يقول السيد يو تشيو يو الكاتب الصيني المشهور الذي تجوّل في أنحاء العالم في مقالته له:"يجد الناس هنا روح الحب، والأمل في الحب، والإيمان بالحب. والحب جوهر روح الإنسان لأن السعادة تتجسد فيه. ومن على هذه الأرض لا يسعى الى السعادة؟" ويقصد السيد يو ب"هنا" في هذه المقالة مدينة بيرونا في إيطاليا التي تعتبر مدينة مقدسة للحب.
تقع بيرونا شمال إيطاليا ويبلغ عدد سكانها 250 ألف نسمة. ومثل المدن الإيطالية القديمة الأخرى، لبيرونا تاريخ عريق جدا وما زال في المدينة كثير من النصب التذكارية الباقية من عصر النهضة الإيطالية وحلبة مصارعة قديمة كاملة. وفي العصور العديدة الماضية اعتبرت هذه المدينة التي اجتازت الحروب والمعارك الانتقامية مدينة عسكرية هامة أو مدينة تاريخية عريقة. ولم يرتبط اسمها بالحب والرومانسية حتى أواخر القرن ال16 الذي صدرت فيه رواية شكسبير العظيمة "روميو وجوليت" التي اختار فيها الكاتب بيرونا مسرحا للقصة الغرامية والرومانسية الخالدة، ومنذ الثلاثينات من القرن العشرين أعاد المخرجون الأمريكيون والإيطاليون تأليف هذه الرواية والمسرحية وحولوها الى أفلام سينمائية عديدة حتى أصبحت مدينة بيرونا مدينة رومانسية ومكانا مقدسا للحب في قلوب شباب العالم.
وبالنسبة الى السياح الذي يأتون الى بيرونا تجذبهم هذه المدينة بمكان واحد فقط وهو مسكن جوليت وشرفتها في القصة الغرامية الخيالية الجميلة. فيقع هذا المبنى على شارع كابيلو ومعناه "شارع القبعة". تستطيع أن تجد ميدان "برا" في مركز المدينة بسهولة، ثم تجتاز حلبة المصارعة الرومانية القديمة التي تقع وسط الميدان، وتمشي على شارع "مازيني" الممهّد برخام أحمر، ثم تصل الى ميدان الريحان، وعلى جانب هذا الميدان شارع كابيلو، وتجد "بيت جوليت" المشهور في الرواية وهو دار من طابقين ومحاط بفناء صغير وهادئ وبنى بالأسلوب المعماري الأوربي في القرون الوسطى. ووسط الفناء تمثال برونزي جوليت شكلها أنيق ومظهرها حزين كأنها ما زالت تنتظر مجئ حبيبها روميو. ووضع التمثال على الشرفة الرخامية المشهورة التي كانت جوليت تقابل روميو فيها سرّا.
ولا نعرف منذ متى بدأت الجدران القديمة والبالية المحيطة بالفناء تصبح منظرا جديدا مؤثرا: نحتت على كل حجر بالجدران كلمات تمنيات جميلة عن الحب ورسوم سهم إلاه الحب جوبيت حتى تشكلت "جدران الحب" الملونة. ومن بين هذه الكلمات والجمل المفعمة بالحب والحنان نرى "الى الأبد" مرارا وتكرارا الأمر الذي يبرهن على ثقة الناس في قوة الحب وأملهم في خلوده. ويقع بيت روميو حبيب جوليت خلف ميدان سيغنوري ويبعد عن بيت جوليت بثلاثة شوارع فقط، وهو بناء قديم وبال بنى بأسلوب روماني قديم. وفي دير راهبات خارج المدينة يقع "قبر جوليت"، وتتراكم بجانب تابوت جوليت باقات الأزهار ورسائل من ناس يعيشون في حب أو فاشلين في الحب من أنحاء العالم.
ومن العادة أن يأتي حبيبان الى بيرونا ويسجلان اسميهما على "جدران الحب" ويرسمان رسم قلب خارج الاسمين والذي يرمز الى "شخصين لهما قلب واحد"، ثم يقدمان وردة حمراء لتمثال جوليت ويلمسان صدرها الأيمن بخفّة --- هكذا ستحفظ آلهة الحب هذه حبهما الى الأبد.