أثبتت الدراسة وبالدليل القاطع أن النمو الاقتصادي جزء لا يتجزأ من الجهود الرامية لمكافحة الفقر وخفض أعداد الفقراء، وأظهرت من خلال التحليل المستفيض لتجارب 14 دولة نامية أن مستوى الفقر ينخفض وبدرجة كبيرة بين الدول التي تمكنت من تعزيز مستويات النمو الاقتصادي في الوقت الذي ارتفعت فيه معاناة الفقر وأعداد الفقراء في الدول التي عانت تباطؤ النمو الاقتصادي.
وأكدت الدراسة أن جهود مكافحة الفقر كانت متميزة للغاية بالنسبة لفيتنام، حيث تراجعت نسبة الفقراء بمتوسط سنوي 7،8% خلال الفترة من عام 1993 وحتى عام 2002 لتتراجع أعداد الفقراء إلى النصف تقريباً بهبوطها من 58 إلى 29% إلى إجمالي السكان.
وشهدت دول أخرى من بين الشريحة التي شملتها الدراسة نتائج جيدة خلال تلك الفترة على صعيد مكافحة الفقر ومن بينها السلفادور وأوغندا وتونس وغانا والهند، وتراجعت مؤشرات الفقر في هذه الدول بمتوسط سنوي يتراوح بين 3 و6%.
وأظهرت تجارب هذه الدول أن استراتيجية النمو المواتي للفقراء ولجهود مكافحة الفقر بحاجة إلى تدابير مناسبة تكفل تحقيق معدلات نمو اقتصادي قوية وسريعة والحفاظ على هذا النمو.
وبالفعل أسهمت تدابير تحسين المناخ الاستثماري في السنغال بتزامنها مع جهود حفز الاستثمار العام في تعزيز الاستثمارات الخاصة في المجتمعات الريفية الأمر الذي لعب دوراً مهماً في الحد من أعداد الفقراء في الدولة.
ومن جهة أخرى فإن تحسين خدمات التنمية الإنسانية من رعاية صحية وتعليم في غالبية الدول النامية خارج إفريقيا التي عانت من حدة تفشي الإيدز أسهم في تعزيز مستويات النمو الاقتصادي لهذه الدول. وساعدت التدفقات الرأسمالية والمتمثلة في الاستثمارات الخارجية المباشرة وبرامج الدعم المالي وتعويضات العاملين في الخارج في تعزيز مستوى النمو للعديد من الدول النامية في التسعينات. وبالإضافة إلى ما تقدم أسهمت استراتيجيات تحرير الأسعار والتجار في فيتنام وبنغلاديش وغيرها من الدول في إفريقيا في تعزيز الصادرات الزراعية لهذه الدول وحفز حركة التجارة في المنتجات الصناعية.
وأكدت الدراسة أن الدول التي اتبعت سياسات هدفت إلى زيادة مشاركة أفراد المجتمع من الفقراء في جهود دفع عجلة النمو الاقتصادي شهدت نتائج جيدة على صعيد مكافحة الفقر والحد من معاناة الفقراء ودللت على ذلك بالأمثلة التالية:
- أسهمت سياسات تحرير التجارة وحفز الاستثمار في قطاع الصناعة في كل من تونس وبنغلاديش وفيتنام والسلفادور في إتاحة المزيد من فرص العمل في هذه الدول خصوصاً بالنسبة للعمالة غير الماهرة وللنساء.
- ساعدت عمليات إصلاح قطاع زراعة البن في اوغندا، في الوقت الذي نمت فيه أسعار حبوب البن العالمية خلال التسعينات في إنقاذ عدد من الأسر الفقيرة من المزارعين وانتشالهم من الفقر.
- ساعدت سياسات رفع الإنفاق على خدمات البنية التحتية في إندونيسيا وفيتنام وبنغلاديش في تعزيز أداء القطاعات الزراعية وغير الزراعية وحفز النمو والتنمية وخصوصاً في المناطق الريفية.
- شهدت إندونيسيا وبنغلاديش وبعض المناطق في فيتنام نمواً كبيراً في مداخيل المزارعين وخصوصاً صغار المزارعين الفقراء بفضل سياسات تحسين إمكانات دخول السوق وخفض تكلفة المعاملات الأساسية. وفي المقابل أدت تكلفة المعاملات المرتفعة في بعض الدول محدودة الدخل في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية إلى الحد من مستويات الدخل الذي تحصل عليه أسر المزارعين كما أدت تكلفة المعاملات المرتفعة ومحدودية إمكانات دخول السوق العالمي بالنسبة لبعض الدول منخفضة الدخل في إفريقيا إلى فرض الكثير من القيود التي حدت من مستوى دخل أسر المزارعين الفقراء في المناطق النائية.
- لعبت عمليات إصلاح حقوق الملكية الخاصة بالأراضي دوراً مهماً في حفز الاستثمار الأمر الذي ساعد على زيادة الإنتاج وتنويعه ليشمل محاصيل جديدة عالية الجودة في فيتنام. وفي المقابل تسبب إهمال حقوق ملكية الأرض وضعف تطبيق القوانين في بعض المناطق (مثل بوركينا فاسو وأوغندا) والافتقار إلى الشفافية في المؤسسات الحكومية (زامبيا) وصعوبة الحصول على أراضي (غانا) تسبب في هدر حقوق الفقراء من المزارعين وحد من قدرتهم على الاستثمار في أراضيهم.
- أسهمت تطبيقات التكنولوجيا المتقدمة بالنسبة لصغار المزارعين وصغار المنتجين كعامل رئيسي في حفز الثورة الخضراء التي ساعدت على رفع عائدات ومداخيل المزارعين في آسيا. وكان لهذه التطبيقات آثارها شديدة الإيجابية على إندونيسيا خصوصاً بتزامنها مع نمو الاستثمار في القطاع الزراعي مما عمل على رفع مستويات النمو وتعزيز جهود مكافحة الفقر. وفي المقابل حد الافتقار إلى مثل هذه التطبيقات في بعض دول شبه الصحراء الإفريقية من قدرة هذه الدول على تنمية القطاعات الزراعية وتسبب ذلك في تقليص إمكانات النمو المواتي لجهود مكافحة الفقر.
- شكلت محفزات مشاركة المزارعين في عملية الإصلاح الهيكلي فعالية حقيقية في بعض الدول الإفريقية وفي بنغلاديش وفيتنام ورومانيا. فعلى سبيل المثال أسهم تحرير التجارة وإصلاح قوانين ملكية الأراضي في تعزيز جهود فيتنام لتتحول إلى واحدة من أكبر مصدري الأرز والبن في التسعينات، الأمر الذي ساعد كثيراً على رفع مستويات المداخيل بالنسبة لصغار المزارعين.
وقالت الدراسة إن العديد من الدول التي شملها البحث حققت إفادة كبيرة على صعيد مكافحة الفقر من خلال الاستغلال الفعال لسياسات تنشيط وتحسين أداء القطاعات غير الزراعية ومنها على سبيل المثال:
- تحسين المناخ الاستثماري: أسهمت جهود تحسين المناخ الاستثماري في فيتنام وبنغلاديش وتونس في زيادة فرص العمل المتاحة للعمالة غير الماهرة وخصوصاً بين النساء. وشكلت هذه الجهود عاملاً أساسياً وراء نجاح السنغال في مكافحة الفقر والحد من معاناة الفقراء حيث قامت الدولة بتطبيق سياسات لتحرير التجارة وحفز القطاع الصناعي. وعلى طرف النقيض نجد أن تشتت المناخ الاستثماري في دول أخرى مثل زامبيا وغانا أدى إلى تعثر جهود النمو وبالتالي إمكانات مكافحة الفقر في هذه الدول
الخليج-الامارات
30-6-2005