إعداد: ابتسام فرح
يحتوي الموروث الثقافي لشعب ما فنوناً متعددة وتراثاً غنياً يضم العديد من جوانب الحياة الاجتماعية والفكرية. فإلى جانب الامثال والحكايا الشعبية هناك /النكتة/ واستمراريتها عبر التاريخ.
لم تعتمد النكتة تعريفاً موحداً فقد أخذت أكثر من تعريف واختلف من طرف لآخر. يعتبرها الالماني/شوبنهار/ أنها محاولة لإثارة الضحك على نحو مقصود من خلال إحداث التفاوت بين تصورات الناس والواقع المدرك، ويراها/ فرويد/ أنها احدى الوسائل الدفاعية اللاشعورية التي يعتمد عليها الانسان لمواجهة ضغوطات ناجمة عن محيطه الخارجي وربما لإيجاد توازن نفسي وإخراج الدوافع والطاقات المكبوتة.
واعتبرها آخرون فناً كبقية الفنون يتمتع بخاصية وظروف تقف وراء استمراريته لسنوات طويلة، إذ تعتمد النكتة على التكثيف والايجاز والأخذ من الواقع وسرعة الانتشار من خلال المفارقات والسخرية والنقد اللاذع ولكل نكتة لها خصوصيات يتمتع بها أناس دون آخرين كالتعامل مع اللغة من حيث التقديم والتأخير واختبار الكلمات المناسبة للتورية والتكثيف والدلالات الموحية إضافة الى نبرة صوت خاصة في الأداء الدرامي المطلوب، فيمكن ان تكون النكتة ذاتها مضحكة من شخص وغير مضحكة من اخر تبعاً للطريقة في الإلقاء ويمكن ان تكون مضحكة للبعض دون البعض الاخر، ويمكن من ناحية اخرى تصنيف النكتة تبعا لموضوعها فمنها السياسية والاجتماعية التي تضم بدورها النكتة الفاضحة، الشخصية، الدينية، الجهوية. وقد تحمل النكتة خليطاً من تلك الموضوعات كلها وتصنف ايضا حسب ارتباطها بسكان منطقة معينة مثل صعيد مصر فله طابعه الخاص والبسيط. وايضا حسب فئة معينة مثل البخلاء والحشاشين، إذ ترصد حياتهم بكل دقة. كما تتناول النكتة اشخاصاً معينين مثل شخصية جحا ونوادره الطريفة والذكية وايضا أشعب ذلك الطفيلي الذي تحمل طرائفه صورة واضحة عن مجتمعه وبيئته. فالنكتة من الناحية السكيولوجية هي نتاج اجتماعي تعززه عمليات التفاعل بين الذات والآخرين ويعتبر من جملة مواقف وبنى فكرية لجماعة ما أو مجتمع معين ويمكن أن تأخذ طابعاً هجومياً ودفاعيا، وإنها تتأثر وتؤثر بالمحيط الخارجي من نواحيه المتعددة لذلك تعتبر النكتة فناً قائماً بحد ذاته له خصوصياته وارتباطاته وهناك مقولة عالمية تقول: إن الانكليزي يضحك ثلاث مرات الاولى مجاملة لسماعه النكتة والثانية عندما تشرح له والثالثة إذا فهمها.
والالماني يضحك مرتين الاولى مجاملة والثانية عند شرحها وفي الحالتين لايفهمها والفرنسي يضحك مرة واحدة كونه لماحاً، أما الاميركي فلايضحك لأنه يكون قد سمعها من قبل بوساطة تقنياته الحديثة.
وأخيرا فإن النكتة مرآة المجتمع الدائمة لارتباطها اليومي والمستمر بحركته الثقافية والسياسية والاقتصادية وتكشف بتلقائيتها أو بقصديتها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن الجوانب الحقيقية والخفية للواقع سواء كانت موقفاً أو تطلعاً أورغبات مكبوتة
تشرين-سوريا
15-6-2005