![]( /mmsource/images/2005/08/02/migrantjews.jpg)
بحجة الخوف من موجة اللاسامية في فرنسا، بدأ عدد كبير من يهودها في السنوات الأخيرة يتدفقون إلى إسرائيل لشراء عقارات سكنية والاستيطان فيها• وفي الانعكاسات الأولية لهذه الهجرة الاستيطانية فوران سوق العقارات الإسرائيلية، وبمعدلات قياسية لا سابق لها حتى الآن•
ولم يعد خافياً على أحد أن اليهود الفرنسيين بدأوا بتوظيف استثمارات ضخمة في إسرائيل خصوصاً منذ العامين أو الثلاثة أعوام الأخيرة، وفي غياب أي أرقام رسمية حول عدد هؤلاء اليهود الفرنسيين المهاجرين إلى إسرائيل، فإن عددهم يقدر بالآلاف هاجروا هرباً من موجة معاداة السامية المزعومة التي راجت أخيراً في فرنسا مستفيدين من قرار السلطات الفرنسية بتقديم المساعدات لهم في إقامتهم في ''أرض الميعاد''!
وقالت دنييالا بخايم، مديرة وكالة اليكس لوسكي الإسرائيلية العقارية: ''مفاجأة الأرقام المتقدمة التي حققها جان ماري لوبن خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مايو ،2002 أصابت يهود فرنسا بالذعر وكانت بداية هروبهم إلى إسرائيل الذين تهافتوا على شراء عقارات فيها لدى وصولهم كتهافت الناس على متاجر البقالة خلال أيام الحرب''!
وفي السياق نفسه، يقول رفاييل مرواني، مدير إحدى الوكالات العقارية في القدس إنه قد باع 38 شقة سكنية في يوم واحد في تلك الفترة وهذا رقم شبه خيالي في سوق العقارات•
الإقبال الكثيف من يهود فرنسا على شراء عقارات سكنية في إسرائيل لا يعني بالضرورة أنهم بصدد الاستيطان فيها، إذ أن منهم من يشتري منزلاً هنا ليكون منزلاً ثانياً يلجأ إليه إذا تفاقمت الأمور في فرنسا• على غرار المحامي كلود ايستيل الذي اشترى منزلاً ثانياً في ضاحية هرتزليا بتل أبيب ثم عاد إلى فرنسا، ويقول: ''سأستخدم هذا المنزل لقضاء الإجازات، ويكون جاهزاً للإقامة الدائمة في حال اضطررت للهجرة نهائياً من فرنسا''! ويقول المهاجر الفرنسي أودري: ''إسرائيل بلد غير آمن، لكن مع ذلك يبقى الاستثمار العقاري فيه مكسباً اقتصادياً وواجباً قومياً بالنسبة لأمثالنا من يهود الشتات''•
حيوية عقارية
وأنعشت حركة اليهود الفرنسيين أنعشت سوق العقارات الإسرائيلية الذي يعاني من أزمة ركود حادة منذ العام ،1997 ومما ساهم في ذلك إضافة إلى مسألة اللاسامية المزعومة، هو خفض أسعار العقارات السكنية في إسرائيلي، إضافة إلى استفادة الزبائن الفرنسيين من فارق سعر الصرف - البالغ حوالي 30 في المئة - بين ما يحملونه من يورو والدولار الذي تباع به العقارات في إسرائيل•
وعلى سبيل المثال، فالفرنسي يستطيع بمبلغ 150,000 يورو شراء ستديو من غرفة واحدة في باريس فيما يستطيع بالمبلغ نفسه شراء شقة من ثلاث غرف مطلة على الشاطئ في تل أبيب، أو شقة مساحتها 100 متر مربع ومطلة على البحر أيضاً في مستعمرة ''اشدود''•
هذه الحيوية العقارية لا وجود لها في فرنسا بسبب ارتفاع الأسعار وقلة العرض حسبما يحلل الخبير العقاري الإسرائيلي دان شواسكي الذي يدير ست وكالات عقارية، أربع منها في اشدود واثنتان في باريس•
ويقول ألبرت فراتي، مدير صحيفة عقارية صادرة في تل أبيب باللغة الفرنسية: ''إنه شيء شبه جنوني، الطلب يتجاوز العرض بعشرة أضعاف على الأقل، وفي مستوطنة ناتانيا مثلاً فإن جميع الشقق السكنية تباع وتنفد بمجرد البدء ببناء العمارات•
لكن إذا كانت ناتانيا تقارن لدى المحليين والأجانب بأنها ميامي إسرائيل، فالواقع كما يشير الخبراء أن معظم منشآت المدن الإسرائيلية الساحلية أصبحت كذلك الآن، من حيفا إلى ايلات إلى هرتزليا ومن تل أبيب إلى اشدود وعسقلان وغيرها•
وكلما اقترب موقع العمارة من الشاطئ ارتفع سعر شققها بنسبة قد تصل إلى 30 في المئة•
وفي القدس المحتلة يباع المنزل العربي المصادر بعد إخضاعه لعملية ترميم وإعادة تأهيل بحوالي ستة ملايين دولار، والشقق السكنية الساحلية في هرتزليا المطلة على البحر قد يتجاوز سعرها سعر شقق شاطئ الكوت دازور في فرنسا حسبما يؤكد تاجر العقارات جوسلان كوهين الذي باع مؤخراً شقة من خمس غرف في الطابق الأرضي بمبلغ 1,3 مليون دولار، وشقة أخرى مساحتها 1000 متر مربع بمبلغ 3,5 مليون دولار•
أما شقق الأربع غرف، البعيدة قليلاً عن الشواطئ، فيقول كوهين إن أسعارها قفزت خلال الستة أشهر الأخيرة فقط من 280 ألف دولار إلى 350 ألفاً•
وفي ما يبدو اتجاه نحو تحويل القدس وتل أبيب وغيرهما إلى نوع من ''مانهاتن إسرائيل'' بدأت تنتصب الآن ورش الأبراج المعمارية العالية والفخمة التي يؤكد صاحب برجين منها أن غالبية الزبائن الذين اشتروا منها على الخارطة حتى الآن هم من اليهود الفرنسيين، أما سعر المتر المربع الواحد في هذه الشقق السوبر فخمة فيتراوح بين 7,000 - 10,000 دولار، وبرغم ذلك فهناك من يشتري طابقاً بأكمله أي ما يتجاوز مساحة 800 متر مربع•
ويلفت كوهين إلى أنه ليس جميع من يشترون الشقق الباهظة الثمن هنا يفعلون ذلك للسكن فيها بل معظمهم للمتاجرة بها خصوصاً وأن أسعارها، حتى وهي قيد الانشاء، قد تضاعفت ثلاث مرات من البدء في بنائها عام 2004 إلى تاريخ جهوزيتها للتسليم عام •2007
وكما تقول تاجرة العقارات بات شيفا: الفرنسيون كالقرود يقلدون بعضهم، فما أن يشتري أحدهم شقة في إحدى العمارات حتى يتهافت أقاربه ومعارفه على الشراء فيها! وتستشهد على ذلك بعشرين عائلة من يهود فرنسا المتزوجين حديثاً، والمرتبطين في ما بينهم بعلاقات قربى أو صداقة، اشتروا في العمارة نفسها خلال الأربعة أشهر الماضية بسعر 30,000 دولار للشقة الواحدة من أربع غرف•
لا تقتصر هذه الطفرة العقارية في إسرائيل على المناطق الفخمة فقط بل إن عدواها طاولت الأحياء الشعبية أيضاً التي ارتفعت أسعار الوحدات السكنية فيها بحدود 25 في المئة خلال السنة الأخيرة حسبما يؤكد فريدي مسيكه صاحب وكالة ''اشدود إلى الأبد'' العقارية موضحاً أن 90 في المئة من زبائنه هم من المهاجرين اليهود الفرنسيين•
ولمواكبة حركة السوق المتنامية بمعدلات قياسية، تشهد مستوطنة ناتانيا ولادة أربع وكالات عقارية جديدة كل أسبوع• وحتى خليط السكان الاستيطاني بدأ يتغير جذرياً وكما يقول الإسرائيلي ألبرت فراتي: ''منذ 20 سنة كنا ثلاثة تجار عقارات نتكلم اللغة الفرنسية في القدس، أما الآن فالجميع تقريباً يتكلمونها والعبرية أصبحت كأنها لغة نادرة''!
غالبية المستثمرين هنا، في قطاع العقارات أو غيره، هم الآن من يهود فرنسا المهاجرين الذين لا يتوانى بعضهم عن الذهاب إلى باريس لاصطياد الزبائن مباشرة من هناك• هذا ''الزحف الاستيطاني'' أجبر التجار الإسرائيليين العاديين على استخدام موظفين في متاجرهم ممن يتقنون اللغة الفرنسية•
احتيال بالعبري
ويلفت فيليب كوسكاس، المحامي الإسرائيلي الذي يتقن اللغة الفرنسية، إلى مسألة بالغة الأهمية تتمثل في عمليات الاحتيال غير المباشرة التي يتعرض لها الفرنسيون ممن يشترون عقارات في إسرائيل فعقود البيع التي يوقّعونها مكتوبة باللغة العبرية التي لا يفهمون منها حرفاً واحداً مما يقوعهم تحت رحمة البنود التي لا تكون في مصلحتهم، يقول ''كوسكاس'': ''إذا كان الفرنسي في بكين فهو يرفض التوقيع على عقد مكتوب باللغة الصينية، فلماذا يقبلون التوقيع على عقد باللغة العبرية؟!
ويضيف: ''على اليهود الفرنسيين القادمين إلى إسرائيل أن يفعلوا ما يفعله الأميركيون في الولايات المتحدة: أي عدم التوقيع علي أي عقد بدون حضور محامي من جانبهم''•
ويستشهد كوسكاس على ذلك بأن المتر المربع في إسرائيل يختلف عن المتر المربع في فرنسا، والكثيرون من الفرنسيين الذين يشترون شقة سكنية في إسرائيل مساحتها 110 أمتار يجدون بعد أن يقيسونها بأن مساحتها لا تتجاوز 85 متراً!
الاتحاد-الامارات
2-8-2005