إعداد - محمد عبدالرحيم:
يبدو أن أفريقيا استفاقت فجأة لتجد نفسها في صدارة الأجندة الدولية وفي وقت لا تلعب فيه إلا بالكاد دوراً مؤثراً في الاقتصاد العالمي•ففي خضم الاهتمام الدولي بالديموقراطية والمخاوف من الإرهاب وبقية الأمراض التي تصدرها الدول النامية أصبحت هذه القارة الموضوع المركزي الذي سيناقشه قادة الدول الصناعية الثمانية الكبار في اجتماعهم الشهر المقبل والذي يهدف الى ترجمة مقترحات الجمعية العامة للأمم المتحدة والمناقشات التي دارت في أروقة منظمة التجارة العالمية الى آليات على أرض الواقع، وسوف تسعى القمة الى جمع مبالغ هائلة وتوفيرفرص تجارية جديدة من أجل تحسين وترقية أداء القارة نحو الأفضل ، وسوف يعمد المشاركون في القمة أيضاً الى البحث عن الوسائل المناسبة للتخلص من الأزمات الإنسانية التي ظلت تمسك بخناق القارة وبخاصة تلك التي تتعلق بانتشار الفقر ومرض الايدز الذي أصاب 25 مليون أفريقي من إجمالي التعداد السكاني في شبه الصحراء الأفريقية البالغ 750 مليون نسمة•
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال إن رئيس الوزراء البريطاني بات يضطلع بدور رائد وهو يحث زملاءه الآخرين من الزعماء على مضاعفة مساعدات التنمية للقارة الأفريقية وإعفاء الديون المتبقية على دولها في اجتماع قمة دول الثمانية الكبار المزمع عقده في اسكتلندا ابتداء من السادس من يوليو المقبل• وكان بلير قد عبر عن رغبته في أن تزيد الدول الغنية إجمالي مساهماتها للتنمية الأفريقية بمبلغ 25 مليار دولار (20,43 مليار يورو) في كل عام•
وظل بلير أيضاً يواصل ضغوطه على الرئيس جورج دبليو بوش من أجل زيادة المشاركة والمساعدات الأميركية• وبعد اجتماع عقد في واشنطن في الأسبوع الماضي وصف الزعيمان خطوطاً عريضة لخطة تهدف الى شطب 43 مليار دولار على الأقل في شكل ديون ترزح تحت وطأتها 27 من أفقر دول العالم بما في ذلك ديون البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي على الرغم من عدم التوصل الى صفقة بهذا الشأن حتى الآن•
لكن الولايات المتحدة فيما يبدو تتمسك بإسلوب في المساعدة يتعين ربطها بمتطلبات معينة وبموجب معايير قوية بشأن المحاسبة• فقد أعلن الرئيس بوش عن خطوة متوقعة بالإفراج عن مساعدات بمبلغ 674 مليون دولار لأفريقيا معظمها في شكل معونات غذائية يتم سحبها من أموال كان قد خصصها الكونجرس في الماضي• ولكن بلير فشل في إقناعه بالموافقة على خطته الهادفة لمضاعفة المساعدات لأفريقيا من الدول الأغنى في العالم• وعلى الرغم من مطالبة وإلحاح بلير فقد ذكر بوش أن الولايات المتحدة زادت أصلاً مساعداتها لأفريقيا الى ثلاثة أمثالها أثناء فترة إدارته للبيت الأبيض قبل أن يضيف قائلاً :'' سوف نقدم المزيد من المساعدات في المستقبل''•
وعما إذا كان بإمكان الدول الغنية في العالم صياغة نسخة أفريقية لخطة مارشال أي الجهود التي قادتها الولايات المتحدة لإعادة بناء أوروبا بعيد الحرب العالمية الثانية فإن الأمر ما زال مفتوحاً على العديد من الاحتمالات•
فالعديد من الدول الثمانية الكبرى الى جانب الولايات المتحدة نفسها أصبحت تواجه ميزانيات مضغوطة بإحكام وبخاصة في ألمانيا• أضافة الى ذلك فإن الولايات المتحدة وأوروبا ما زالتا ترفضان وقف تقديم المساعدات لمزارعيها حتى يتم استحداث ملعب مستو يسمح للمزارعين الأفارقة بالمنافسة، على ان تاريخ أفريقيا نفسها لم يسمح في أي وقت مضى بإذكاء روح الثقة في أن أمطار المساعدات سوف تنزل على تربة خصبة• فقد ظلت هذه القارة السوداء مرتعاً لمشاريع التنمية الفاشلة ومستنقعاً للفساد وإهدار الأموال•
ومازال سوء الإدارة والنزاعات الوحشية الفظيعة تتفشى في دول زيمبابوي والكونغو والسودان، بينما عمدت الصومال مؤخراً الى طرد المستثمرين الأجانب ومنظمات الإغاثة الدولية•• ومع ذلك أصبحت أفريقيا تمثل الأولوية لدى المنظمات الدولية، ففي سبتمبر المقبل تعتزم منظمة الأمم المتحدة قرع أجراس المساعدات في الوقت الذي تتراجع فيه معدلات تنفيذ ''برنامج التنمية الألفية''• وهي الأهداف التي تم وضعها لخفض مستوى نسبة الفقر الى النصف بحلول عام •2015 وفي ظل التعقيدات الحالية فإن الوصول الى ذلك الهدف ربما يحتاج الى عقود عديدة من الزمان في أفريقيا• وفي شهر ديسمبر المقبل سوف يجتمع وزراء التجارة من جميع أنحاء العالم في هونج كونج على أمل إنجاز الخطة العريضة الهادفة لزيادة الفرص التجارية أمام الدول النامية• وينصب الهدف الرئيسي لهذه الخطة على تحسين وترقية التنافسية للزراعة الأفريقية التي تحتل مكانة القلب في اقتصاد كل دولة أفريقية تقريباً•
بل ان أفريقيا أصبحت محط اهتمام زعماء العالم الآخرين، تماماً كما هو الحال في أوساط كبار رجالات الأعمال مثل بيل جيتس رئيس مجلس إدارة مؤسسة مايكروسوفت• وأصدق مثال على ذلك أن الرئيس الجديد للبنك الدولي بول وولفويتز تعهد بوضع القارة على قمة اولوياته خلال فترته القادمة الممتدة الى خمس سنوات• وعلى الساحة الخلفية يقف المتظاهرون ومعهم النشطاء من نجوم الغناء المشهورين في العالم مثل الايرلندي بونو وبوب جيلدوف وهم يحشدون الدعم من أجل أفريقيا•
ويقول وليام كاليما رئيس هيئة الاستثمار الأوغندية وأحد الأعضاء السبعة عشر في لجنة الرئيس بلير الخاصة بأفريقيا والتي عينها مؤخراً من أجل تحليل ومراجعة الأسباب التي أدت الى انزلاق أفريقيا في هوة الأمراض والفقر: ''دعونا لا نفرط في هذه الفرصة•• فلا يمكن أن يعاني أحد الجيوب من الفقر المدقع في بقعة من العالم بينما يستمتع الجانب الآخر بالنمو الاقتصادي المتسارع''•
والى ذلك فإن أكثر ما شجع اعتلاء أفريقيا لمرتبة الأولوية في اهتمام معظم الدول الأخرى في السنوات الأخيرة خليط من التفاؤل والخوف• فقد ظلت كل من أوروبا وأميركا تدفع باتجاه تحقيق الديموقراطية في المزيد من الدول الأفريقية بينما برزت في أفريقيا نفسها مجموعة جديدة من المنظمات القارية من أجل مراقبة مسيرة الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية• وفي نفس الوقت بدأت تساور المخاوف بعض زعماء العالم من أن المزيد من الفقر والجوع وسط السكان الأفارقة في ظل وجود هذه الأنظمة الفاشلة وتفشي الحروب والأمراض إنما يمثل تهديداً سافراً للأمن والسلام الدوليين• وقد حذرت لجنة بلير قائلة: ''إننا نمضي وكأننا نخزن المشكلة للمستقبل، فكلما تركنا المشاكل الأفريقية دون إيجاد الحلول كلما تفاقمت هذه المشاكل نحو الأسوأ''•
بيد أن هنالك العديد من المؤشرات التي تبعث التفاؤل في امكانية تحقيق التقدم ، فقد لاحظت لجنة بلير ان أكثر من ثلثي دول القارة خلال السنوات الخمس الماضية نجحت في عقد انتخابات متعددة الأحزاب وهنالك حوالى 24 دولة أعلنت عن معدلات للنمو تتجاوز نسبة 5 في المئة في عام ،2003 وان دولاً مثل موزامبيق وأوغندا والسنغال وغانا تمكنت من مضاعفة إنفاقها على الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة، ولكن أفريقيا مجتمعة ما زالت تعاني من نمو متسارع في الفقر والجوع والمرض• ففي الوقت الذي ما زالت تشهد فيه انتشاراً فطرياً في فيروسات أمراض الايدز والسل بالإضافة الى الملاريا فقد لاحظت اللجنة أن متوسط الحياة العمرية في أفريقيا شبه الصحراوية الذي لا يزيد على 46 عاماً الآن قد تراجع الى مستوى حقبة السبعينيات• ولكن أفريقيا أصبحت المنطقة الوحيدة في العالم النامي التي انخفض فيها إنتاج الغذاء خلال العقدين الماضيين•
وقد تراجعت أيضاً حصة القارة في التجارة العالمية من مستوى 6 في المئة في عام 1980 الى أقل من 2 في المئة في عام ••2002 ويمكن التعرف على مجمل الفرص المتاحة والتحديات التي تواجه القارة بوضوح في موزمبيق التي تتخذ لنفسها موقعاً في الساحل الجنوبي الشرقي للقارة• فقبل عقد من الزمان كانت موزمبيق على شفا هوة الفشل والدمار بعد أن استنزفتها حرب أهلية ضروس وطويلة الأمد تزامنت مع انتهاج السياسات العقيمة التي تستند الى المبادئ الشيوعية، ولكن وبحلول نهاية العام الماضي تمكنت هذه الدولة من تنظيم انتخابات ديموقراطية للمرة الثالثة على التوالي، و بعد أن تحولت الى اقتصاد السوق استطاعت موزمبيق كسب إشادة كبار المانحين الذين تشجعوا أيضاً بالكيفية التي أنفقت بها الدولة مدخراتها• فبهذه المنح التي تقدر بحوالى 130 مليون دولار سنوياً استطاعت موزمبيق خلال السنوات الخمس الماضية بناء 2500 مدرسة مما رفع أعداد الطلبة الذين يتلقون التعليم الابتدائي بحوالى 1,3 مليون طالب ونجحت في تطعيم 600 الف طفل ضد أكثر الأمراض فتكاً مثل الحصبة، بينما وصلت الكهرباء الى مجموعة كبيرة من القرى الريفية• والى ذلك فإن كبار المانحين مثل بريطانيا والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي قد عمدوا مؤخراً الى انتهاج طريقة جديدة في توزيع المساعدات بضخها مباشرة في الميزانية العامة للحكومة بدلاً من اتباع الطريقة التقليدية القديمة التي كانوا يقفون فيها بأنفسهم على المشاريع الخاصة بهم•
وفي أثناء مأدبة للعشاء ضمت عدداً من المسؤولين في حكومة موزمبيق في العاصمة مابوتو في أوائل هذا العام أعرب جوردون براون وزير المالية البريطاني عن تعجبه لعدم توظيف المزيد من المعلمين• وأجاب عليه المسؤولون الموزمبيقيون بأنهم عجزوا عن رفع مستوى المرتبات بحيث يتمكنوا من استقطاب الأكفاء من المعلمين وذلك لأن هذا الأمر يحتاج الى زيادة في الميزانية وانه ليس بإمكانهم التخطيط لمثل هذا الأمر في ظل عدم وجود ضمانات لرفع مستوى المساعدات الأجنبية• وذكر هؤلاء المسؤولون بأن نفس هذا الأمر ينطبق على مسألة توفير علاج الايدز للمرضى حيث لن يتمكنوا من إطلاق جهود ربما تمتد الى عقود من الزمان دون ضمانات على وجود هذه الأموال بشكل دائم في الميزانية•
ومنذ تلك المواجهة يبدو أن حكومة بلير عمدت لأن تجعل من موزمبيق ''صالة العرض'' التي تكشف من خلالها عن الفوائد المحتملة للزيادة الهائلة في المساعدات لأفريقيا•• وكما يقول ايمون كاسيدي رئيس هيئة التنمية البريطانية الدولية في مابوتو العاصمة: ''لقد فعلت موزمبيق أفضل ما يمكن بالأموال التي في حوزتها، ولكن ما زال هنالك الكثير الذي ينتظر فعله• إننا نحتاج الى تمويل طويل المدى وبشكل أكثر مصداقية•
الاتحاد-الامارات
17-6-2005