يسخر الفرنسيون من الأمريكيين ويقولون: "نحن نأكل، وهم يسمنون". أما الأمريكيون، فإنهم يتحدثون عما يطلقون عليه "المفارقة الفرنسية" في مواجهة "المعضلة الأمريكية" ويقولون: "إننا نحسب السعرات الحرارية في وجباتنا الغذائية بالورقة والقلم، ونسبة الشحوم في الوجبات الفرنسية أكثر منها في الوجبات الأمريكية، ومع ذلك فإن الفرنسيين أكثر رشاقة منا، ونسبة انتشار أمراض القلب التي تسببها السمنة بيننا أعلى مما هي لديهم بما يزيد على ،30 فما هو السبب في هذه المفارقة الغريبة"؟.
وحول هذا الموضوع صدر في الولايات المتحدة قبل أيام كتاب بعنوان: "أجسام وجمال في الدول الغربية الحديثة" من تأليف للدكتور بيتر ستيرنز يقول فيه إن انتشار السمنة وأمراض القلب بين الأمريكيين لا يعود للوجبات الغذائية التي يتناولونها وإنما لأسلوب تناول هذه الوجبات، ويضيف: إن الأمريكيين أكثر شراهة من غيرهم من الشعوب، وهم أشبه بأثرياء الحرب الذين يرفضون معالجة الغريق بالتنفس "الاصطناعي" بحجة إنهم قادرون على دفع ثمن التنفس "الحقيقي" مهما كان مرتفعا، فتكون النتيجة أن يظل الغريق دون إسعاف ويقول الدكتور لازاروس إن معالجة السمنة بالريجيم وغير ذلك من الوسائل تزيد تفاقم المشكلة ولا تساهم في حلها، إنه تبسيط للأزمة، لا معالجة لها، وهو أشبه بشخص أضاع مفتاحه في طريق، فبدأ يبحث عنه تحت عمود للنور، ومر به أحدهم وسأله: "عم تبحث؟" قال: "عن مفتاحي" وسأله: "وأين أضعته؟"، فأشار الرجل بيده إلى الجانب الآخر من الطريق وقال: هناك، فقال له: "ولماذا لا تبحث عنه هناك، حيث أضعته؟" فقال: "لا يوجد نور هنالك، والظلام يغلف كل شيء".
وأسلوب حياة الأمريكيين أشبه ما يكون بأسلوب حياة أثرياء الحرب من محدثي النعمة الذين وجدوا أنفسهم فجأة غارقين بثروة لم يكن لديهم منها شيء، وحصلوا عليها دون عناء، ولذلك فإنهم ينفقونها من أجل تحقيق راحتهم، لا من أجل سعادتهم، والغبي هو الذي ينفق من أجل الراحة ويهمل السعادة، فالأمريكي ينفق من أجل شراء ميكروويف، وثلاجة، ومكيف هواء، ويصر على ان تكون سيارته وحياته "فول اوتوماتيك": كبسة الزر هي التي تفتح شبابيك السياره، وأبواب الكاراج أوتوماتيكية تفتح من تلقاء نفسها، وتغلق تلقائيا بعد دخوله، لسبب بسيط هو: إنه لا يريد ان يكلف نفسه مشقة فتح الباب، وإذا شاء زيارة السوبر ماركت الذي يبعد بضعة أمتار عن منزله فإنه يستقل سيارته، أما الأوروبي فإنه يذهب إلى السوبرماركت سيرا على الأقدام مهما كان بعيدا، وهو يقتصد في الانفاق على راحته، ويغالي في الإنفاق على الأشياء التي تحقق له السعادة، ويقول الدكتور بيتر ستيرنز معقبا على ذلك: واضح أن الفارق بين الأوروبيين والأمريكيين أكثر من مجرد فرق في عدد السعرات الحرارية في الوجبة الواحدة، إنه فرق في أسلوب الحياة، ولن يتمكن الأمريكيون من مجاراة الأوروبيين في اللياقة البدنية إلا إذا اعتمدوا أسلوبا مشابها لأسلوب حياتهم، ومن هنا فإن ما يتحدث عنه الأمريكيون ويطلقون عليه "المفارقة الفرنسية" ليس مفارقة على الإطلاق وإنما تحصيل حاصل، ولكن المعضلة الأمريكية معضلة بالفعل، وسببها الكسل، لا السعرات الحرارية.
أبو خلدون
الخليج-الامارات
15-6-2005