ماجدة محيي الدين :
من السهل تحديد مراحل النمو لدى الإنسان من الناحية الفسيولوجية أو التشريحية أو العضوية، فيقال هذه مرحلة الطفولة وتلك المراهقة وتلك الشباب وهذه الشيخوخة، لكن الأمر يبدو شبه مستحيل من الناحية العقلية والوجدانية والنفسية والاجتماعية رغم ادعاءات علماء النفس بغير ذلك• فالشيخ الهرم قد يبدو طفلاً في سلوكه وتصرفاته وانفعالاته، وقد يكون مراهقاً في طيشه واندفاعه، والصبي الذي يقال إنه مراهق قد يكون أكثر اتزاناً وعقلاً وكياسة من أبيه الكهل وجده العجوز، والفتاة التي أدركت البلوغ قد تكون أكثر وقاراً وأوفر خلقاً وأرجح عقلاً من أمها الطائشة؛ وبالتالي لا يمكن تحديد ''من يربي من ومن يؤدب من؟!''، والوصفات التي يقدمها علماء النفس والاجتماع للآباء والأمهات والمعلمين كي يستخدموها في تربية الأبناء والبنات المراهقين، ربما يكونون هم أنفسهم أحوج إليها ليتعلموا ويتأدبوا•
ويقول د• هاني السبكي، أستاذ الطب النفسي جامعة القاهرة، إن ما يحدث للمراهق من تحولات طبيعية يجعله يتصور أنه أصبح ناضجاً ويرفض معاملته كطفل، ويبحث عن الاستقلال بعيداً عن سلطة الأسرة، ويتمسك بآرائه في كثير من المواقف مهما كانت خاطئة، ويصر على خوض التجارب السلبية حتى النهاية• ولابد أن تتنبه الأسرة إلى أن المراهق لديه حساسية عالية ويحاول إثبات ذاته، وينبغي أن يتعامل معه الوالدان بقدر كبير من التفاهم والثقة وهو يحتاج إلى رعاية خاصة تعتمد على الحوار والشرح والتفصيل•
وحذر من الرضوخ لحالة التمرد التي تصاحب مرحلة المراهقة، فإذا كان الحب والتفاهم أساسيين في العلاقة فلابد من الحزم في الأمور التي ترى الأسرة أنها غير مناسبة•
ويوضح د• حامد زهران، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، أن الدراسة التي أجراها قبل سنوات عن مشكلات المراهقين، كشفت عن فجوة كبيرة بين المراهقين والكبار أدت لما يُعرف بصراع الأجيال، والذي يعكس اضطراب المناخ الأسري وفساد القدوة وتفكك العلاقات الإنسانية مما يدفع المراهق إلى الإحساس بالاغتراب•
أخطر المشاكل
وقال إن أخطر المشاكل التي تواجه المراهقين، عدم ثقتهم بالكبار وافتقاد المثل الأعلى في محيط الأسرة أو خارجها مما يدفعهم لأخذ النصيحة من شلة الأصدقاء، وتبين من الدراسات أن 20 في المئة من المراهقين يعانون الاكتئاب•
ويضيف أن الاكتئاب هو الابن الشرعي للاغتراب الذي يشعر به المراهق، وتتشابه أعراضه مع أعراض الاضطرابات المزاجية المصاحبة لسن المراهقة، وقد لا تتفهم الأسرة تلك الأعراض وتهملها وتتعمق المشكلة وتتحول إلى اختلال في تكيف المراهق مع مؤسسات المجتمع، مما يشعره بأنه مرفوض•
وأوضح أن الاكتئاب الذي يصيب المراهق ينتج عن عدم إشباع حاجاته ورغباته، مما يؤدي إلى اضطرابات في السلوك تصل إلى عدم التكيف وتنتهي إلى الانحراف، وعادة ما يكون التدخين بداية الانحراف الذي يقود إلى المخدرات•
وأكد أهمية إشباع حاجات المراهقين ورغباتهم بما يلائم ظروفهم الاجتماعية والأسرية، وعندما يأخذ المراهق قراراً خاطئاً يرفضه الوالدان فعليهما أن يقدما مبررات مقبولة للرفض• ومن الضروري أن يتعامل الأبوان بالعدالة والصرامة في آن واحد، وأن يسمحا للمراهق ببعض التجاوزات التي ترضيه في حدود لا تؤدي إلى إضرار•
كما أكد أهمية أن يقتحم الآباء مشاكل أبنائهم المراهقين إلى أقصى درجة، بحيث يستطيع المراهق أن يحكي كل ما يواجهه من دون خجل مع مراعاة عدم السخرية من أي مشكلة•
وتقول د• هدى زكريا، أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس، إن المراهق حساس ويعاني ضغوطاً ولديه تطلعات ويشعر بالحيرة، وهو يرصد المتغيرات السريعة من حوله وتشكل التطلعات المادية عنصر ضغط عليه• ورغم انشغال الأسرة بجمع المال، يشعر بفجوة بين دخل الأسرة وتطلعاته ويحس بعجز الأسرة عن تحقيق رغباته فيستسلم لقيم سلبية مثل الغاية تبرر الوسيلة• وفي ظل غياب دور الأسرة وتراجع دور المؤسسات التعليمية وافتقاد البرامج التليفزيونية والإذاعية التي تعتني بهذه الشريحة العمرية، يجد المراهق نفسه مدفوعا إلى ''شلة'' الأصدقاء يستقي معلوماته منها ويبحث عن المساعدة والحل لمشكلاته•
ودعت إلى الإبقاء على جسور الود والحوار مع المراهقين، حيث تتصور كثير من الأسر أن مهمتها تنحصر في تعليمهم وتغذيتهم، بينما أهم شيء هو توفير الحماية والرعاية النفسية والاجتماعية حتى لا يشعر المراهق بالنفور من عالم الكبار ويحاول التحصن بمن يشبهونه•
تدريب
تقترح د• هدى زكريا تنظيم ورش عمل لتدريب الآباء والأمهات علـى كيفية التعامل مع مشاكل الأبناء في المراحل العمرية المختلفة يشرف على تدريبهم متخصصون في علم النفس وعلم الاجتماع، ومن الممكن أن تتولى هذه المسؤولية الجمعيات الأهلية•
وتشير الدكتورة سامية خضر، أستاذ الاجتماع، إلى تقلص دور الأسرة التربوي في ظل انشغال الوالدين بتوفير ضرورات الحياة وفي ظل ثورة المعلومات، حيث صار المراهق يتغيب عن منزله معظم ساعات اليوم، وأصبح دور الأسرة قاصرا على تمويل أسباب تغيبه• وكشفت الدرسات على شرائح مختلفة من المراهقين عن افتقاد المثل الأعلى والرمز، مما يعكس حالة الاغتراب واهتزاز صورة المستقبل في عيون المرهقين•
وأوضحت أن انتشار العنف بين المراهقين كان موضوع دراسة أجراها المركز القومي المصري للبحوث الاجتماعية والجنائية، وتبين أن 63,5 في المئة من المراهقين تعرضوا للعنف وأن 65 في المئة منهم يستجيبون للعنف بعنف مضاد• وبرر المراهقون أسباب اللجوء إلى العنف بشعور الإحباط في المرتبة الأولى ثم البطالة بنسبة 65 في المئة وعدم القدرة على التواصل 22 في المئة وعدم الوجود في مسكن مناسب 15 في المئة•
وقالت، إن الدراسة أشارت إلى أن انجذاب المراهقين لبعض الجماعات المتطرفة، يرجع إلى أنها قدمت لهم الدور والشعور بالأهمية الذي سلبه منهم المجتمع•
وتؤكد أهمية أن تشارك الأسرة أبناءها في شغل أوقات فراغهم بما يحقق لهم الشعور بالرضا وأن لهم دوراً ايجابياً من خلال عمل مفيد يحقق الرضا، سواء كان ذلك عن طريق ممارسة رياضة أو هواية أو عمل يدر دخلاً على الشاب ولو في أشهر الصيف أثناء الإجازة•
الاتحاد-الامارات
18-7-2005