يزن مارتن اتيان، البالغ من العمر ثلاثة اشهر، نصف وزن الرضيع الطبيعي غير أن حالته ليست استثنائية في مركز لتغذية اطفال يعانون من سوء تغذية خطير تتراوح أعمارهم بين ستة اشهر وخمسة أعوام•
ويعالج المركز المقام في مخيم مايو للاجئين على بعد كيلومترات من العاصمة الخرطوم وتديره وكالة معونة محلية نحو أربعين حالة مثل مارتن شهريا معتمدا على ميزانية ضعيفة جدا•
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما لا يقل عن مليوني شخص يعيشون في مخيمات أو أحياء فقيرة تحيط بالخرطوم ويتلقون معونات ضعيفة من جهات دولية مانحة•
ووصف مبعوث المنظمة الدولية في السودان يان برونك الأوضاع في المخيمات بانها أسوأ مما هي عليه في إقليم دارفور حيث نزح نحو مليوني شخص إلى مخيمات مؤقتة هربا من القتال خلال العامين الماضيين• وبعض المخيمات في الخرطوم أقيمت منذ أكثر من عشرين عاما•
ويعيش نحو 37 الفا في مخيم مايو في حالة رثة ومعظمهم فر من الحرب الأهلية في جنوب السودان التي دامت أكثر من عقدين أو من الصراع الأحدث في دارفور• ويموت طفلان على الأقل شهرياً في العيادة من جراء سوء التغذية• ويبلغ عدد الأطفال نحو نصف تعداد سكان السودان البالغ 30 مليون نسمة•
وتدير منظمة المنار السودانية غير الحكومية المركز الذي يضطر في كثير من الأحيان لرفض أطفال لا ينطبق عليهم شرط العمر أو يعانون من سوء تغذية متوسطة لأنه لا يملك مالا كافيا للوفاء بكل الطلبات•
وقبل المركز مارتن كحالة خاصة لأنه يعاني من سوء تغذية بالغ الخطورة لدرجة أن ذراع الصغير رفيعة مثل إصبع شخص بالغ• كما أن والدة مارتن مريضة وإحدى ثدييها مصاب بعدوى ولا يمكنها أن ترضعه بما يكفيه من لبن الأم وقد عولج طفلاها الأكبر سنا في المركز أيضا•
وتقول والدته ديبورا ماجاك التي فرت من القتال في الجنوب قبل عشرة أعوام ونزحت إلى مايو: ''ما ارضعه إياه غير صالح ولكن زوجي لا يعمل ومن ثم ليس لدينا مال لشراء حليب مجفف•
وأدارت منظمة اطباء بلا حدود المركز حتى العام الماضي وبعد عشـــرة أعوام من العمل هناك اضطرت لتسليمه لمنظمة أهلية محلية قائلة إن السبب الرئيسي للمشاكل التي يعاني منها المخيم هو الفقر والحاجة للتنمية• وعادة ما تهتم منظمة الأطباء بلا حدود بالحالات الطارئة•
وتقول المنار إن منظمة اطباء بلا حدود حولت المال للعمل في دارفور في العام الماضي• ولا يعرف الكثير عن مشاكل من يحاولون البقاء على قيد الحياة حول الخرطوم وتجمع عدد قليل من المنظمات الأهلية الدولية أموالا للعمل هناك• وتحاول المنار نشر الوعي الصحي بين الأمهات وكثير منهن يعانين من سوء التغذية والمرض وذلك لمنع تكرار الحالات•
وتقول فاطمة عبد المجيد، المنسقة الميدانية ''نعجز عن تقديم أشياء كثيرة لأننا لا نملك المال اللازم''• وخفضت رواتب عدد كبير من العاملين المحليين بما يصل إلى النصف حين تسلمت المنار المركز من منظمة اطباء بلا حدود•
وتقول بعض الجهات المانحة إن رعاية النازحين في الإحياء الفقيرة مسؤولية الحكومة السودانية ويقدمون المال للوكالات العاملة في الجنوب ولعمليات عاجلة في دارفور• غير أن محافظ الخرطوم يقول انه لا يملك ميزانية كافية لتوفير احتياجات جميع النازحين في العاصمة•
وقالت هيلاري بن، وزيرة التنمية الدولية البريطانية خلال زيارة للسودان في الشهر الجاري، إن أقصى ما يريده هؤلاء الناس هو العودة لديارهم إثر توقيع اتفاق سلام في يناير كانون الثاني الماضي أنهي الحرب الأهلية في الجنوب غير أن المانحين يتباطؤون في صرف معونة تزيد عن 4,5 مليار دولار تعهدوا بتقديمها للسودان وهو ما يعني أن تستمر معاناة النازحين من الجوع وان تفتك بهم أمراض بسيطة مثل الحصبة والسل في الجنوب• وسافر مايال بول لمدة ثلاثة أيام من الجنوب ليصل إلى مركز مايو ليتلقى علاجا مجانيا وهو مثل كثيرين في المركز يعانون من أمراض ثانوية نتيجة سوء التغذية، فقد أصاب السل جسمه الهزيل وتغطي جسمه القروح ويمشي متكئا على عصا• وإذا نظرت إليه من الخلف يبدو كرجل عجوز متعب رغم انه لا يزال في الخامسة عشر من عمره• ويقول ''لم استطع النوم طوال الليل بسبب القيء• جئت لأقيم مع عمي هنا لأني لا املك تكلفـــة العلاج في موطني''• وقبل الصبي أيضا كحالة خاصة في المركز رغم أن عمره يزيد عشرة أعوام عن الأطفال الآخرين•
وقالت فاطمة عبد المجيد إن أسر مرضى السل أصابها المرض المعدي أيضا غير أن العيادة لا تملك المال اللازم لإجراء تحاليل ومعالجة أفراد الأسر• وتضيف: ''هذا يعني أنهم سيصابون مرة أخرى بالمرض حين يعودون لأسرهم وتبدأ المشكلة من جديد لكن أيدينا مغلولة•
الاتحاد-الامارات
28-6-2005