يعود الحديث عن واقع استغلال الثروات النفطية والغازية في اليمن إلى واجهة الأحداث، هذه الأيام، وخاصة بعد اندلاع "اشتباك" لفظي حاد بين بعض أعضاء مجلس النواب، يوم الثلاثاءالماضي، ويبرز في هذا الحديث ما تؤكده أوساط برلمانية موالية ومعارضة معا وجود مظاهر فساد وعبث وإهمال وإهدار للثروات القومية للبلاد.
فبعد أن نجح مجلس النواب لأول مرة في إسقاط مشروع بيع القطاع النفطي رقم 53 بمحافظة حضرموت، العام الماضي، وانكشاف خفايا لازالت تحاول أطراف تغطيتها، فإن التقرير الأخير الذي أعدته لجنة التنمية والنفط والثروات المعدنية، حول أوضاع ومستجدات مشروع تطوير الغاز، وأدت الملاسنات والمشادات الكلامية إلى أن يضطر رئيس مجلس النواب الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر لرفع أعمال الجلسة، يشير إلى حجم ما يصفه كثير من الاقتصاديين والمراقبين بالهدر للثروات المعدنية، وتعامل الحكومة مع هذه الظاهرة بقدر غير قليل من الاستخفاف.
واعتبر النائب عبد الكريم شيبان التقرير في غاية الأهمية لأن اليمن سيخسر كثيراً في حال بيع الغاز اليمني بأسعار تقل عن الأسعار العالمية. وقال شيبان "إن أي تصدير لأي كمية من الغاز في الوقت الحاضر، يعتبر خطأ اقتصادياً كبيراً، يؤدي إلى خسارة قادمة على اليمن، لأنه سيجبرها على استيراد احتياجاتها من الوقود بكلفة مضاعفة، تفوق كثيراً العوائد المتوقعة" حاليا.
وأكد أن الإجراءات القانونية التي اتخذتها الحكومة لم تعرض على مجلس النواب للمصادقة عليها، بحسب الدستور. وأشار النائب شيبان إلى أن لجنة التنمية والنفط والثروات المعدنية أنزلت التقرير بصفة مستعجلة إلى مجلس النواب، خشية أن يتم التوقيع على الاتفاقية، أثناء إجازة المجلس، خاصة وقد أوضحت الحكومة أنها ستقوم بالتوقيع على اتفاقية بيع الغاز. وأضاف "أنزل التقرير حتى يتم استدعاء الحكومة في الأسبوع القادم للالتزام بالتوصيات الواردة في تقرير لجنة التنمية والنفط والثروات المعدنية".
باجمال يحسم الجدل حول وضعية شركة "هنت" الأمريكية
وكان عبد القادر باجمال رئيس الوزراء اليمني قد أعلن إمكانية أن تخوض شركة "هنت" النفطية الأمريكية التنافس من جديد للحصول على حق تشغيل أول حقول النفط اليمنية، بعد إلغاء اتفاقية التمديد لها لخمس سنوات أخرى قادمة، إثر انتهاء المدة المحددة لها قانونيا، وهي عشرين عاما في استغلال القطاع النفطي رقم 18 في محافظة مأرب، شمال شرق البلاد.
وشكل إعلان باجمال بالنسبة لشركة "هنت" النفطية الأمريكية في حقها للعودة إلى العمل في الحقل النفطي باتفاقية جديدة كمشغل وليس كشريك، كما هو في الاتفاقية الأساسية، التي كان قد ثار جدل بشأن تمديدها، حسما قاطعا للجدل الدائر، على مدى أكثر من شهرين، بين الحكومة وشركة "هنت"، التي تتحدث عن "مساعدتها اليمن على رفع دخلها القومي إلى الضعف، بواقع 2 بليون دولار سنويا، وأنها منحت اليمن درجة جيدة من الاستقلالية المالية"، كمبرر للحديث عن حقها في تمديد الاتفاقية، التي كشفت لجنة النفط والتنمية بمجلس النواب اليمني عن مسودة تجديدها بين الطرفين، أثناء مناقشتها بيع (هنت) وبرضا وزارة النفط اليمنية 15 في المائة في القطاع النفطي 15 مأرب- الجوف، لشركة "كرست" للاستثمار بمبلغ 45 مليون دولار.
وقال مصدر في لجنة النفط والتنمية "ضمن مناقشاتنا لبيع 15 في المائة من حصة المقاول في القطاع 15 بمأرب، وفي إطار محاولاتها الرد على اللجنة للدفاع عن البيع، قدمت الحكومة مسودة اتفاقية تجديد وتمديد لشركة (هنت) إلى عام 2010، قبل أن تسحبها بشكل سريع، لكن لجنة المجلس تنبهت للأمر، خاصة وهي تناقش ما حدث مع شركة "توتال" الفرنسية، تجاه موضوع الغاز، إذ مددت لها الحكومة ثلاث مرات، دون المرور عبر مجلس النواب".
وكانت رسالة تقدمت بها لجنة النفط والتنمية في البرلمان إلى وزير النفط اليمني، سجلت اعتراض اللجنة على تمديد الحكومة ثلاث مرات لشركة "توتال"، دون الرجوع إلى الجهات، التي صادقت على الاتفاقية، ومنها مجلس النواب، معتبرة أن التمديدات غير مكتملة الإجراءات ولاغية.
وتساءلت اللجنة عن أسباب التمديدات الثلاثة، التي منحت لشركة "توتال" الفرنسية، لاسيما وقد ثبت عجزها عن القيام بمهمتها في تسويق الغاز، وتنفيذ المشروع خلال فترة المرحلة الأولى منه، بحسب ما نصت عليه الاتفاقية. وطالبت اللجنة وزارة النفط بتوضيح مبرراتها لمثل هذه التمديدات. وطالبت بمدها بكافة المراسلات والاتفاقيات والمحاضر والقرارات التي تمت بموجبها التمديدات الثلاثة، وموافاتها أيضا بشرح مفصل ومتكامل حول جميع مشاريع الغاز المسال، التي تعتبر شركة "توتال" طرفا فيها، وبيان حصتها، ووضعية تلك المشاريع منذ بدء التعاقد معها.
وتساءلت اللجنة عما إذا كانت اليمن مؤهلة لتصدير الغاز، دون التأثير على احتياجاتها المستقبلية. ودعت وزارة النفط إلى عقد مقارنة بين الجدوى الاقتصادية لتصدير الغاز، وكلفة الاستخدامات البديلة، لإنتاج ما تحتاجه البلاد من طاقة، خاصة وأن احتياطات الغاز لا تتعدى (11) ترليون قدم مكعب، بحسب شهادة الخبراء، أو كما توقع وزير النفط أن ترتفع الاحتياطات لتصل إلى (16.2) ترليون قدم مكعب. وفي الحالتين فإن ذلك لا يكفي لتوليد احتياجات البلد من الطاقة الكهربائية.
وأوضحت الرسالة أنه في "حالة السير في مثل هذا المشروع، وبقاء الاحتياطات كما هي عليه، فإن اليمن ستضطر إلى توفير احتياجاتها الداخلية من الوقود عن طريق الاستيراد، الذي سيكلف مبالغ طائلة، قد تكون أكبر من العوائد المرجوة، فيما لو تم تصدير الغاز، خصوصاً في ظل تناقص احتياطات النفط في البلاد".
واعتبرت اللجنة هذا الأمر "مدخلاً كافياً لأن يرفض مجلس النواب الموافقة على التمديدات التي تمت". وأعربت اللجنة في رسالتها عن استغرابها لعدم اكتراث الحكومة والوزارة بهذا الأمر، عندما طلب منها التمديدات. كما تساءلت عن "مقدار الاحتياطات المخصصة لهذا المشروع، والاحتياطات التي خصمت للتصدير، وفقاً لاتفاقية الغاز، وهل تقيدت الوزارة بتوصية مجلس النواب القاضية بأن تزيد كميات الغاز المخصصة للتصدير من هذا المشروع عن معدل (5.2) مليون طن سنوياً لمدة (25) عاما؟.
قدس برس
23-6-2005