بدأ التوجه العالمي إلى البحث عن مصدر بديل للطاقة بالتطور، حيث تسعى العديد من الدول إلى استبدال الطاقة النفطية بطاقة أكثر نظافة.
وقبل 3 سنوات توجه "دايفيد سكايسبروك" المؤسس لشركة "نوفيرا إنيرجي"، المتخصصة بتوليد الطاقة بأساليب حديثة، إلى لندن بحثاً عن امكانية لتمويل المشاريع التي تقوم بها شركته، لكنه لم يلق ترحيباً كبيراً من قبل المؤسسات المالية هناك، بحجة عدم وجود شركات مدرجة لديهم تكمل بنفس النشاط.
وحسب "الفايننشيال تايمز" فقد تغيرت منذ ذلك الحين أمور كثيرة، حيث تم إدراج شركة "نوفيرا" في سوق الاستثمار البديل في لندن، بينما ظهرت شركة جديدة في نفس السوق تحمل اسم "رينوفا إنيرجي"، وهي شركة أمريكية تقوم بإنتاج الوقود من الأعشاب.
وتشكل هاتان الشركتان جزءاً من قائمة صغيرة، ولكنها في نمو مستمر من شركات صغيرة ومشاريع جديدة متخصصة في تقنيات جديدة تعمل على تخفيف انبعاث الغازات السامة، وحتى الآن فقد كان آخر المنضمين إلى القائمة هما شركة نوفيرا برأس مال يصل إلى 5،3 مليون جنيه استرليني، ورينوفا برأس مال يصل إلى 7 ملايين جنيه استرليني، لكن الاهتمام المتزايد من قبل المستثمرين في هذا المجال، يستقطب المليارات لشركات الطاقة المتجددة في كل أرجاء الأرض، ويعلق "سكايسبروك" قائلاً: "إن مستوى الاهتمام والوعي في هذا المجال قد نما بشكل كبير"، وهناك ثلاثة أنواع من الطاقة النظيفة هي الطاقة الشمسية التي تستخدم أنظمة الخلايا الضوئية والتي تحول الضوء إلى طاقة كهربائية، وطاقة الرياح، وخلايا الوقود، والتي تحول الهيدروجين أو الكحول إلى طاقة كهربائية.
"جنرال الكتريك" تستثمر 5,1 مليار دولار في تكنولوجيا البيئة
اعداد: إيهاب الموسى
وقد كان اجمالي رأس المال العالمي لهذه الأنواع الثلاثة 9،5 مليار دولار في عام ،2002 أما في عام 2004 فقد وصل إلى 16 مليار دولار، حسب الاحصاءات التي قامت بها "كلين إدج". وقد وصلت حصص الاستثمارات الخاصة بالتقنيات النظيفة والتي تشمل الطاقة المتجددة مثل الرياح وطاقة الشمس، وتقنيات مثل جمع وحرق الغاز المنبعث من محارق المهملات، إلى 1،2 مليار دولار عام ،2004 وشكلت حوالي 6% من اجمالي مضاربات رأس المال المستثمر، حسب شركة "كلينتيك فينتشر نيتورك" والتي تراقب الاستثمار في هذا المجال.
ولا تعد الشركات الصغيرة هي الوحيدة التي تقبل على الاستثمار في هذا المجال، فقد قامت "جنرال الكتريك" الشهر الماضي بمفاجأة المستثمرين عند اعلانها عن مشروعها الجديد الذي اطلقت عليه "إيكواماجينايشن"، والذي ستقوم الشركة من خلاله بمضاعفة الاستثمارات في مجالي الطاقة وتكنولوجيا البيئة لتصل إلى 1،5 مليار دولار بحلول عام 2010. وقال "جيف اميلت"، المدير التنفيذي للشركة عند اطلاق المشروع: "يريد عملاؤنا مستقبلاً طاقة أكثر نظافة، ومن هنا فإننا نتخذ بعض الاجراءات الجديدة لحل أكثر مشاكل عملائنا البيئية صعوبة".
وبتدخل شركة كبيرة من هذا النوع، فقد أعطى ذلك مصداقية كبيرة لأسواق التكنولوجيا الخضراء.
وفي مؤتمر عقد في مقر هيئة الأمم المتحدة مؤخراً، حضرته 300 مؤسسة استثمارية، ومديرو أصول، تصل قيمتها إلى 300 مليار دولار، تم الاتفاق على استثمار مليار دولار أمريكي في التكنولوجيا الخضراء، والبحث عن استثمارات بيئية، وإدخال منتجات صديقة للبيئة إلى الأسواق العالمية، خلال العام المقبل، ويعد هذا المبلغ ضئيلاً مقارنة بالأصول إلا انه يمكن أن يحدث تطوراً كبيراً في الأسواق الخضراء.
وتعتبر الأسواق البريطانية أحد أهم الأسواق العالمية المتخصصة في الطاقة المتجددة، حيث تشهد الاستثمارات في هذا المجال نمواً يصل إلى 30% سنوياً، وقد وصل حجم الاستثمارات في بريطانيا إلى مليار جنيه استرليني خلال السنوات الخمس الماضية، ويتوقع الخبراء أن يصل حجم الاستثمار في بريطانيا إلى ملياري جنيه استرليني بحلول عام ،2015 في حين يتوقع أن تصل الاستثمارات العالمية إلى 50 مليار جنيه استرليني بحلول العام نفسه.
وتشعر الشركات المختصة في هذا المجال بأنه قد آن الأوان كي ترى أبحاثها النور، ومنذ سنين فقد اجمع علماء العالم على أن المناخ العالمي في تغير مستمر، حيث إن الوقود الذي تعتمد عليه الاقتصادات العالمية يحرق غازات سامة والتي تعمل على رفع درجة حرارة الأرض عن طريق نشر حرارة الأشعة فوق الحمراء في ارجاء الغلاف الجوي.
وأخيراً وبعد أكثر من عقد من الزمان فإن تحركاً عالمياً لمواجهة تلك المشكلة قد بدأ، وجاء أول اتفاق عالمي للحد من الغازات المنبعثة في اطار العمل للتشجيع على التقليل من استخدام مصادر الوقود الكربونية، في السادس عشر من فبراير/شباط الماضي اطلق عليه اتفاق "كيوتو".
ويحدد نظام تنسيق انبعاثات الغاز الأوروبي والذي بدأ العمل به منذ الأول من يناير/كانون الثاني، حجم غازات الكربون السامة المسموح به في بعض قطاعات الصناعات، ويسمح للمصانع التي ينتج عنها انبعاث للغازات أقل من المسموح به بأن تبيع حصصها الفائضة في التصريح إلى مصانع أخرى لا تستطيع الالتزام بذلك المستوى، ويفرض النظام سعراً على الكربون يصل حالياً إلى 22 يورو للطن.
وحتى الولايات المتحدة، حيث رفض الكونجرس المصادقة على اتفاق "كيوتو"، فإن الاستثمارات في طريقها إلى الحد من التغير الذي يشهده المناخ العالمي. ومع أن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش لا يزال يشكك في مقدرة العلم على الحد من تلك المشكلة إلا أن استثمارات تصل إلى 5 مليارات دولار أمريكي تنفق على أبحاث علمية تخص المشكلة.
ومن الخطوات المتخذة في هذا المجال في الولايات المتحدة ما أعلنه آرنولد شوارزينجر الحاكم الاشتراكي لولاية كاليفورنيا، هذا الشهر حيث وضع أهدافاً لخفض انبعاثات الغاز في الولاية لمعدلات عام 2000 بحلول عام ،2010 ولمعدلات عام 1990 بحلول عام ،2020 وربما ستشارك بعض الولايات الشمالية والشرقية ولاية كاليفورنيا في هذه الحملة، حيث إن هذه الولايات تناقش حالياً طرق الحد من انبعاثات الغاز عالمياً.
وتحفز الأهداف العالمية الموضوعة في سبيل تخفيض حجم انبعاثات الغاز، بالإضافة إلى سعي الحكومات إلى موازنة الأسواق بالتشجيع على انتاج تكنولوجيا جديدة تحد من انبعاث الكربون، المستثمرين على الاستثمار في مشاريع ذات طابع صديق للبيئة.
ومن الجدير بالذكر أن شركة "نوفيرا" مدرجة أيضاً في وطنها الأم "استراليا"، لكنها فضلت الظهور في لندن حيث تستفيد من المميزات التي يحصل عليها المستثمرون هناك، وعندما نجحت في ذلك تبعها العديد من الشركات الصغيرة في أمريكا الشمالية واستراليا إلى لندن، ومن تلك الشركات سولار انتجريتد تكنولوجيز، الشركة الأمريكية التي تنتج الألواح الشمسية لمدارس كاليفورنيا، وكذلك شركة "فيكتريكس" الشركة الأمريكية التي تنتج الدراجات الالكترونية ذات معدلات انبعاث الغاز المتدنية، كذلك هناك شركتان متخصصتان في الطاقة المتجددة وهما شركة "جلوبال ربنيوابلز"، وشركة "إنيرجي ديفولوبمنتس جروب" قامتا بالانتشار في المملكة المتحدة.
ويقول "بروس خوري" نائب المدير العام لشركة "سولار انتجريتد تكنولوجيز": إن الدخول إلى الأسواق الأمريكية لا يعد مناسباً، حيث إنها متأخرة عن أوروبا بما يخص التكنولوجيا المتجددة.
وبالطبع، فقد عانت الدول التي بقيت خارج اتفاق "كيوتو" أمثال الولايات المتحدة وأستراليا، من انخفاض معدل الاستثمارات الخاصة بالتكنولوجيا المتجددة، حسبما أوردته شركة الاستشارات "نيو انيرجي فاينانس"، في دراسة قامت بها لمراقبة أداء الأسهم في أكبر 50 شركة عالمية متخصصة في مجال الطاقة المتجددة، حيث وجد الاستشاريون أنه وفي أول ثلاثة أشهر من هذا العام، هبط معدل الحصص في شركات الطاقة المتجددة الأمريكية إلى 13،8% عن معدلها، بينما رأت الدول التي أقرت اتفاق "كيوتو" أمثال دول الاتحاد الأوروبي وكندا واليابان، حصصها في ارتفاع بمعدلات وصلت إلى 21،9%، بينما ارتفعت حصص الشركات الأسترالية إلى 4،2% فقط.
ويقول "مايكل ليبرتش"، المدير التنفيذي ومؤسس شركة "نيو انيرجي فاينانس": انه ورغم أن أداء الشركات افضل في أوروبا إلا ان الولايات المتحدة لا تزال تنتج مشاريع طاقة أكثر نظافة.
أما من ناحية الطلب، فقد كانت الأعمال متباطئة في الاقبال على التكنولوجيا النظيفة على الرغم من أن شركات كبيرة أبدت اهتماماً بذلك.
فقد قامت شركة الاتصالات البريطانية العام الماضي، بتصدر قائمة أكبر الشركات التي التزمت بالحصول على الطاقة من مصادر بيئية حديثة، وتبعها بنك HSBC البريطاني، وكذلك "باركلايز" مجموعة البنوك البريطانية، حيث ستقوم بإدارة 2000 من فروعها باستخدام طاقة نظيفة، وقررت شركة ستاربكس كافي العام الماضي شراء 5% من الطاقة التي تحتاجها في الولايات المتحدة من مصادر تحديثية نظيفة.
ويبقى السؤال، هل يمكن للشركات الاستفادة مادياً من استخدام طاقة نظيفة؟!
تقول المؤسسة البريطانية للاتصالات: إن استخدامها للطاقة الخضراء كان محايداً بالنسبة للتكاليف المادية، ويعتقد أن تقليل المصاريف الخاصة بالطاقة يأتي في تقنين الاستخدام وليس في استبدال المصدر.
ويعول الكثيرون على الحكومات في تزويدهم بالتكنولوجيا النظيفة من خلال أدوات قانونية لرفع حجم الطلب على منتجاتهم، ومن أمثلة ذلك البرنامج الأوروبي سابق الذكر، وكذلك يمكن لتوجه الحكومات إلى استخدام تلك المصادر لاستخداماتها الخاصة، أن يلعب دوراً مهماً في ذلك الاطار.
ويتوقع أن تسلك الشركات التي تزود القطاع الحكومي بالبضائع والخدمات منهجاً بيئياً محدداً، ابتداء من العام المقبل، مما قد يروج لفكرة التكنولوجيا النظيفة.
وقد كان هناك ضغط من هيئة الأمم المتحدة وبعض المجموعات الاستثمارية في سبيل الحث على الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة، وقد ركز مديرو صندوق الضمان الاجتماعي الشهر الماضي على ضرورة معرفة المستثمرين لمعلومات أكبر حول المسؤولية القانونية البيئية والأمور المتعلقة بالشركات التي يقومون بالاستثمار فيها، وتم حث الولايات المتحدة، من قبل مجموعة مكونة من 26 مستثمراً، على اجبار الشركات لديها على اعتبار الخطر الذي يشكله تغير المناخ كجزء من تأميناتهم.
ويبدو ان هناك سبباً تجارياً وراء ذلك، فالشركات تواجه العديد من المخاطر بسبب تغير المناخ، ابتداء بقوانين أكثر حزماً وانتهاءً باجبار الشركات على تقليل حجم الغازات المنبعثة، وكذلك هناك عوامل أخرى مثل ارتفاع عدد الأحداث الطبيعية، والتغير في الأساليب الزراعية، وكذلك ارتفاع منسوب البحار.
ويعتقد المستثمرون أن أخذ مثل هذه المخاطر بالحسبان مهم جداً، لتحقيق إدارة مالية جيدة، وتقوم حالياً أكثر من 300 شركة من أصل 500 شركة عالمية كبيرة، بتقديم تقرير يوضح حجم غازات الكربون المنبعثة من مصانعها من خلال برنامج تطوعي يسمى "مشروع كشف الكربون".
ولا تزال تحركات المساهمين محدودة، فعلى سبيل المثال عندما حاولت مجموعة من المساهمين اجبار "اكسون موبايل" على شرح موقفها حيال تغير المناخ وتقدير التكاليف التي تتكبدها بسبب عدم قدرتها على التعامل مع تغير المناخ، لم يتمكنوا إلا من جمع نسبة ضئيلة من الأصوات.
وبالتالي فإن التقدم في حث المستثمرين على أخذ العوامل البيئية بالحسبان كان بطيئاً، كما وتشير التقارير إلى ان عدد المستثمرين الذين استجابوا إلى تلك النداءات كان قليلاً جداً.
وعلى الرغم من معدل النمو القوي إلا أن المبالغ المستثمرة في قطاع التكنولوجيا الخضراء، لا تزال قزمة إلى جانب الأرباح الضخمة التي تحققها شركات الطاقة الاعتيادية، وتحقق التكنولوجيا النظيفة والاستثمارات في الأسواق الخضراء نمواً متزايداً، لكنها لا تزال تفتقر إلى بعض الطرق التي تدفع بها قدماً.
ويقول مات تشيني، المدير التنفيذي لشركة "رينيوابل فينتشيرز" والتي تقوم باستثمارات ضخمة في مشاريع خاصة بانتاج الطاقة النظيفة: إن الشركة لا تزال في بداية الطريق لجمع الهمم للعمل على ضوء قرارات حكومية لوقف التغير الذي يشهده المناخ العالمي، ويدعمها في ذلك الاهتمام العام المتنامي، ويضيف: "لا يمكن القول: إن هذه الأسواق ساخنة ولا دافئة ولكنها تسخن شيئاً فشيئاً".
الخليج-الامارات
5-7-2005