إعداد: ابتسام فرح
مهما وصل المرء من الوعي والتفهم لابد له من لحظات يقف عندها أمام أمور لم يكن يتوقع الأخذ بها، وكثير من الأحداث التي نمر بها مردها تفسيرات خرافية متوارثة وجدت طريقها إلينا، ولكل مجتمع موروث كبير من تلك الخرافات تفرض نفسها وتؤرق الكثيرين رغم أن العلم والتطور دحض معظمها، ويعزو علماء النفس أن الأخذ بها يعود إلى أسباب نفسية شخصية ولقد أجريت بعض الإحصائيات عن الأشخاص الذين يعتقدون بالخرافات وأثبتت أن أغلبيتهم من البحارة والرياضيين ولاعبي القمار، أظهرت بعض الاستقصاءات أن فرنسياً من أصل خمسة يرتاع من رقم 13 وأن واحداً من أصل اثنين يمسكون الخشب لابعاد الحسد إلا أن العلم والمعرفة ذهبا ببعض المعتقدات دون رجعة فلم يعد مثلاً يخشى من كسوف الشمس أو خسوف القمر بشكل عام كما كان في الماضي إلا أن بعضها لم يزل موجوداً وبقوة مثل استشارة العرافين وقراءة الأبراج وتعليق حذوة الحصان على باب المنزل والتحلي بالأساور البرازيلية وسواء كانت هذه الخرافات قديمة أم حديثة فأصحاب التمائم والتعاويذ يرون أن تعويذاتهم تضمن الحل وهو الحمايةمن سوء الطالع فحمل هؤلاء للأحجبة يشعرهم بالزمان ويواجهون المستقبل بهدوء ودون قلق حتى أن اختصاصيي علم النفس الرياضي ينصحون اللاعبين التسلح بالأحجبة قبل خوض مباريات فاصلة ويذهب الفيلسوف والأنتربولوجي «فرانسوا فلاهولت» إلى القول أن كون الشخص مؤمناً بالخرافات لايدل بالضرورة على أنه متخلف بل يكمن الأمر في الدرجة الأولى بالطبيعة البشرية التي تميل بشكل أو بآخر إلى الانغماس طوعاً أو كرهاً في هذا الميدان ويضيف أن الاعتقاد بالخرافة مجرد وسيلة تجعل المرء يشعر بأنه ينتمي إلى هذه العائلة أو هذا المجتمع وأن احترام الطقوس المتوارثة في العائلة له تأثير في حياتنا ولايعني هذا بالتالي أن تصدق به بشكل تلقائي فعندما نستخف بالمعتقد الباطل أو الفأل السيئ فإننا نشعر أحياناً بالشيء السيئ إلى درجة قد يقينا إصابة مباشرة وهو مايعرف عند النفسانيين بالإيحاء، فعندما نتوقع شيئاً معيناً فإننا نعمل من حيث لاندري إلى تحقيق هذا الشيء وكأن هذا الإيحاء دفعنا إلى بذل المزيد للحصول على النتيجة المتوقعة، وهناك الكثير من الموروثات التي نلحظها في حياتنا اليومية والتي يمكن أن تتحكم في تصرفات البعض كعبور الشارع أو دخول المنزل لأول مرة بتقديم القدم اليسرى عن اليمنى لتفادي وقوع مكروه، والذي قد يحصل مصادفة، وهناك معتقدات قديمة منذ سنوات طويلة تحدثت مثلاً عن أن ذكر اسم بعض الحيوانات عند الصعود إلى ظهر السفينة يجلب الحظ السيئ للسفينة وترجع هذه الخرافة إلى عصر السفن الشراعية الأولى إذ كانوا يحملون معهم الخنازير والسناجب والأرانب التي لا تتوانى عن قضم حبال الأشرعة إلى درجة أن بعض السفن تغرق، لذلك تقول الخرافة أنه عند ذكر أحدهم كلمة أرنب فوق السفينة عليه رمي سمكة يصطادها إلى البحر ليهدأ ولايقلب السفينة، وتعود خرافة رقم 13 إلى آلاف السنين حيث قيل أن الرقم 12 هو عدد مقدس فالأشهر القمرية 12 وعدد الأبراج السماوية 12 وحواري السيد المسيح عليه السلام 12 وعدد آلهة الأولمب الإغريق 12 لذلك فهو الكمال وأن الانتقال إلى رقم 13 كسر لذلك التناعم ورمز للفأل السيئ، والأوروبيون يتشاءمون من يوم الجمعة إذا كان بتاريخ 13 والأميركيون يتحاشون رقم 13 في عدد طوابق ابنيتهم أما اليابانيون فيجدون الفأل السيئ في رقم 4 ويعتقد البعض أن الملح يرمز إلى النقاء في الحياة ومن دنّس الملح يجلب الفأل السيئ لنفسه فإذا قلب شخص ما المملحة على الطاولة فقد أهلك نفسه وإن أعطى الملح لغيره تمنى له الموت وتعود هذه الخرافة إلى العصور الملكية في عهد «لويس الرابع عشر إذ كانوا يضعون الزرنيخ في المملحة لقتل شخص ما باتقان ومهارة كما يعتقد البعض أنه عند انقلاب المملحة يجب رمي الملح فوق الكتف اليسرى لتضليل الأرواح الشريرة، كما أن كسر الصورة المنعسكة بوساطة المرآة ماهي إلا انعكاس لروحنا لذا كان كسر المرآة يعني أننا ساهمنا بتحرير الروح المتواربة بداخلها التي ربما تكون شريرة، ورمي هشيم الزجاج في الماء يعني أننا أصلحنا المرآة وأن الروح عادت حبيسة من جديد.
إلا أن جميع تلك الأوهام والخرافات إذا ما أرجعناها إلى منطق علمي وجدنا أن ليس لها أصل أو سند عقلاني على الإطلاق إلا أن الكثيرين يحترمونها ويلتزمون بها لأسباب نفسية شخصية.
تشرين-سوريا
17-7-2005