خرجت أزمة عبور الشاحنات على نقطة العبودية الحدودية من سياق اعتبارها ازدحاماً لتتحول إلى قضية سياسية ستبقى معلّقة في ظل انقطاع الاتصالات الرسمية العلنية بين لبنان وسوريا، واقتصارها على قناة واحدة ما تزال مفتوحة عبر أمين عام المجلس الأعلى اللبناني السوري. هذا الامر يدعو المسؤولين اللبنانيين للتفتيش عن مخارج حلول لمعالجة المشكلة الحدودية القائمة حالياً والتي مرشحة لأن تعمّم إلى كل النقاط الحدودية بين البلدين، بما يؤدي إلى أن يصبح لبنان <<جزيرة معزولة>>.
وفي ظل عدم قدرة لبنان على تحمّل بقاء الوضع على ما هو عليه، بات ملحّاً الخروج من لغة المناشدات إلى مبادرات عملانية تعيد ما انقطع بين لبنان وسوريا، وإن كان هذا الأمر يبدو صعباً على القوى السياسية التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة، مما يؤشر إلى مرحلة صعبة ستستمر عند نقاط الحدود لا يمكن في الوقت الراهن معالجتها، فإن رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي يبدو الأقدر على معالجة هذا الملف في حال حصل على تفويض لبناني من قبل القوى السياسية الجديدة في مجلس النواب وكذلك من قبل الحكومة المزمع تشكيلها، وإلا فإن الحكومة المقبلة ستكون في مواجهة ملف تصعب حلحلته في ظل استمرار الشحن السياسي في لبنان ضد سوريا.
وكانت كل المناشدات والمواقف التي أُطلقت على المستويين الرسمي والشعبي قد عجزت عن حلحلة أزمة الشاحنات وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على الاقتصاد الشمالي والعكاري الزراعي منه بالتحديد، ولا حتى على مستوى وضع أهالي القرى والبلدات الممتدة من العبدة مروراً بتلحياة والقليعات وبلانة الحيصة وتل اندي وتلحميرة والشيخ عياش والعبودية وصولاً إلى الدبوسة نقطة العبور من سوريا وإليها.
الأزمة التي بدأت منذ حوالى الثلاثة أسابيع انعكست سلباً وبشكل دراماتيكي على كل الأطراف المعنيين، سواء سائقو الشاحنات الذين يقضون ولليوم الثامن عشر أوقاتهم إما نياماً تحت الشاحنات أو على ظهر الحمولة وفي حراسة دائمة للبضائع والسلع المتنوعة التي ينقلونها نحو سوريا وسائر البلدان العربية باتجاه العراق والأردن ودول الخليج العربي، فشكّلوا مجموعات مناوبة تتقاسم الأوقات ريثما تعالج المشكلة ويفكّ الحصار عن الشاحنات. بينما يسعى آخرون لتسوية المسألة مع سكان وأهالي قرى وبلدات السهل الذين وإن اكتفوا في البداية بتفهّم المشكلة ظناً منهم أنها مسألة أيام قليلة، إلا أن استمرارها صعَّد من حدة الموقف فوصلت الأمور إلى مستوى الصدام والتشابك بالأيدي وكسر زجاج الشاحنات والتراشق بالحجارة ما دفع بالقوى الأمنية للتدخّل لمعالجة الأمور وتنظيم وضع الشاحنات في ساحات وأراضٍ زراعية انتشرت فيها الشاحنات المتوقفة.
وهكذا يواجه العابرون والسائقون أزمة حقيقية يتوقع أهالي القرى والسائقون أن تنتج عنها آثار سلبية سواء لجهة العلاقات بين الشعبين أو لجهة النتائج التي ستترتّب عن هذا الأمر، مع انتشار كلام بين الناس وإشاعات عن أسباب اقتصادية ومنها محاولة الجانب السوري تنشيط الحركة في مرفأي طرطوس واللاذقية بعد حالة الحصار السياسي المفروض على دمشق، أو كلام عن أسباب سياسية تكمن بالدرجة الأولى بامتعاض الجانب السوري من نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة بدليل، ووفق الأهالي، إقدام عناصر الجمارك السورية على إجبار المواطنين رمي ما قاموا بشرائه من سوريا في النهر وفق روايات عائدين من سوريا، بينما يرفض آخرون هذا الكلام ويعتقد أنها مجرد إشاعات هدفها تعميق الخلاف بين الجانبين.
البعض الثالث يثير المسألة بطريقة أخرى تستند إلى استياء سوري من مسألة مطالبة عدد كبير من السياسيين في لبنان إعادة النظر في العلاقات والاتفاقات والمعاهدات.. أما جزء مهم من سكان القرى والبلدات الذي يعتبر أن التقصير هو لبناني بامتياز ويردّد كلاماً عن <<أننا كسكان قرى حدودية لا نستطيع العيش من دون سوريا وهناك أنباء عن خروقات أمنية ومحاولات تسلل وتهريب أسلحة>>..
وبالرغم من ذلك يبقى السؤال عن ماهية العقدة التي ينبغي للمسؤولين في الجانبين كشف حقيقتها ومعالجة الأمر حيث يتساءل الأهالي: لماذا لم تسفر الإجراءات والاتصالات التي جرت في اليومين الماضيين وعلى أرفع المستويات عن أي حل لمشكلة الشاحنات المتوقفة على الحدود السورية اللبنانية، والتي لا تزال مستمرة منذ أسبوعين وأكثر. في حين تردّد أن وفداً من الأمانة الجمركية السورية قد زار الجمارك اللبنانية للإطلاع ميدانياً على الوضع بسبب توقف الحركة نهائياً وورود معلومات من سائقين مفادها أن الجانب السوري اتخذ إجراء يقضي بمنع انتقال السيارات السياحية والركاب عبر العبودية وتحويل الضغط عبر معبر العريضة، على الطريق الساحلية، كون الأهالي في بلدات الشيخ عياش والعبودية والقرى الواقعة على طرق العبدة العبودية قد اصطدموا بسائقي الشاحنات مرات عدة وحدثت مشاحنات واستفزازات متبادلة وإشكالات ما حدا بالقوى الأمنية اللبنانية العمل على تجميع الشاحنات في أماكن محدّدة حتى أن بعضها احتل الأراضي الزراعية بانتظار أن تلوح في الأفق حلول لهذه المشكلة.
وبينما الحبل يبقى على غاربه في هذه المسألة بالذات بحيث يتحرك الأهالي منفردين دون بلديات المنطقة ومخاتيرها وفعالياتها التي ربما ما اعتادوا على مواجهة مثل هذه الحالات الطارئة، أو ربَّما لأن انتظارهم وكما يؤكد عدد من الأهالي يعود لأسباب مختلفة ومصالح تمنع بعضهم من إطلاق المواقف والضغط على المسؤولين والنواب للتحرّك ورفع الصوت منعاً لاستفحال المسألة وحصول ما لا يمكن بعد ذلك تلافيه.
وعلى الرغم من تفاؤل المعنيين بقرب حلّ هذه الأزمة تحدثت معلومات من المعبر الحدودي عن تشديد الإجراءات على الجانب السوري بشكل كبير، مما خفض من عدد الشاحنات العابرة خلال اليومين الماضيين إلى حوالى عشر شاحنات، فيما كان المعدل حوالى خمسين شاحنة في اليوم خلال الأسبوعين الماضين، علماً أن المعدل اليومي الاعتيادي لعبور الشاحنات كان بحدود ثلاثمئة شاحنة يومياً قبل بدء الإجراءات المشددة.
وقد أدّى التزايد المضطرد في عدد الشاحنات عند نقطة العبور إلى انقطاع تام في حركة السير وإلى ازدحام شديد كان على ما يبدو دافعاً للقرار بتحويل حركة السير نحو معبر العريضة، وبحسب مصادر حدودية فإن حركة العبور سجلت حوالى 11 مركبة فقط خلال ال48 ساعة الماضية.
وقد دعا النائب هادي حبيش المسؤولين في كلا البلدين لإيجاد حل سريع للمشكلة على أساس أهمية أن تبقى العلاقة علاقة أخوة بين الشعبين والبلدين وتجري معالجة كل الأمور على المستوى الرسمي انطلاقاً من علاقة متوازنة وتراعي مصلحة الناس، دون النظر إلى تصريحات بعض المسؤولين والسياسيين مع احترام كل ما هو متعلق بالجانب الأمني إذا وجد دون أن يتكبّد الناس عناء وأوزار ما يجري.
بدوره، طالب رئيس جمعية تجار عكار ابراهيم الضاهر الحكومة اللبنانية بالتدخل لمعالجة هذه المشكلة ومنع تفاقمها بما يخدم الاقتصاد اللبناني ومصلحة العلاقة بين البلدين ويحمي القطاعات المختلفة من نتائج هذه الأزمة.
ويقول أبو محمد (سائق سوري): إن حالة من التشدّد والتفتيش الدقيق لا تسمح إلا بمرور عدد محدود من الشاحنات يومياً وبالتالي الشاحنات تنتظر دورها ساعات وساعات حتى تقطع مسافة مئتي متر في اليوم الواحد فيما يمتدّ خط الشاحنات إلى عشرة كيلومترات وأكثر.
أما السائق محمود، القادم من البقاع، فدعا الحكومة الى تسهيل عملية المرور، لأن هناك خسارة كبيرة يتكبّدها السائقون بسبب التوقف لأيام، مع ما يعنيه ذلك من مصروف زائد في استهلاك الوقود والإطارات والميكانيك والمصروف اليومي، بالإضافة إلى الوضع الشخصي اللاإنساني للسائقين بسبب عدم توفّر المراحيض وأماكن الغسيل والماء.
وتساءل أبو أحمد (من العراق) عن سبب صمت شركات الشحن والشركات المتعاقَد معها للتصدير إلى العراق إزاء ما يجري وتركها السائقين يواجهون مصيرهم لوحدهم، مع رفضهم تحمل أية خسارة ناتجة عن هذا التأخير في تسليم البضائع، علماً أن السائق يتلقى مبلغاً محدوداً عن كل حمولة ورحلة.
السفير-لبنان
11-7-2005