ما الذي حل بالدولار؟ على مدى الأعوام الثلاثة الماضية تراجعت العملة الأمريكية أمام غالبية العملات الرئيسية في العالم. وشغلت المخاوف الخاصة بالعجز التجاري لأمريكا وتعثر النمو الاقتصادي وحرب الولايات المتحدة ضد الارهاب جميع المتداولين في أسواق العملة.
بيد ان العملة الخضراء حيرت الخبراء والمتكهنين على مدى الأشهر القليلة الماضية وأوقعت المضاربين على المدى القصير في خسارة مزدوجة بعد ان تعافت بشكل حاد وسريع.
وبادرت مؤسسة جولدمان ساكس الى اتخاذ خطوة غير اعتيادية يوم 13 يونيو/ حزيران عندما عمدت الى تغيير توقعاتها الخاصة بالعملة على المدى القصير للمرة الثانية خلال أقل من شهر وذلك بهدف اللحاق بحركة الدولار المتسارعة والمفاجئة. وتتوقع المؤسسة ان ترتفع قيمة الدولار الأمريكي لتصل الى 1،15 دولار مقابل اليورو و110 ينات بحلول منتصف شهر سبتمبر/ أيلول المقبل مقارنة بنحو 1،20 دولار و108 ينات كانت تتوقعها في السابق. ويتداول الدولار اليوم بسعر 1،21 مقابل اليورو و108،94 ين.
ووصلت مكاسب الدولار حتى الوقت الحاضر هذا العام الى 5،3% مقابل الجنيه الاسترليني ونحو 6،1% مقابل الين و11،8% مقابل اليورو. وبالإضافة الى ذلك تستبعد الدلائل ان يتنازل الدولار عن مكاسبه في المستقبل القريب.
وقال جيمس مك كورميك رئيس قسم أبحاث أسعار الصرف لدى مؤسسة ليهمان براذرز في لندن ان هناك تحولاً جذرياً في التفكير الخاص بحركة الدولار الأمريكي.
وحسب "البيزنس ويك" فإن جزءاً من القوة الحالية للعملة الأمريكية يعد ردة فعل لتراجع اليورو نتيجة الشكوك المتنامية حيال مستقبل النمو الاقتصادي لمنطقة اليورو وازاء قوة العملة نفسها وقدرتها على الصمود. ويتوقع ان يصل مستوى النمو الاقتصادي لمنطقة اليورو على أحسن الفروض الى 1،6% هذا العام الأمر الذي أشعل الجدال حول حاجة البنك المركزي الأوروبي الى خفض معدلات الفائدة. إلا ان المركز الأوروبي أبدى مقاومة واضحة لهذه المطالبات، لكن في حال أعاد التفكير في الأمر فسيدرك ان خفض معدلات الفائدة من الممكن ان يكون له تأثير سلبي على اليورو.
وعلى الرغم من ان التصويت بمعارضة الدستور الأوروبي لم يكن مفاجئاً على الاطلاق، إلا انه لفت الانتباه الى تشتت سياسات الاتحاد الأوروبي. فقلة من رجال السياسة وخاصة في ايطاليا تحلوا بالجرأة الكافية للفت الانتباه الى ان سياسة موحدة لا تناسب جميع القياسات وليقولوا ان سياسة اليورو تمثل مشكلة خطيرة بالنسبة لبعض الدول في الاتحاد.
ومن الصحيح ان أحداً اليوم لا يتوقع ان يواجه اليورو خطر الانهيار، إلا ان الجدل الدائر أسهم في خلق أجواء من القلق والتشكك الأمر الذي كان له تأثير في أسواق تداول العملة.
وفي الوقت نفسه لم تفلح أخبار التعافي الهزيل للاقتصاد الياباني في تعزيز قوة الين. وقال بول شيرد الاقتصادي لدى مكتب ليهمان براذرز في طوكيو: على الرغم من ان الأخبار الحديثة تعكس تعافي الاقتصاد الياباني إلا ان ذلك لم يؤثر في الشعور العام بالاحباط تجاه الاقتصاد خاصة وان المركزي الياباني يميل منذ 15 عاماً الى تيسير سياساته النقدية.
وبالتالي نجد ان اقتصاد الولايات المتحدة مقارنة بنظيريه في اليابان وأوروبا يبدو الأكثر اشراقاً، إذ من المتوقع ان يصل مستوى النمو الاقتصادي للولايات المتحدة هذا العام الى 3،6%.
وبالإضافة الى ذلك تشير تلميحات الان جرينسبان رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الى وجود نية لرفع معدلات الفائدة بصورة أكبر في المرحلة المقبلة خاصة في ظل استقرار مستوى التضخم. كما ان ارتفاع عائدات سندات الخزانة الأمريكية مقارنة بالسندات الأوروبية واليابانية يسهم في حفز الطلب على الاستثمار في هذه السندات مما يدعم بالتالي قوة الدولار.
ومن جهة أخرى فإن تدفقات الاستثمار الخارجية الغزيرة الى الولايات المتحدة تواصل تمويل عجز الحسابات الجارية للدولة والذي وصل في العام الماضي الى 668 مليار دولار أي ما يوازي 5،7% من اجمالي الناتج المحلي وبالطبع يوحي هذا الرقم بأزمة محتملة للدولار الأمريكي في المستقبل القريب، بيد ان البيانات الخاصة بشهري مارس/ آذار وأبريل/ نيسان الماضيين تؤكد ان مستوى العجز التجاري الأمريكي أخذ في التراجع مقارنة بمستواه في يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط، وأسهم ذلك أيضاً في حفز أداء الدولار الأمريكي وتعزيز قوته.
وتتوالى الأنباء الطبية التي تدعم أكثر فأكثر الأوراق الخضراء إذ أكدت البيانات الحديثة ان العجز المالي للولايات المتحدة أخذ في التراجع مقارنة بمستواه في العام الماضي عندما بلغ 412 مليار دولار او ما يعادل 3،5% من اجمالي الناتج المحلي وذلك بفضل ارتفاع الضرائب وخفض الإنفاق. لكن كل ما تقدم لا يعني ان الدولار الأمريكي سيواصل المضي في اتجاهه التصاعدي دون عقبات، فهناك التوقعات الخاصة بثورة محتملة في عملة الصين مع نهاية العام الجاري الأمر الذي من الممكن ان يرفع وبصورة كبيرة من قيمة العملات الآسيوية بما فيها الين. كما ان التغير في نمو الناتج المحلي لمنطقة اليورو من الممكن كذلك ان يكون له انعكاساته على قيمة العملة الأمريكية. لكن يمكن القول في نهاية المطاف ان الدولار سوف يستكمل تصاعده ويتمتع بقوته على الأقل حتى نهاية الفصل الجاري.
الخليج-الامارات
29-6-2005