يرجع تاريخ الترجمة في الصين الى أسرة تانغ الملكية حيث سافر الراهب البوذي الكبير شيوان تسانغ الى الهند ليجلب الكتب البوذية المقدسة ويترجمها الى اللغة الصينية. وبدأت الترجمة المنتظمة بحجم كبير في منتصف أسرة تشينغ الملكية، وظهرت مجموعة من المترجمين من مقاطعة فو جيان خلال المائة سنة التالية. قدموا اسهامات جليلة لتوسيع التبادلات الثقافية بين الصين والبلدان الأخرى ودفع تأسيس قطاع الترجمة وتطويره في الصين. وأصدر الأستاذ لين بون تشون في جامعة التربية والتعليم بمقاطعة فو جيان كتابا بعنوان:"دراسة عن المترجمين من مقاطعة فو جيان" وذكر أكثر من خمسين مترجما حقق انجازات مرموقة من مقاطعة فو جيان، ولقب هذه المقاطعة ب"بموطن المترجمين في الصين الحديثة".
ولد وترعرع في مقاطعة فو جيان السيد هوانغ جيا ليوي الذي سافر الى فرنسا عام 1702 ولقب بأول مترجم بين اللغتين الصينية والفرنسية، وكذلك السيد لين تسي شيو الذي كان أول من نظم فريق المترجمين في الصين لترجمة الكتب الأجنبية الى اللغة الصينية، والسيد تشن جي تونغ الذي طرح نظرية "تعلّم العلوم من الغرب واستخدامها في الصين"، والسيد لين شو الذي ترجم أول رواية غربية الى اللغة الصينية، والسيد يان فو الذي طرح ثلاثة مبادئ ومستويات للترجمة وهى بالترتيب من الأدنى الى الأعلى صدق الترجمة وسلاسة التعبير ثم جمال الكلمات.
وجاءت من مقاطعة فو جيان أول مترجمة صينية اسمها شيوي شاو هوي وقد ترجمت الرواية الفرنسية الطويلة المشهورة "رحلة حول العالم في 80 يوما" الى اللغة الصينية لأول مرة في الصين، ونشأ أيضا في مقاطعة فو جيان السيد شيو مونغ شيونغ الذي ترجم مقالة رئيس الصين الراحل ماو تسه دونغ بعنوان:"حول الحرب الطويلة الأمد" المشهورة الى اللغة الانجليزية، وغيره من مترجمين ممتازين كثيرين مثل السيد قو هونغ مينغ والسيد شيو دي شان والسيد لين يو تانغ والسيد تشنغ تشن توه والسيدة بينغ شين. وفعلا يمكن القول إن مقاطعة فو جيان موطن المترجمين الصينيين في العصر الحديث.
ويمتاز هؤلاء المترجمين بثلاث خصائص:1) حدّة الذكاء وجراءة البحث. مثلا، ترجم السيد يان فو الكتاب العلمي الانجليزي العظيم بعنوان:"نظرية التطوّر" قبل أكثر من مائة سنة، الأمر الذي برهن على بعد نظره. وأثّر هذا الكتاب في الأدباء الكبار الصينيين مثل السيد لو شيون والسيد هو شي الذي تحدث عن هذا الكتاب قائلا:"إنه يبعث الدفء في دمّ الشباب مثل اشتعال النار في الهشيم".
2) الجد والاجتهاد في الدراسة والتعلّم وإتقان اللغات الأجنبية بالإضافة الى اللغة الصينية. حيث كان معظم هؤلاء المترجمين في نفس الوقت كتّابا أو أساتذة أو علماء أو ديبلوماسيين أو ناشرين. وحقّق بعضهم انجازات ملحوظة في ترجمة الكتب بجانب تأسيس نظرية الترجمة وتطويرها.
3) جدية وصرامة أسلوب الدراسة والبحوث. كان هؤلاء المترجمون صارمين ودقيقين جدا في الترجمة، حيث كان السيد يان فو يمضي أحيانا خلال ترجمة "نظرية التطور" بضعة أشهر في التفكير والتدقيق لترجمة اسم أو كلمة بالضبط. وراجع السيد لين يو تانغ الملفات والسجلات التاريخية عندما كان يترجم "سيرة الشاعر سو دونغ بو" الى اللغة الانجليزية لمساعدته على فهم قصائد هذا الشاعر والقصص حوله. وقرأت السيدة بينغ شين كتاب الأديب والشاعر اللبناني الكبير جبران خليل جبران بعنوان:"المتنبّي" مرارا وتكرارا بدقة شديدة قبل أن تبدأ ترجمته.