لا تشتهر مدينة فيينا—عاصمة النمسا بمركز الموسيقى الكلاسيكية فحسب، بل أيضا تعرف بمبانيها المتميزة بأسلوب وملامح خاصة، بما فيها مبنى سكن ملوّن. يقع في الحي الثالث بفيينا، وبنته حكومة فيينا عام 1977 كمبنى ترفيهي لأسر منخفضة الدخل. وقد أصبح الآن معلما سياحيا ساخنا في كراسة السياحة لفيينا.
وجدير بالذكر أن مصمم هذا المبنى لم يكن مصمما معماريا محترفا، بل رساما مشهورا في النمسا اسمه فريدينسريتش هوندرتواسير (Friedensreich Hundertwasser, 1928-1991) ، لذلك يطلق الناس على هذا المبنى "مبنى هوندرتواسير". ويتميز مبنى هوندرتواسير بخاصيتين: أولا، حطّم القواعد المؤلوفة للنظام المعماري بشكله الغريب وغير النمطي، ثانيا، تحيط به الأعشاب الخضراء، الأمر الذي حقّق حلم السيد هوندرتواسير وهو تعايش الإنسان مع الطبيعة بانسجام في مدينة كبيرة.
وعندما تقف أمام مبنى هوندرتواسير تشعر بأنك تشاهد لوحة مائية ملوّنة رسمها طفل براحته. فيكتسى الجدار الخارجي للمبنى بمساحات طلاء مختلفة الألوان، وفي بعض الأجزاء منه تظهر قطع الطوب والبلاط والأجرّ كأن المصمم نسى طليها. وتربط خطوط غير منتظمة المساحات المطلية بالألوان، مما يعطي المبنى أسلوبا حرا وطليقا، كأن السيد هوندرتواسير فكّك موادّ البناء الى قطع غيار مختلفة الأشكال، ثم ركّبها لتشكيل قطعة فنية واحدة. فتمدّ أشجار أغصانها من سقف وشرف ونوافذ المبنى، كأن الناس يسكنون في غابة تعج بالحياة.
وكان السيد هوندرتواسير عالم إحياء أيضا. درس الرسم في باريس في شبابه، وتأثر بمذهب الفن التعبيري الألماني. وفي عملية البناء المدني تعرضت البيئة الطبيعية لأضرار كبيرة، وسعى السيد هوندرتواسير الى حلم "العودة الى الطبيعة" بتصميم الكثير من المباني المنسجمة مع الطبيعة في مركز المدينة. وقال، لا يشكل حلم لشخص واحد شيئا إلا مجرد حلم فقط، ولكنه يصبح بداية جديدة لتحقيق عالم جديد اذا كان لكل الناس نفس هذا الحلم.
وتجسّد أعمال السيد هوندرتواسير كفنّان روحه العفيفة والبريئة مثل الأطفال. ففي نظره، تستطيع المباني السكنية ومصانع صرف المهملات والفنادق الفاخمة كلها أن تتعايش مع الطبيعة في ركن مدينة. وحاول السيد هوندرتواسير أن يعطي المباني العادية شخصية خاصة، واهتم بدور النباتات الخضراء في المباني، وأكّد تعايش المباني مع الطبيعة بانسجام، حتى يشعر الناس الذين يسكنون فيها براحة وفرح. وقال: تكوّن الأشياء التي جاءت من الطبيعة طريقا الى الجنة.
واهتم السيد هوندرتواسير بتفاصيل تزيين المباني أيضا، ليشعر الناس بجاذبية العيش في الطبيعة. والخاصية المشتركة لمباني السيد هوندرتواسير هى اختلاف أشكال نوافذها. وقال إن تصميم الأشكال والألوان المختلفة يجعل النوافذ "ترقص" في المباني، حتى تشكل مباني مفعمة بالحيوية وصحية.
واذا نظرت الى مبنى هوندرتواسير عند غروب الشمس، فسوف تتعجب لإبداع هذا الرسام والفنان الكبير. وفي قلب السيد هوندرتواسير، لا يمكن لفن العمارة أن يبنى على أساس الأضرار بالبيئة الطبيعية، بل إكمال وتجميل الحياة بالتعايش مع الطبيعة. فإن فن العمارة حلم للطبيعة، وهو حلم قابل للتحقيق.