تحقيق ـ هناء الحمادى :
حمى الشراء أو إدمان التسوق مرض نفسي يصيب النساء والرجال على حد سواء إلا أنه يصيب النساء بصورة أكبر وأكثر، حتى أن البعض يجنح إلى اعتباره إدماناً لا يقل خطورة عن خطر الإدمان على الكحول والمخدرات من حيث نتائجه النفسية والاجتماعية على الأسرة واستمراريتها•
هذا ما تؤكده الباحثة الاجتماعية باتر يشيا روبرتس من ''برنستون'' في نيوجرسي بالولايات المتحدة الأمريكية في دراسة أعدتها مؤخرا بمساعدة الدكتور ''وليام كنغزلى'' من ''سان فرنسيسكو'' حيث تقول: ''يجب توجيه الاهتمام إلى هذه الظاهرة التي يتجاهلها المسؤولون، وهي في الحقيقة أشدا خطرا من غيرها''•
وتؤكد ''أن الإدمان على الشراء يمكن أن يكون ردة فعل للكآبة والتوتر النفسي وحالات القلق، فيجد المرء أن المتنفس الوحيد له في هذه الحال هو الإغراق بالشراء، وقد يشتري سلعا ليس في حاجة إليها، وقد يكرهها أو يرميها بعيدا بعد شرائها''، وتلاحظ الباحثة أن المدمن على الشراء يعاني من الندم أو تأنيب الضمير، لأنه يندم بعد الشراء لكنه ـ رغم ـ ندمه قد يعود إلى الشراء بعد يوم أو عدة أيام•
من ناحية أخرى، تلجأ الكثير من النساء إلى إخفاء فاتورة الشراء عن الأزواج، وقد كشفت إحدى الدراسات مؤخرا أن (75%) من النساء يؤثرن إخفاء ما أنفقنه من المال على مشترياتهن، ويؤكدن أن أخفاء ذلك عن الزوج أفضل لأن الحقيقة المؤلمة ما دامت خفية فهي لا تؤلم الطرف الآخر•
وفي ضوء هذه النتائج دعونا نتساءل هنا:
ما موقف الرجل من تسوق المرأة ؟
هل يشكل ذلك عبئاً مادياً على الزوج ؟
ولماذا تخفي الكثير من النساء فاتورة ما أنفقن من مال على مشترياتهن؟
وهل يتسبب إخفاء الفاتورة في الكثير من المشاكل بين الأزواج بالفعل؟
حول هذه الأمور وغيرها، كان هذا التحقيق•
تقول برديس جلال خليفة ـ سكرتيرة في روضة خاصة ـ أنا موظفة ومستقلة ماديا عن زوجي، أحب أن أشتري ما تراه عيني ولا أبخل على نفسي مهما كان الثمن الذي أدفعه حتى لو كان ما أشتريه يفوق الألف أو الثلاثة آلاف، كما أرفض مطلقا أن يوفر لي زوجي كل احتياجاتي، فالكثير من الأزواج دائما يسألون كم دفعت ثمناً لمشترياتك، وهذا ما حدث لي بالفعل ففي إحدى جولاتي إلى السوق أنفقت الكثير من الأموال وتبضعت لأبنائي، وعند ''الكاشير'' صعق زوجي من مبلغ الفاتورة الذي فاق الثلاثة آلاف ونصف، ومن شدة غضبه صرخ في وجهي واتهمني بالإسراف وأنني أنفقت مبالغ كبيرة على مشترياتي من دون التركيز على الاحتياجات اللازمة للمنزل، وبعد هذا التصرف المحرج أمام الناس كرهت أن اخرج معه، لذلك طلبت منه أن يكون راتبي ملكا لي ولا دخل له بكل ما أشتريه من ملابس ومجوهرات وماكياج، حتى الفاتورة أحاول تمزيقها أو إخفاءها قبل دخولي المنزل حتى لا يشعر بخيبة وإحباط عندما يتعرف إلى نفقاتي الخاصة''•
لا اطلع عليها أحد
أما لينا الجابر ـ موظفة في محل تجاري للنساء ـ فتقول بكل وضوح: ''المرأة تبحث عن الجديد والمتميز في عالم الموضة والماكياج والإكسسوارات، والسوق من أوله إلى آخره يمتلئ بالكثير من مستلزمات المرأة ونادرا ما نرى محلا أو اثنين يبيع مستلزمات الرجال''•
وتتابع: ''وكما هو معروف لدى الجميع أن أكثر السلع التي تباع للمرأة هي ماركات عالمية وأغلبها تتصف بالأسعار المرتفعة ،فالأسعار دائما في ارتفاع والبضائع دائما في تجدد والمحال كثيرا ما تعرض آخر صيحات الموضة للمرأة، كل تلك العوامل ساعدت المرأة على أن تشتري كل ما تقع عيناها عليه، ولا يهمها المال ما دامت ترى نفسها مميزة عن بقية النساء الأخريات، لذلك أرى أن الكثير من الرجال لا يتفهمون هذه الحقيقة ويتهمون المرأة بأنها مسرفة وغير قادرة على إدارة الميزانية المخصصة لها، وعن نفسي حتى الآن لا أتيح لأحد فتح أي مجال للنقاش في هذه الأمور النسائية، ولا أحب أن أوضح ما أنفقته من أموال لأي شخص كان''•
كاد يطلقني
أما شيخة بشير الكعبي ـ مدرسه لغة إنجليزية ـ التي حاولت في إحدى المرات إخفاء فاتورة الشراء فتؤكد أن الأمر كاد أن ينتهي بها إلى وقوع المكروه ''الطلاق''• تقول: ''أثناء تجوالي في سوق الذهب وقعت عيني على عقد جميل من الذهب، فسألت عن سعره فوجدت أنه باهظ الثمن، لكن بريقه ظل يلمع في عيني طوال العودة إلى المنزل، ورغم علمي أن من (سابع المستحيلات) أن يشتري لي زوجي هذا العقد الباهظ الثمن، إلا أنني ذهبت في اليوم التالي واشتريته بمبلغ (15 ألف درهم)، وبسبب الخوف من ردة فعل زوجي أخفيت الفاتورة لكنني بقيت متوترة جدا، وقلقة، ولاحظ زوجي قلقي وتوتري فأخبرته بالحقيقة، وغضب مني ومزق الفاتورة وقال لي'' لولا هؤلاء الأولاد لكنت الآن في بيت أهلك''•
وتضيف بعصبية شديدة: ''كل امرأة تشعر بالرضا والسعادة عندما تجد أن كل طلباتها تتحقق فورا، ولكن حين يكون الزوج مع زوجته في السوق كثيرا ما يحاول التضييق عليها ويمنعها من شراء السلعة التي ترغب بها، لذلك بعد هذه الواقعة قررت أن أخفى عن زوجي كل نفقاتي الخاصة ولا أفتح له المجال لمناقشتي مطلقا حتى يرتاح هو وأرتاح أنا الأخرى من المشادات الكلامية التي كادت هذه المرة أن تؤدي بي إلى الطلاق''•
لا حياة لمن تنادي
الكثير من النساء من خلال هذه اللقاءات فضلن عدم ذكر قيمة الفاتورة للزوج، لان الكثير من الأزواج حين يعرف المبلغ الكلي لمشتريات المرأة يصاب بالقلق وفي بعض الأحيان بالجنون، لذلك وجدن أن إخفاء فواتيرهن والمبالغ التي يصرفنها على مشترياتهن هو الأفضل لهن، فماذا يقول الأزواج عن هذا التصرف، وهل من حق الزوج معرفة قيمة فاتورة الشراء؟
عيسي محمد البريكى ـ موظف علاقات عامة ـ يقول: ''زوجتي من النوع المصاب بحمى التسوق ولا ترتاح إلا حين تتسوق، فحب التسوق يجري في عروقها ودمها، لا تمل الذهاب إلى السوق بل تشعر بالسعادة والأمان حين تدخل لمحل وتخرج من محل آخر دون تعب أو كلل وملل''•
ويضيف بحرقة: ''أشعر أن زوجتي تتحسن حالتها وتكون في قمة الفرح حين تتسوق بينما أنا، أشعر أن ضغط دمي يرتفع وتتسارع نبضات قلبي وتتوتر أعصابي حين تشتري بمبالغ كبيرة ولا يهمها حتى لو وصلت الفاتورة إلى أربعة آلاف، المهم أن تشتري كل ما ترغب به، وكثيرا ما تحدث المشاكل بيني وبينها بسبب الفاتورة فليس من المعقول خلال التجول في السوق الذي قد يمتد من ساعة إلى ساعتين أن تنفق هذه الأموال في لمح البصر، فهذا إسراف وتبذير، ولكن كما يقول المثل ''لا حياة لمن تنادي'' بالفعل زوجتي مصابة بجنون الإسراف والتسوق''•
الإطلاع على الفاتورة
أما سيف المزروعي فيؤكد أن الإطلاع على الفواتير الشرائية أمر مهم للغاية، فقد تتمادى المرأة في مشترياتها وتحدث الكارثة، وبالنسبة لزوجتي حددت لها مبلغا من المال كل شهر لشراء كافة احتياجاتها ومستلزماتها، وفي حال زادت الفاتورة عن حدها فغالبا ما أحاول حرمانها من الحصول على المبلغ كاملا في الشهر القادم، مما يدفعها إلى الالتزام بهذا السقف المالي والمحافظة على المبلغ المتفق عليه بيننا، ولا تحاول أن تزيد من قيمة الفاتورة، وكثيراً ما أقرأ فاتورة الشراء واطلع على مشترياتها، وهذا في نظري من حقي أن أعرف ما أنفقت على شرائه''•
عصر المباهاة
أما سالم محمد ـ رب أسرة ـ فيقول: ''أنا من النوع الذي لا أضجر من مرافقة زوجتي إلى السوق، وكل ما يعجبها أشتريه لها وهذا لا يشكل لي عبئا ماديا، وكثيرا ما أحاول أن أختار لها الأشياء باهظة الثمن خاصة إذا نالت السلعة إعجابها ولديها الرغبة الشديدة لاقتنائها''•
ويؤكد: إن اطلاع الزوج على النفقات وعلى فاتورة الشراء أمر لا يعجبني بتاتا، فالمرأة تحب أن تظهر بأجمل حلة أمام زوجها أو صديقاتها، وبما أننا الآن نعيش في عصر المباهاة والتفاخر وبحاجة ماسة لمواكبة كل ما هو جديد في السوق، فلو حاول الزوج تقييد زوجته بهذه الصورة فحتما ستقع مشاكل كثيرة خاصة للزوج وهو في النهاية بغنى عنها''•
وحتى نكمل حكاية حمى الشراء عن المرأة والتوتر والانفعال عند الأزواج حاولنا أن نرى رأي مبارك العولقى (صاحب احد محلات المجوهرات والساعات) يقول: ''يستقبل المحل يوميا عددا كبيراً من النسوة اللاتي يأخذن أماكنهن في زوايا المحل لمشاهدة المعروضات من الساعات والمجوهرات الثمينة، وهناك إقبال منقطع النظير على هذه البضائع بالذات، فالمرأة تعشق المجوهرات والساعات بشكل جنوني''•
ويضيف: ''الأسواق بشكل أساسي موجهة للنساء أكثر من الرجال، و تعد متنفسا للمرأة في ممارسة عملية الشراء وإدخال السعادة إلى أنفسهن بعد شراء قطعة جميلة وجذابة''• ويؤكد مبارك: أن الكثير النساء يفضلن أن يأتين إلى المحل برفقة الصديقات وليس بصحبة الأزواج، بحجة أن الزوج يؤثر عليهن عند الرغبة في شراء سلع باهظة الثمن ويرفض ويبدد محاولات البائع إقناع المرأة بقيمة السلعة وجودتها ويفسد بالتالي علينا الربح المادي المتوقع من قبل الزبونة''•
ويضيف: ''الكثير من المحلات التي تبيع البضائع النسائية تفضل التعامل مع النساء أكثر من الرجال، فمسايرة النساء أسهل بكثير من الرجال، كما أنهن يملكن ذوقا رفيعا''•
رأي الاجتماع
يؤكد الكثير من علماء النفس والاجتماع أن ظاهرة حمى التسوق ليست جديدة على المرأة والرجل، وهي ليست قاصرة على المرأة بالذات كما يدعي البعض، بل أن هناك الكثير من الرجال يغرقون في تفاصيلها، ويوردون عدة أسباب تقف وراء هذه الظاهرة منها: الشعور بالنقص لدى البعض، الرغبة في شراء الأجمل والأغلى بصرف النظر عن الحاجة إليه وفائدته، كما أن بعض النساء يقمن بالشراء بدافع الانتقام من الزوج وذلك بتبديد أمواله، وتعبر حمى الشراء المبالغ فيها عن نقص الثقافة وضعف الوعي بقيمة المال، والمرأة حين تفعل ذلك يكون بدافع إشباع احتياجاتها النفسية والاجتماعية الكامنة بداخلها والتي تدفعها لتبديد ميزانيه الأسرة''•
لذلك يرى علماء الاجتماع أن الحل يكمن في أن تكون صناعة القرار الخاص بعملية الشراء مشتركاً بين الزوج وزوجته، وألا تنفرد المرأة وحدها بتلك العملية، وألا يغيب عنها أهمية الاقتصاد، وعليها أن تعرف أن الكثير من حالات التصدعات الأسرية كان سببها أنفاق الأموال ببذخ وإسراف''•
الاتحاد-الامارات
1-8-2005