تعتمد اقتصادات آسيا اليوم وإلى حد كبير على الاقتصاد الصيني الذي يعد واحداً من أنشط اقتصادات العالم وأسرعها نمواً، وبالتالي فإن قرار فك ربط عملة الصين بالدولار الأمريكي كان له تأثيره في اقتصادات آسيا التي أبدت ردات فعل متباينة لهذا القرار. فبداية وبعد ساعة واحدة من اعلان القرار تبعتها ماليزيا بإعلان فك ارتباط عملتها هي الأخرى بالدولار الأمريكي بعدما أبدت بدورها تردداً مطولاً في اتخاذ مثل هذه الخطوة، كما أبدت سنغافورة بدورها وفي اليوم التالي استعدادها لترك قيمة عملتها ترتفع مقابل الدولار الأمريكي.وقالت الحكومة اليابانية ان تأثير القرار وارتفاع قيمة اليوان ستكون له انعكاسات محدودة في قطاعات الأعمال اليابانية، وأكدت الشركات اليابانية استمرار خططها لتوسعة أنشطتها في الصين، وقال فوجي كزيروكس رئيس شركة "توشيو أريما" ان حجم التغير كان ضمن النطاق المتوقع، وأظهر استطلاع للرأي بين الشركات اليابانية أجرته وكالة "إيه. إف. اكس" الاخبارية ان نحو 72% من رجال الأعمال يزمعون زيادة أنشطة التسويق والانتاج في الصين، ولم يبد أحد من العينة التي شملها المسح رغبة في خفض حجم عملياته في الصين.
وأكد رئيس شركة "إن. ئي. سي" اليابانية ان الصين تعد سوق واعداً وأمامها مجال كبير للنمو، وقال انه ينوي توسعة أنشطة انتاج الهواتف المحمولة في الصين.
وكانت ردة فعل أسواق العملات الأولية مقبولة إذ ارتفعت أسعار العملات الآسيوية ضمن نطاق مقبول، وارتفعت قيمة الروبية الهندية بنحو 0،21% بعد اعلان تحرير اليوان من ارتباطه بالدولار الأمريكي، ويرى خبراء الاقتصاد في الهند ان القرار لن يؤثر سلباً في أداء الاقتصاد الهندي بل وربما يسهم كذلك في زيادة التنافسية التجارية لصادرات الدولة في الأسواق العالمية، وقال الخبير الاقتصادي "يوفي ريدي": "تعد التجارة عنصر الارتباط الأهم بين الاقتصادين الهندي والصيني، وهذا يعني ان ارتفاع قيمة العملة الصينية من شأنه أن يزيد تنافسية الصادرات الهندية عالمياً"، وأضاف ان بعض الشركات الهندية ستعاني بعض الشيء جراء تراجع هوامش الربحية مع الارتفاع المحدود من قيمة العملة.
وتحدثت صحيفة "ذي كوريا تايمز" عن ضرورة مبادرة كوريا الجنوبية لاتخاذ الخطوات اللازمة لضمان عدم تأثر النمو الاقتصادي للدولة بقرار تعويم اليوان. وقال المحللون ان كفة المخاوف من الانعكاسات السلبية في كوريا تطغى على المزايا والمنافع المتوقعة من وراء القرار إذ يرى الخبراء ان ارتفاع قيمة اليوان من شأنه ان يحد من النمو المتوقع لثالث أكبر اقتصاد في العالم مما سيحد بالتالي من الصادرات الكورية إلى الأسواق الصينية التي تعد ثاني أكبر سوق للصادرات الكورية.
وقال أندي جزي الخبير الاقتصادي ان ارتفاع قيمة الرينمنبي من شأنه أن يؤثر سلباً في الاقتصاد الكوري وعلى أسواق المال، أيضاً مشيراً إلى ان الأسواق سوف تعمل على استغلال الفرصة لدفع قيمة عملة كوريا الوون صعوداً مما سيحد من استفادة الصادرات من الارتفاع في قيمة العملة الصينية.
ومن جانبه، قال معهد الأبحاث الاقتصادية التابع لشركة سامسونج ان ارتفاع قيمة الوون مقابل الدولار الأمريكي سيؤدي إلى التأثير سلباً في انتاجية شركات التصدير الكورية.
لكن الهجمات الرسمية في الدولة مالت إلى الحد من المخاطر المتوقعة والتقليل من شأنها، فقال وزير المالية والاقتصاد الكوري هان داك سو ان القرار لن يؤثر كثيراً في اقتصاد كوريا الجنوبية، نظراً للتباين الكبير في طبيعة الاقتصادين، وأكد محافظ البنك المركزي لكوريا هذا الرأي بقوله: ان التغيير من قيمة اليوان لن يؤثر في الاقتصاد الكوري، أو أسواق المال على اعتبار ان النتائج الايجابية ستسهم في التعويض عن تلك السلبية.
وبعد دقائق من اعلان الصين تخليها عن ربط عملتها المحلية بالدولار الأمريكي سارع البنك المركزي الماليزي بدوره للاعلان عن فك ارتباط الرينجيت، عملة الدولة المحلية، بالعملة الأمريكية.
وقرر البنك ربط العملة بسلة من العملات الأجنبية تضم الدولار الأمريكي واليورو والين الياباني والدولار السنغافوري والاسترالي والكندي، وقال مانو باسكاران المحلل الاقتصادي لدى واحدة من أبرز شركات الاستشارات المالية الأمريكية في سنغافورة إن هذه الخطوة طال انتظارها وهي تعود بماليزيا إلى عام 1998 قبل أن يبدأ العمل بنظام ربط العملة بالدولار الأمريكي.
لكن السؤال هنا هو: لماذا تبعت ماليزيا المبادرة الصينية بهذه السرعة؟ بدأ الاقتصاد الماليزي مؤخراً يتعافى من انعكاسات الأزمة المالية الآسيوية عامي 1997 و،1998 ووصل نمو اجمالي الناتج المحلي للدولة في العام الماضي إلى 7% وساعد ذلك الدولة على التخلي وبشكل تدريجي عن السيطرة التي فرضتها على أسعار الصرف في أعقاب الانهيار الذي لحق بالباهت في تايلاند وبالعديد من العملات الآسيوية قبل 8 سنوات. بيد أن كوالالمبور أبدت تردداً في التخلي عن نظام ربط عملتها المحلية بالدولار الأمريكي خشية الانعكاسات المحتملة نتيجة السماح بارتفاع قيمة الرينجيت مقابل الدولار، خاصة في حال لم تبادر الصين إلى خطوة مماثلة، وقالت مجلة "بيزنس ويك" ان ماليزيا كانت تخشى انعكاسات ارتفاع قيمة عملتها المحلية على الصادرات وتنافسية منتجاتها في الأسواق العالمية مقارنة مع السلع الصينية منخفضة التكلفة.
وتتوقع المجلة ان تبادر دول أخرى في المنطقة إلى اتباع النهج نفسه، فعلى الرغم من أن ماليزيا كانت الدولة الوحيدة بعد الصين التي تربط عملتها بالدولار بين دول المنطقة، إلا ان البنوك المركزية لبقية الدول اعتادت على التدخل في أسواق الصرف بما يضمن الحفاظ على قيمة منخفضة لعملاتها.
ومن الملاحظ ان بقية العملات الآسيوية تجاوبت مع القرار وتحركت بتناسق مع اليوان والرينجيت، إذ قفزت قيمة الدولار السنغافوري بمعدل 3% بعد ساعة من اعلان الصين وماليزيا قرار التخلي عن ربط عملتيهما بالدولار الأمريكي، كما ارتفعت قيمة الباهت التايلاندي والروبية الاندونيسية والوون الكوري ودولار تايوان الجديد والروبية الهندية بمعدل يتراوح بين 0،8% و2،6%.
ومن جهتها، أعلنت السلطة النقدية بسنغافورة في اليوم التالي للقرارين انها تعتزم السماح بارتفاع قيمة الدولار السنغافوري. وقال خبراء الاقتصاد ان هذا القرار يعني السماح بارتفاع القيمة بمعدل يتراوح بين 3% و5%. وقال باسكاران ان هذه الخطوة برأيه لا تعدو ان تكون البداية، إذ يتوقع ان تشهد الأيام المقبلة ارتفاعاً تدريجياً بطيئاً في قيمة العملات الآسيوية يمتد على مدار الأشهر الستة أو السنة المقبلة.
ويرى البعض ان هذا القرار سيكون في مصلحة دول المنطقة التي ستستفيد من ارتفاع قيمة عملاتها على أساس ان هذا الارتفاع سيمكنها من احتواء الضغوطات التضخمية المغلقة وذلك من خلال خفض تكلفة الواردات المسعرة بالدولار وعلى رأسها النفط، ويرى مؤيدو هذا الرأي ان دول آسيا بهذه الطريقة لن تضطر إلى رفع معدلات الفائدة لاحتواء مخاطر التضخم، الخطوة التي يمكن ان تؤثر وبحدة في النمو الاقتصادي.
لكن ومن جهة أخرى، فللقرار انعكاساته السلبية بالنسبة لهذه الدول مع فقدان أحد أهم عناصر تنافسية صادراتها في الأسواق العالمية والمتمثل في انخفاض الأسعار الأمر الذي من شأنه تعريض العديد من الشركات المصدرة لمشاكل حقيقية قد تجر الاقتصاد نفسه إلى أزمة في حال واجهت خطر العجز عن السداد لتزيد بذلك أعباء الديون المعدومة على كاهل القطاع المصرفي.
ويتخوف البعض من أن تتعرض شركات عدة للافلاس أو تضطر للاستغناء عن العمالة الأمر الذي يمكن ان يعرض اقتصادات المنطقة لأزمة اجتماعية تضاف إلى مشاكلها الاقتصادية. إلا ان الأكثر تفاؤلاً يؤكدون ان هذه التبعات ستفضي في نهاية المطاف إلى واقع أفضل من خلال حفز الشركات على رفع الجودة وتحسين مزاياها التنافسية بحيث لا ترتكز على رخص التكلفة فقط. ويقول البعض ان انخفاض تكلفة الواردات من الممكن ان يلعب دوراً مهماً هنا خاصة وان العديد من الشركات والمصانع الآسيوية كانت تميل إلى ارجاء خطط التوسعة بسبب ارتفاع تكلفة الأجهزة المستوردة مثل مولدات الطاقة وأجهزة الاتصالات والمعدات الثقيلة.
الخليج-الامارات
2-8-2005