. وعندما ترقص ترغب في تجسيد حركات أبناء قومية التبت في عملهم الشاق على الهضبة، الا أنها لم تجد طريقة جيدة لإدخال هذه الحركات في الرقص. حتى اكتشف مخرجا مسرحيات رقصية الشابان دنغ لين وسو دونغ مي جمال حركات جوما هذه وقيمتها الخاصة، وأبدعا رقصة فردية بعنوان:"جو مو لانغ ما"، تجسد فتاة نصف انسانة ونصف إلهة ترغب في امتلاك عواطف البشر وتضطرّ الى عيش حياة الآلهة، وتبذل جهودا عظيمة في سبيل التمسك بمثلها العليا.
وتدربت جوما على هذه الرقصة لعشرين يوما فقط ثم عرضتها على خشبة المسرح في الدورة الثانية من منافسة المعاهد الفنية الوطنية، وأعجب الخبراء في وسط الرقص الصيني بجمال الرقص التبتي المميز والخالص الذي جسدته جو ما. وفازت الفتاة الجميلة بالجائزة الأولى في المنافسة ولقبت ب"أحسن راقصة"، وأصبحت أول راقصة شابة من قومية التبت تفوز بجائزة كبيرة على المستوى الوطني منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية. وفي عام 1991 عادت جو ما مع فرقة العروض الفنية المركزية الى التبت للاشتراك في الاحتفالات الكبرى بمناسبة الذكرى الأربعين لتحرير التبت السلمي، وأحدث رقصها صدى كبيرا وسط المشاهدين التبتيين ولقبوها بحماسة ب"آلهة جو مو لانغ ما".
وقالت جو ما إن الرقص امتداد للمشاعر الداخلية. ومن أجل التعبير عن هذه المشاعر والأحاسيس ورقدها، ترجع جو ما كل سنة الى التبت لتتلمس الحضارة التبتية العريقة والعظيمة، وتتمتع بجمال ملامح الشخصيات في الرسومات الجدارية القديمة في المعابد التبتية، وتستوعب روح الإخلاص وطيبة القلب وصفاء النفس لأبناء قومية التبت. وتحاول تجسيد الرقص التبتي بحركات بديعة جدا وتدخل فيه عوامل الثقافة والحضارة والأخلاق التبتية ومضامينها المتميزة في الجمال التشكيلي، حتى تحوّل الرقص التبتي الذي كان في أصله رقص للترفيه عن النفس الى رقص كلاسيكي متحرر ومتحمس ذي إبداع جميل ومتميز بنكهة قومية كثيفة. وعن طريق هذا الرقص الرائع والبديع تعبر جوما عن مشاعرها وتؤثر في المشاهدين في نفس الوقت.