يقف دوني جورج مدير المتحف الوطني العراقي قلقا يأسره هاجس تعثر الامن الذي يكاد يشل مؤسسته وسط اعمال عنف تهدد سلامة كنوز وآثار بلد تغوص جذوره عميقا في القدم.
ويقول جورج كاشفا عن مخاوفه "اقول للحراس اذا اطلق احدهم طلقة واحدة فردوا بمئة. علينا ان نظهر ان المكان محمي بصورة جيدة".
ويعتبر الهاجس الامني في طليعة العوامل التي دفعت دوني جورج الى تأجيل فتح ابواب المتحف امام الزوار لاكثر من مرة، في ظل موجات من السيارات المفخخة والطرق شبه المغلقة بوجه العاملين في المتحف الذين ترهقهم مشقة الوصول الى المبنى الكائن في قسم من العاصمة يصفه جورج ب"الساخن".
ويرقد اثنان من حراس المتحف في المستشفى بعد تصديهما لمحاولة سرقة. ويعتقد جورج ان اللصوص يحاولون اختبار الاحتياطات الامنية في المتحف بهدف شن عمليات سطو واسعة كالتي حصلت بعد سقوط بغداد في نيسان/ابريل 2003.
ولم يكن في تصور جورج ان الوضع سيستمر على حاله بعد انتخابات كانون الثاني/يناير الماضي حيث يقول "اعتقدنا ان كل شيء كان سيسير نحو الهدوء حتى اننا حضرنا لمعرض كان من المؤمل افتتاحه في تموز/يوليو ولكن الامور اتخذت اتجاها معاكسا".
ويتابع "المتحف هدف سهل واذا ما اردنا اقامة معرض فان ذلك سيتطلب مشاركة الجيش العراقي بكامله لحمايته".
ورغم مخاوفهم، فان جورج وزملاءه في المتحف لا يجلسون مكتوفي الايدي. ففي كل زاوية من المتحف يشاهد الزائر عاملين صغارا وهم يحاولون اعادة ترتيب قطع اثرية تحطمت اجزاء منها فيما يشرف جورج بعناية على سير الاعمال.
ويأتي بين الفينة والاخرى بعض علماء الآثار من محافظاتهم ليبلغوا عن عمليات سطو وسرقة آثار.
وبحسب جورج، فان قرابة 1500 قطعة اثرية سرقت من المتحف بعد سقوط بغداد، وقد تم اعتراض نصفها اثناء محاولات تهريب عبر بلدان مثل الكويت وايطاليا واليابان، الا ان المتحف الوطني في بغداد لا يزال غير مؤهل لاستلامها.
ويرى ان من الاسلم ان "تبقى في الوقت الحاضر تلك النفائس في حماية سلطات هذه البلدان" مشيدا ب"تعاون بلدان مثل اليابان والولايات المتحدة".
ويتابع "مع الاسف فان دولا مثل تركيا وايران لم تطلعنا ابدا على آثار عراقية اعترضت تهريبها (...) نحن نعلم انها تحتفظ بتلك القطع النفيسة".
ويقول ان طلبات تقدمت بها وزارة الثقافة العراقية ومنظمة اليونيسكو التابعة للامم المتحدة والشرطة الدولية (الانتربول) فشلت جميعها في الحصول على تجاوب، مشددا على انه "سيحرك الملف في اجتماع اليونيسكو المقبل في باريس في وقت لاحق من الشهر الحالي".
اما قاعات المتحف التي غصت ذات يوم بالقطع الآثرية التي تروي تاريخ بلد يوصف ب"مهد الحضارة"، فتقف اليوم خاوية باجنحة عرض فارغة تعرض بعضها للتخريب.
فجولة في القاعة الاشورية على سبيل المثال حيث اعمدة اثرية بكتابات منقوشة تحكي قصص آلهة العصور القديمة، تذكر بما كان ذات يوم متحفا يرقى الى مصافي المتاحف الاثرية في العالم.
وهذه الكتل الضخمة من الحجارة بلغت من الثقل درجة صعب حملها على اللصوص الطامعين بكل ما خف حمله وارتفع ثمنه.
اما في الخارج، فتعرض قطع حديثة تصور تاريخ العراق المعاصر تحت نظام الرئيس المخلوع صدام حسين.
وفي زاوية لفتها الاتربة يرى الزائر عربتين للرئيس المخلوع صدام حسين صبغتا بلون الذهب وضعتا تحت ارضية من المخمل، في حين ركنت مجموعة من الحاويات المليئة بقطع من قصور صدام.
ويقول جورج معلقا على تلك الاجزاء من المتحف "سنعتني بتلك القطع ولكن لن نضعها ضمن معروضات المتحف الاثرية"، معترفا بان وقتا سيأتي يؤرخ فيه المتحف حقبة صدام حسين بشرط ان لا تعبر طريقة العرض عن هدف دعائي.
ويوضح "يمكن اقامة معرض ما في احد قصوره (صدام) ولكن ذلك يجب الا يكون جزءا من تاريخ البلاد سواء كان ايجابيا ام سلبيا".
ويتابع ان "المتاحف تقام عادة لعرض الحقائق التاريخية حيث يترك للناس الحكم على تلك الفترة من التاريخ".
ويعتبر جورج العرض الذي تقدمت به الولايات المتحدة للمساعدة في اعادة بناء المتحف الوطني العراقي بمثابة محاولة للاعتذار.
ويوضح "بلغ غضبي تجاه الاميركيين ذروته في البداية لانهم لم يفعلوا شيئا لحماية المتحف (...) ولكني رجل ايجابي التفكير وانظر الى المستقبل".
واضاف "ما حصل حصل ولا يمكننا الجلوس والنحيب".
لكن ذلك لا يعني ان العراقيين تناسوا تلك المرحلة كما يدرك من كلام مدير المتحف الوطني ببغداد بقوله "ساطلب مد يد العون على مدى السنوات العشر او العشرين سنة المقبلة".
ميدل ايست اون لاين
16-6-2005