هناك نتائج بحوث طبية أثبتت أنه الى جانب العناية المادية تتزايد حاجة الرضعاء الى الحب والعناية النفسية بما فيها اللمس الجسدي وخاصة الاحتضان من أمهاتهم أو غيرهن. ويسمى العلماء هذه الحاجة باسم " ظاهرة جوع الجلد ". ويرى الخبراء أن الرضعاء منذ ولادتهم يمتلكون قدرة الرد العاطفي والنفسي تجاه التغيرات المحيطة بهم، ومنذ تلك اللحظة يبدأون بتبادل عواطفهم مع الآخرين وخاصة تلقي الحب الامومي بأسلوب الاحتضان من أمهاتهم. وأشار الخبراء الى أن هذا الاحتضان يستطيع أن يوفر ضمانا فعالا لنموهم السليم وترعرعهم الصحي جسديا ونفسيا .
أجرى العلماء الامريكيون إختبارا استخدموا فيه قردين كبيرين أحدهما مصنوع من الاسلاك المعدنية ووضعوا أمام صدره زجاجة حليب. أما الآخر فهو مصنوع من المنسوجات القطنية التي تشبه جلد القرد الحقيقي الى حدما، ولكن لم يضعوا أمام صدره زجاجة حليب ثم وضعهما العلماء بين مجموعة من القرود الصغيرة .
وأظهرت نتيجة هذا الاختبار أن القرود الصغيرة لا تقترب من القرد المصنوع من الاسلاك المعدنية إلا إذا كانت جائعة أرادت تناول الحليب من الزجاجة المعلقة على جسمه، ولكنها تحب في معظم الاوقات احتضان جسم القرد المصنوع من القماش القطني وخاصة عندما تشعر بفزع أو خوف حيث تهربُ مسرعة باتجاه هذا القرد وتمسكه بقوة. ومن الطريف أنه عندما نقل العلماء زجاجة الحليب من جسم القرد المصنوع من الاسلاك المعدنية الى جسم القرد القماشي ابتعدت جميع القرود الصغيرة عن القرد المصنوع من الاسلاك المعدنية ولم تقترب منه ولو مرة واحدة .
وتدل نتيجة هذا الاختبار على أن لجوء القرود الصغيرة الى أحضان القرود الكبيرة خاصة إحتضانها لأحضان أمهاتها هو بدافع البحث عن العناية والحب والدفئ واللمسات الجسدية والعاطفية أيضا، وانه لا يقتصر على البحث عن الحليب لتناوله.
ويلعب اللمس الجسدي بين الرضعاء وأمهاتهم دورا هاما جدا لازالة شعورهم بالفزع والخوف، وحفظ توازن استقرارهم العاطفي، وتوفير ضمان فعال لنموهم ونشأتهم بشكل سليم، لذلك يرى الخبراء أن الحفاظ على العلاقات الوثيقة الحميمة الدائمة بين الرضعاء وأمهاتهم شئ مهم كما انه حاجة أساسية وضرورية جدا بالنسبة لهؤلاء الصغار، لما لها من تأثيرات على علاقات هؤلاء الصغار بالآخرين بعد بلوغهم سن الرشد وتعاملاتهم معهم في المجتمع مستقبلا. ويطلق الخبراء المعنيون على هذا اللمس الجسدي بين الرضعاء وأمهاتهم إسم ظاهرة جوع الجلد، وإذا لم ينل الرضيع الصغير منذ ولادته كفايته من الاحتضان والعناية الرحيمة من قبل أمه أو غيرها على الرغم من حاجته الماسة الى هذا الاحتضان والحب الامومي فقد تكون عواطفه النفسية غير سليمة بعد سن البلوغ .
وفي الحقيقة أن هذا اللمس الجسدي لا يقتصر على الاحتضان الجسدي فحسب بل يتعدى ذلك ليشمل أيضا تبادل التأملات البصرية والاشارات اليدوية والكلام بين الرضعاء وأمهاتهم كما يشمل تبادل الابتسامات والرائحة الجسدية بينهم، ومن خلاله يمكن أن يشعر الرضعاء الصغار بالحب والعناية والحنان من أمهاتهم وغيرهن من الكبار الآخرين .
والى جانب الرضعاء يحتاج الكبار أيضا الى الحب والعناية بما فيها اللمس الجسدي والاحتضان. ومع ما نشهده من تطور اجتماعي مطرد وتزايد سرعة ايقاعات العمل والحياة تتزايد احتياجاتهم سواء أ كانوا من الرجال أو النساء ومن القوياء أو الضعفاء يزداد إحتياجاتهم الى الحب والعناية من غيرهم وخاصة من قبل أفراد عائلاتهم وأقربائهم وأصدقائهم .
وقد كثر في الفترة الاخيرة الحديث عن العلاج باللمس الجسدي والاحتضان، كما تناقلت الصحف والمجلات لجوء العديد من مشاهير الفن الى هذا الاسلوب كطريقة للعلاج لذلك يقول الخبراء إن الاحتضان هو دواء فعال لعلاج بعض الامراض النفسية ولازالة الفزع والقلق والخوف لدى الناس كما هو دواء فعال لضمان الحفاظ على توازن العواطف الانسانية الهائدة السليمة في الحياة والعمل. لذلك يقترح الخبراء بأنه يجب استخدام اسلوب الاحتضان قدر الامكان لتعزيز العلاقات الودية بين الناس والحفاظ على صحتهم النفسية بشكل دائم .