غياب الفنانين الافريقيين عن الحفلات، أثار بعض التساؤلات
الموسيقي غيلدوف يقرع الطبول على رؤوس الزعماء للضغط عليهم من أجل معالجة الشأن الافريقي
ترجمة وإعداد: سمر بغجاتي
بهذه الصرخة اجتمع فنانو العالم ليعلنوا رفضهم لكل ما يحدث من ظلم وقهر وجوع على هذه الأرض. الأرض التي تحولت من كوكب للحياة إلى حفرة مليئة بالجثث تفوح منها روائح الموت والجوع.
من أجل إيصال هذه الرسالة اجتمع المغنون من كل أرجاء الأرض وبصوت واحد أطلقوا صرختهم بوجه قادة أغنى دول العالم الذين سيجتمعون بعد أيام لتقرير مصير العالم اقتصاديا.
إنها الخطوة الأولى في طريق العدالة الإنسانية. وشعارهم : نريدكم أنتم وليس نقودكم.
في الماضي وتحديدا في 13 تموز سنة 1985، اجتمع نجوم الروك في العالم وأقاموا حفلات موسيقية في كل من لندن انكلترا وقيلادلفيا أمريكا، من أجل مكافحة المجاعة وتم خلال تلك الإحتفالات جمع أكثر من 100 مليون دولار أمريكي. لكن وبعد عشرين عاما ما زال الفقر والمجاعة و الأمراض مشكلة رئيسة في إفريقيا. اليوم قرر ت الشعوب أن الوقت قد حان لأن تتصرف الحكومات. إن برنامج لايف 8 هو برنامج من أجل العدالة وليس من أجل جمع التبرعات.
وكما يقول منظمو الحفل:«إنه الخطوة الأولى في طريق العدالة الطويلة والطريق الوحيدة لتكون أصواتنا مسموعة في كل مكان في العالم». مضيفين: «إنها بلا شك لحظة تاريخية حيث يستطيع الناس العاديون الاستفادة من هذه الفرصة والطلب من قادة العالم الثمانية وضع نهاية للفقر». إن باستطاعة قادة مجموعة الثماني قادرون على تغيير التاريخ ولكنهم لن يفعلوا ذلك إلا إذا قلنا لهم كلنا معا: كفى.
«لايف 8» دعوة ليكون صوتك معنا فهو ما نحتاجه اليوم، وليس الأموال.
هل تنقذ الموسيقا فقراء افريقيا؟
هذه الحملة الطموحة لإنهاء الفقر في العالم والقارة الافريقية بالتحديد ولقد استحوذت على اهتمام الصحف البريطانية الصادرة خلال الأيام الماضية
«لا تخيبوا ظننا»
صحيفة الاندبندنت على صفحتها الأولى نشرت مقالا كتبه بوب غيلدوف، وهو مغن إيرلندي شهير وناشط منذ زمن بعيد في مجال مكافحة الفقر والمجاعة. ويعد من أبرز الذين أعدوا لسلسلة الحفلات الموسيقية دعما للفقراء والتي تحمل عنوان «لايف 8» كما اشتهر بالعمل المستمر للضغط على زعماء العالم الصناعي لمعالجة قضايا الفقراء.
كتب غيلدوف:
«فلنقلها بوضوح: حفلات اللايف 8 ستشكل مناسبة موسيقية رائعة. ولكن على الرغم من أن أكثر موسيقيي العالم شهرة سيغنون، ليسوا هم نجوم الحفلة بل أنتم، قادة قمة الدول الثماني».
فلنكن بمنتهى الوضوح قبل أن يبدأ أول عزف موسيقي. جميع من يشارك في الحفلات يشارك لأن الأجيال التي تراقب لن تقبل بعد الآن استمرار ألم الفقراء مادام لدينا القدرة المالية والأخلاقية على وضع حد له.
نحن الآن نجمع لكم أضخم تفويض في التاريخ لتبدؤوا العمل (على إنهاء الفقر).
وتوجه غيلدوف في مقاله مباشرة إلى زعماء الدول الصناعية الكبرى، مطالباً:
«بإنهاء العبودية والتمييز العنصري قائلاً: نحن الآن نطالب بانهاء انعدام العدالة العبثي المتمثل بالفقر الشديد والذي يقتل 50 ألف شخص كل يوم في القرن الواحد والعشرين»
ووضع غيلدوف في مقاله عددا من المطالب المحددة للزعماء، فطلب:
ہ زيادة المساعدات إلى أفريقيا بقدر 25 مليار دولار إضافي والتحقق من أنه سيكون فعالا في انهاء الفقر، بالإضافة إلى منح أفقر دول العالم المبلغ نفسه.
ہ التأكيد على إلغاء الديون الأفريقية بشكل كامل، وإلغاء كامل ديون الدول التي تحتاج إلى ذلك.
ہ اتخاذ خطوات حقيقية نحو إنهاء قوانين التجارة غير العادلة والسماح للدول الفقيرة ببناء اقتصادها على إيقاعها الخاص.
كما أشار إلى أهمية أن تكافح الحكومات الافريقية الفساد.
وأضاف:
«لن نصفق لأنصاف الإجراءات...يجب على هذا الحدث (القمة) أن يشكل اختراقا تاريخيا».
أضخم حفل موسيقي؟
وعلى الصفحات الداخلية ألقي الضوء على الجانب الفني من الحفل الذي يمكن اعتباره الأضخم في تاريخ العالم.
ووضع في إحدى المقالات قائمة بجميع المغنين المشاركين، وبينهم عدد كبير من أشهر المغنين، مثل مادونا وبول ماكارتني وبينك فلويد وغيرهم كثر.
وقد طغى الموضوع أيضا على صفحة الافتتاحيات والتعليقات في الصحيفة، التي جاءت مختلطة بين الابتهاج بالحدث والتشكيك بفاعليته.
البعض يشكك
تحت عنوان "أكره أن أفسد الحفلة، لكن تعاطينا مع افريقيا مليء بالتناقضات" كتب ريتشارد داودن وهو مدير تجمع أفريقيا الملكي منتقدا ما اعتبره تناقضا في السياسة البريطانية تجاه أفريقيا.
مشيراً إلى أنه في حين أولت بريطانيا الشأن الافريقي أهمية قصوى في قمة الدول الثماني، تراجع التمثيل الدبلوماسي البريطاني في افريقيا تزامنا مع ذلك.
كما أشار إلى أن ثمة نقصاً كبيراً في معرفة تركيب السياسة الداخلية في معظم الدول الافريقية.
واعتبر الكاتب أن المشكلة في سعي الحكومة البريطانية إلى انقاذ القارة الإفريقية تكمن في أنها ترتكز إلى علاقة إفريقيا بالعالم الخارجي، من خلال الديون والمساعدات والتجارة. وبرأيه، فإن لب الأزمة هو داخلي وليس خارجي، تحديدا في كيفية إدارة البلدان الإفريقية لشؤونها. وفي حين يقر بأن مسؤولية دول العالم الصناعي كبيرة في الوضع الذي آلت إليه القارة، يشدد على أن مستقبل إفريقيا سيقرر في العواصم الإفريقية وليس في قمة الأسبوع القبل ولا في واشنطن أو بروكسيل مقر الاتحاد الأوروبي.
والبعض الآخر متفائل
أما افتتاحية الصحيفة فقد كانت تحت عنوان «مهما حصل اليوم، نجاح لايف 8 قد تحقق»
وأثنت بشدة على جهود بوب غيلدوف، معتبرة أنه تمكن من وضع إفريقيا على جدول أعمال العالم المتقدم «تقريبا وحده».
واعتبرت الافتتاحية أن وجود الشأن الافريقي على أعلى اهتمامات القمة هو بسبب التزام غيلدوف وإصراره المتواصل.
وفي حين وجهت الافتتاحية بعض الانتقادات، لا سيما إلى غياب الفنانين الافريقيين عن الحفلات، شددت على إيجابية ما يحصل وأشارت إلى أن الالتزام بمساعدة القارة الافريقية يجب أن يستمر بعد أن تتوقف الموسيقى.
فاينانشال تايمز
أما تغطية صحيفة فاينانشال تايمز فكانت أكثر تشكيكا في نجاح القمة. وفي حين أثنت على جهود غيلدوف في افتتاحيتها، جزمت بأن مشاكل إفريقيا لا تحل إلا في إفريقيا من قبل زعماء القارة نفسها.
وعلى الصفحة ذاتها جاء كاريكاتور الصحيفة معبرا عن أجواء الإعجاب بغيلدوف في معظم الصحف البريطانية. وفي الرسم الكاريكاتوري، يعزف غيلدوف على عدد من الطبول، وهي على أشكال رؤوس زعماء الدول الثماني.
والرسالة واضحة: الموسيقي غيلدوف لم يتوان لحظة عن قرع الطبول على رؤوس الزعماء للضغط عليهم من أجل معالجة الشأن الإفريقي.
الغارديان
من جهتها اهتمت صحيفة الغارديان بالجانب الشبابي من الموضوع. فخصصت تقريرا عن الشباب والشابات الذين انخرطوا بالحملة والذين حضروا الحفلات.
واعتبر التقرير أنه من الخطأ اعتبار أن هؤلاء لا يهتمون بتصحيح الأوضاع في القارة الإفريقية، وأن كل اهتمامهم منصب على أمور أخرى.
وشدد على أن الأجيال الصاعدة حتى إذا فقدت الاهتمام بسياسات دولها المحلية والحزبية، لا تزال مهتمة بالحملات العالمية ذات الطابع الانساني والتي تعالج مواضيع تهم الجميع.
كما اعتبر أن هؤلاء الشبان والشابات مهتمون جدا بتحقيق العدالة وأهداف الحملة بإلغاء الفقر.
هذا وستشهد أدنبره مقر انعقاد قمة الثماني, حفلا ضخما الأربعاء المقبل يتزامن مع افتتاح القمة, كما ستشهد مدينة غلين إيغل الأسكوتلاندية حفلا مماثلا في نفس اليوم. وستبث هذه الحفلات مئات المحطات التلفزيونية.
وبين النجوم الذين أحييوا هذه الحفلات حول العالم بعض عمالقة البوب مثل بول ماكارتني ومادونا وديدو وروبي ويليامز وألتون جون. ومن أبرز وجوه الحفل المغني بونو قائد فريق U-2 الذي يعد أبرز الفنانين الملتزمين ويستمد مصداقيته من شعبيته الهائلة ومن اطلاعه الواضح على المواضيع والقضايا التي يدافع عنها.
وتنظم بموازاة لايف ثمانية حملة بعنوان «القضاء على الفقر» يشارك فيها أبرز المشاهير وتتضمن إعلانات تلفزيونية يظهر فيها الممثلون براد بيت وجورج كلوني وهيو غرانت وعارضتا الأزياء كايت موس وكلوديا شيفر.
غير أن هذا الالتزام من جانب الفنانين إزاء القضايا الأفريقية يواجه بانتقادات تتهمه بالتبسيط وبإثارة تعاطف سطحي، بينما المطلوب تحليل سياسي حقيقي وعميق لجذور الفقر. كما يتهم البعض الفنانين بالانتهازية معتبرين أنهم من خلال التعبير عن التزامهم هذا يحرزون دعاية سهلة.
هل ستغير الموسيقا العالم؟
ليس من وظيفة الموسيقا بالتأكيد القضاء على الفقر لكنها وسيلة من الوسائل التي يمكن من خلالها إسماع الصوت. وعندما تهتف ملايين البشر بصوت واحد لا للفقر ولا للجوع ولا للقهر فإن الصدى لابد سيتردد في كل أصقاع الأرض، ولابد أن يسمعه من أكثر الناس صمماً.
تشرين-سوريا
5-7-2005