إعداد ـ عدنان عضيمة: على الهضاب المنخفضة المترامية في إحدى ضواحي مدينة براتيسلافا عاصمة جمهورية سلوفاكيا، ينشغل عمال شركة فولكسفاجن بالعمل على زيادة إنتاجية المصنع المقام هناك لمواجهة الطلب المتزايد على إنتاجه من سيارتي ''بولو''، و''طوارق'' ذات الاستخدامات الرياضية• وطرحت في هذا الصدد فكرة تدعيم طاقم الإنتاج بعمال إضافيين داخل المصنع ذاته بدلاً من بناء مصنع جديد• ولقد ربح السلوفاكيون مؤخراً رهان اختيار شركة أودي لبلادهم للانفراد بإنتاج سيارتها الجديدة ذات الاستخدامات الرياضية فضصس 7رف مما يعزز من مكانة أوروبا الشرقية أكثر وأكثر كقلعة عالمية لصناعة السيارات على حساب دول أوروبا الغربية التي يعرف عنها الارتفاع المفرط في تكاليف الإنتاج•
وأصبح مصنع سيارات فولكسفاجن في براتيسلافا ينتج 250 ألف سيارة في العام، مما يجعله الأكثر أهمية من بين مصانع الشركة المتوزعة في العالم والتي يبلغ عددها 42 مصنعاً• ولهذا التطور الاقتصادي الكبير عنوان واحد يتلخص في رخص الأيدي العاملة بالإضافة لخاصية التصنيع المرن والحميّة للعمل التي يتميز بها العمال السلوفاكيون• ويقول ''توماس شمال'' مدير مصنع فولكسفاجن في سلوفاكيا: ''لقد عمدت اتحادات العمال هنا إلى سؤالنا عن الطريقة التي يمكن بها زيادة الإنتاجية وكيف يمكننا أن نخلق لهم بالمقابل فرصاً جديدة للعمل• إن العمال السلوفاكيين يعتمدون ثقافة الصراع من أجل الربح''•
ولقد يبدو الاختلاف في تكاليف التشغيل بين أوروبا الغربية والشرقية واضحاً من خلال إحصائية تشير إلى أن أجر ساعة العمل الواحدة يبلغ 50 دولاراً في أسبوع العمل الذي لا يتجاوز 28 ساعة في ألمانيا، فيما تتكلف 6 دولارات فقط في أسبوع عمل يدوم 40 ساعة في سلوفاكيا• ونتيجة لاختيار شركة فولكسفاجن سلوفاكيا كبلد مثالي لإقامة مصنع فيه، فلقد وفرت على نفسها 1,8 مليار دولار سنوياً• وتعمل الشركة الآن على زيادة طواقم العمل الليلية من أجل زيادة الإنتاج بهذه التكلفة المنخفضة إلى أعلى الحدود•
وشيئاً فشيئاً، أخذت دول أوروبا الشرقية تتحول إلى ''جنّة الاستثمار'' في صناعة السيارات• وتفسير ذلك بسيط كل البساطة، فالأيدي العاملة الخبيرة رخيصة جداً وعالية المرونة، بمعنى أنها قادرة على التأقلم مع أي حالة تكنولوجية طارئة أو جديدة• وتسمح السلطات هناك لأي مصنع بتشغيل طواقم العمل المتناوبة لمدة 24 ساعة في اليوم ولسبعة أيام في الأسبوع و52 أسبوعاً في السنة ومن دون تحمل أعباء باهظة كثمن للعمل الإضافي• ويضاف إلى كل ذلك أن السلطات الرسمية السلوفاكية لا تتوانى أبداً عن تقديم كل التسهيلات اللازمة للمستثمرين حتى تشجعهم على توظيف المزيد من الاستثمارات• ويكتفي العمال في كل من فرنسا وألمانيا على العمل لمدة 1440 ساعة في السنة مقابل 2000 ساعة في السنة للعامل في سلوفاكيا أو بولندا•
ويعود الاختيار الموفق لشركة فولكسفاجن لإقامة مصنع للسيارات في سلوفاكيا، وكذا اختيار شركة جنرال موتورز لبولندا لإقامة مصنع فيها، إلى أعوام التسعينات• ومنذ ذلك الوقت، ظهر أن هذين المصنعين هما الأكثر إنتاجاً وإنتاجية من بقية المصانع التي تعتمد عليها الشركتان• والآن، يبدو أن موجة ثانية جديدة من مصانع السيارات أصبحت على الأبواب ينتظر منها أن تزيد إنتاج مجموعة من دول أوروبا الشرقية بمعدل مليون سيارة في العام بالإضافة لإنتاجها الأصلي المقدر بنحو عشرة ملايين• وفي الثلاثين من مايو الماضي، ساهمت كل من شركة تويوتا اليابانية وائتلاف يضم شركتي بيجو وسيترون الفرنسيتين، بتوظيف مبلغ 1,8 مليار دولار لإقامة مصنع مشترك لإنتاج 300 ألف سيارة في العام في مصنع جديد في جمهورية التشيك• ومن المنتظر أن يشغل المصنع ثلاثة آلاف عامل، ويقدر أن يصبح أضخم مصنع لإنتاج سيارات تويوتا في العالم أجمع• وليس هذا كل شيء، حيث تعتزم هذه الشركات إنشاء مصنع آخر في سلوفاكيا العام المقبل بتكلفة إجمالية تبلغ 1,3 مليار دولار ويمكنه إنتاج 300 ألف سيارة أخرى سنوياً• ويبدو أن شركات صناعة السيارات في كوريا الجنوبية استفاقت لهذه العوائد الاستثمارية العالية فقررت توظيف مبلغ 1,3 مليار دولار لإقامة مصنع جديد لسياراتها في سلوفاكيا، وسوف يبدأ الإنتاج العام المقبل•
وليست هذه إلا بداية التحول الكبرى التي تشهدها بعض دول أوروبا الشرقية وهي في طريقها لأن تصبح الإمبراطورية الحقيقية لصناعة السيارات في العالم وسحبت البساط من تحت اقدام ''ديترويت'' في أميركا، ومن تورينو في إيطاليا، ومن غيرها من المدن التي دأبت على القذف بإنتاجها من دون حساب إلى أسواق السيارات العالمية• لقد أصبحت هذه البلدان بحق جنة الاستثمار في صناعة السيارات•
الاتحاد-الامارات
21-7-2005