أربعة تفجيرات تدمي لندن .. وتصدم العالم كله
تفجيرات لندن أمس نزلت كالصاعقة على الحكومة البريطانية، التي رأت فيها بصمات للقاعدة، وعلى ضيوفها قادة الدول الثماني الكبرى المجتمعين في اسكتلندا، وعلى عواصم العالم التي سارعت إلى إدانتها وإلى تعزيز إجراءاتها الأمنية، لا سيما واشنطن التي عملت على استغلالها لتعزيز ما تصفه بالحرب على الإرهاب، رافضة ربطها بدور بريطانيا في العراق وأفغانستان.
أما الحال في موقع المأساة، وفي شوارع لندن، فكانت على الشكل التالي: صدمة وهلع. فوضى ودماء. بعدما تعرّضت العاصمة البريطانية إلى أربعة تفجيرات، هي الأكثر دموية منذ سنوات، كلها وقعت خلال 56 دقيقة.
وقالت الشرطة البريطانية إن 37 شخصا على الأقل قتلوا وأصيب نحو 700 بجروح، موضحة أن 21 شخصا قتلوا في محطة مترو أنفاق بيكاديلي لاين بين محطتي كنغز كروس وراسل سكوير. وقتل سبعة آخرون في المترو كذلك بالقرب من محطة مورغيت وسبعة في محطة ادجوير رود. وقتل شخصان في التفجير الذي استهدف حافلة بالقرب من راسل سكوير.
أما وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي فقال من جهته إن تفجيرات لندن أدت إلى مقتل 50 شخصا وإصابة نحو 300 بجروح، بينهم 50 حالتهم خطرة جدا، وذلك بناءً على معلومات قال إنه تلقاها من نظيره البريطاني تشارلز كلارك.
وكانت الشرطة البريطانية تحدثت في وقت سابق عن وقوع ستة انفجارات في مترو الأنفاق وانفجار آخر في حافلة.
بلير
كانت صدمة بلير كبيرة. فقد وقعت التفجيرات في ذروة مشاعر الغبطة الناتجة عن اختيار لندن عاصمة للألعاب الاولمبية للعام 2012 وفي وقت يستضيف فيه في غلين ايغلز كبار قادة العالم في قمة من المقرر أن تبحث الفقر في العالم وقضية الاحتباس الحراري.
وقال بلير، الذي قطع مشاركته في قمة الثماني للعودة إلى لندن، <<نعرف أن هؤلاء الأشخاص يتحركون باسم الإسلام لكننا نعرف أيضا ان الغالبية الكبرى من المسلمين هنا وفي الخارج اشخاص لائقون يحترمون القانون ويمقتون الإرهاب بقدر ما نمقته نحن>>.
وأضاف بلير، في إعلان تلاه في مقر رئاسة الحكومة في لندن، أن الشرطة وأجهزة الأمن ستقوم <<بأكبر تحرك.. للتحقق من أن المسؤولين سيحالون إلى العدالة>>.
ووصف بلير الهجمات بأنها <<فظاعة من الأشد رعباً ومأساوية أودت بالعديد من الارواح البريئة>>. وقال <<انه يوم حزين جدا للشعب البريطاني لكننا سنبقى أوفياء لنمط العيش البريطاني>>، مضيفا <<يحاولون تخويفنا لكننا لن نخاف>>.
كذلك، أعربت الملكة اليزابيث الثانية عن <<صدمتها العميقة>> من التفجيرات وعن تعاطفها مع المصابين
فيما قال رئيس بلدية لندن كين ليفنستون انه لا يمكن لأي شيء أن يقضي على مبادئ العاصمة البريطانية <<حيث الحرية قوية وحيث يستطيع الناس العيش في انسجام في ما بينهم>>.
وقال وزير الخارجية البريطاني جاك سترو إن التفجيرات تحمل <<بصمات>> تنظيم القاعدة.
مسلمو بريطانيا
وكانت المجموعات الإسلامية في بريطانيا قد أدانت التفجيرات ودعت إلى الهدوء وسط مخاوف من ردود فعل انتقامية معادية للمسلمين.
وقال مجلس مسلمي بريطانيا، في بيان، <<ندين بشدة مرتكبي ما يبدو أنها هجمات منسقة>>. وأضاف ان <<هذه الأعمال الشريرة تجعل منا جميعاً ضحايا>>، مشيرا إلى أن <<الأشرار الذين خططوا ونفذوا سلسلة التفجيرات هذه في لندن يريدون إضعاف معنوياتنا كأمة وتقسيمنا كشعب. علينا جميعا أن نتحد لمساعدة الشرطة على اعتقال هؤلاء القتلة>>.
إعلان المسؤولية
وأعلنت مجموعة جديدة تابعة لتنظيم القاعدة تطلق على نفسها <<قاعدة الجهاد في اوروبا>>، في بيان على موقع على شبكة الانترنت، مسؤوليتها عن التفجيرات وتوعدت الدول الأوروبية المشاركة في القوة المتعددة الجنسيات في العراق وأفغانستان بهجمات مماثلة.
وقال بيان المجموعة إن <<المجاهدين الأبطال قاموا بغزوة مباركة في لندن، وها هي بريطانيا الآن تحترق من الخوف والرعب والفزع في شمالها وجنوبها وشرقها وغربها>>.
وأضاف البيان <<لقد حذرنا الحكومة البريطانية مرارا وتكرارا وها نحن قد وفينا بوعدنا ونفذنا غزوة عسكرية مباركة في بريطانيا بعد مجهودات شاقة قام بها المجاهدون الأبطال واستمرت فترة طويلة لضمان نجاح الغزوة>>.
وتابعت المجموعة، مخاطبة الأمة الإسلامية، <<حان وقت الانتقام من الحكومة الصليبية الصهيونية البريطانية ردا على المجازر التي ترتكبها بريطانيا في العراق وأفغانستان>>. وأضافت <<ما زلنا نحذر كلاً من حكومة الدنمارك وحكومة إيطاليا وكل الحكومات الصليبية من أنهم سوف ينالون نفس العقاب ان لم يسحبوا قواتهم من العراق وافغانستان>>.
وكان الجيش الجمهوري الايرلندي قد أكد في وقت سابق أن <<ليس له أية علاقة>> بهذه التفجيرات فيما عبّر الشين فين، الجناح السياسي للجيش الجمهوري الايرلندي، رسميا عن <<تعاطفه>> مع الضحايا.
وقال نائب قائد الشرطة البريطانية، براين باديك، إن الشرطة البريطانية لم تتلق إنذارا بوقوع التفجيرات وانها تتحقق من تبني القاعدة لها.
واعتبرت الشرطة أن <<من المبكر جدا>> القول إن التفجير الذي استهدف الحافلة في ابر وبورن سكوير قرب راسل سكوير كان عملية انتحارية، بعدما رجح وزير الداخلية الإيطالي جوزيبي بيسانو ذلك.
وتم تعليق النقل العام تماما في لندن وإجلاء الآلاف من الركاب بواسطة المراكب في نهر التايمز.
هلع في العالم
وسارع وزير الأمن الداخلي الأميركي مايكل تشرتوف إلى رفع مستوى الإنذار من عملية إرهابية بمقدار درجة إلى المستوى البرتقالي (<<مرتفع جدا>>) في وسائل النقل المشترك الأميركية فيما أمرت وزيرة الخارجية كونداليسا رايس جميع السفارات الأميركية في العالم بمراجعة إجراءاتها الأمنية.
وقال وزير الداخلية الايطالي جوزيبي بيزانو إن <<حالة التأهب أعلنت في أنحاء أوروبا كلها>>.
ومن باريس وحتى موسكو، مرورا بروما وبرلين ومدريد وبراغ ولاهاي ولشبونة، أمر المسؤولون بتعزيز الإجراءات الأمنية في مراكز المواصلات وشبكات السكك الحديدية، وذلك عقب اجتماعات طارئة عقدت في مختلف عواصم القارة الأوروبية لتقييم التهديدات الأمنية في أعقاب هجمات لندن.
وأدت تفجيرات لندن أمس إلى تراجع أسهم البورصات الأوروبية وسقوط مؤشر <<فوتسي 100>> لأبرز الاسهم في العاصمة البريطانية، وبورصة فرانكفورت. لكن رئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه اعتبر من غير الضروري في الوقت الحالي القيام بأي خطوة بالتنسيق مع بنك إنكلترا في الأسواق المالية.
وأكدت الدنمارك أمس أنها لن تسحب قواتها من العراق. وقال مساعد رئيس الوزراء بنت بنتسن <<ان الحكومة الدنماركية لا تعتزم البتة تغيير سياستها، لن نستسلم للإرهابيين>>.
قمة ال8
وفي اسكتلندا، حيث تعقد قمة الثماني، التف قادة العالم الكبار حول بلير في جبهة موحدة متجاوزين خلافاتهم، وأكدوا، في إعلان مشترك، أن <<هذا ليس هجوما على بلد بل على كل البلدان وعلى العالم المتحضر>>.
وقال القادة، في الإعلان الذي قرأه بلير وهو محاط بجميع ضيوفه من قادة الدول، <<لن نسمح للعنف بأن يغير مجتمعاتنا وقيمنا، كما أننا لن نسمح بوقف اعمال هذه القمة. سنواصل مشاوراتنا من اجل عالم افضل>>. وكان إعلان وقوع الهجمات قد فاجأ القادة قبل بدء اول جلسة عمل بينهم. وقال بلير، الذي سارع إلى التوجه إلى لندن حيث أمضى بضع ساعات عاد بعدها إلى غلير ايغلز، إن جميع القادة تمسكوا عندها بتصميمهم على مواصلة القمة.
وأضاف الدبلوماسيون أن القادة ناقشوا إمكانية وقف أعمال القمة ولكنهم رأوا أن مثل هذه الخطوة سترسل <<أسوأ رسالة>> إلى منفذي هجمات لندن.
وبات من شبه المؤكد حصول تقدم حول موضوعي الاجتماع الرئيسيين وهما مساعدة إفريقيا ومكافحة الاحتباس الحراري، لكن من غير المتوقع أن تتضمن البيانات المرتقبة <<أي التزام بالأرقام>> و<<أي بند إلزامي>>. وقال الرئيس الفرنسي جاك شيراك إن القادة توصلوا إلى اتفاق مبدئي حول قضية المناخ.
السفير-لبنان
8-7-2005