<%@ Language=JavaScript %> china radio international

حول إذاعة الصين الدولية

تعريف بالقسم العربي

إتصل بنا
نشرة جوية
مواعيد الطائرات
الأخبار الصينية
الأخبار الدولية
v الاقتصاد والتجارة
v العلم والصحة
v عالم الرياضة
v من الصحافة العربية
v تبادلات صينية عربية

جوائز للمستمعين

السياحة في الصين

عالم المسلمين

المنوعات

صالون الموسيقى

التراث الصيني العالمي
GMT+08:00 || 2005-08-03 15:49:13
الغياب المأساوي لجون قرنق وأثره علي سلام ووحدة السودان

cri

كتب: هانيء رسلان

جاء الغياب المفاجئ للدكتور جون قرنق زعيم الجنوب والنائب الأول لرئيس السودان ليضيف أزمة جديدة إلي أزمات السودان العديدة ويمنحها بعدا مأسويا‏.‏ فبرحيل قرنق الذي لازال يحوطه بعض الغموض إثر تحطم الهيلوكوبتر التي كان يستقلها فقد السودان قائدا قويا وزعيما كارزميا كان يؤكد طول الوقت حرصه علي وحدة السودان وكان يمثل صمام أمان حقيقيا للسلام وللوحدة‏.‏

لقد كانت القيادة التاريخية والحضور الطاغي لجون قرنق بمثابة الأمل للجنوبيين في تجاوز خلافاتهم وانقساماتهم القبلية والسياسية ومواجهة التحديات الماثلة في سبيل بناء جنوب مستقر ومتناغم في سعيه نحو التنمية والتقدم‏.‏ وبالتالي فإن غياب قرنق في هذا التوقيت المهم والبالغ الحساسية بالنسبة لمستقبل السودان يثير الكثير من القلق والمخاوف بشأن القدرة علي تطبيق اتفاق السلام الذي لم يكن اتفاقا لوقف الحرب فقط بل كان يضع أسسا جديدة لهيكلية السلطة والثروة في جنوب السودان نفسه وفي علاقة الجنوب بالشمال ويضع كذلك أسسا جديدة للعلاقات علي المستوي القومي الذي يشمل السودان كله بشرقه وغربه ووسطه‏.‏ ومن ثم فإن هناك الكثير من التعقيدات والأزمات المتوقعة أثناء التطبيق والتي كانت تحتاج إلي قيادة قوية ذات بصيرة وعزم للتغلب علي هذه المصاعب‏.‏

لقد كان رد الفعل الأولي لهذا الحادث الجلل علي المستوي الرسمي سواء لدي الحكومة السودانية أو قيادات الحركة الشعبية‏-‏ يتسم بالعقلانية والهدوء ومحاولة احتواء التداعيات السلبية إلا أن أحداث الشغب التي اندلعت في الخرطوم فور التأكد من مقتل قرنق توضح الخطورة التي يتسم بها الموقف ليس علي مستقبل اتفاق السلام فقط وإنما علي استقرار العاصمة السودانية نفسها التي يوجد بها أكثر من مليوني جنوبي من النازحين نتيجة الحرب الأهلية في فيما يعرف باسم‏'‏ الحزام الأسود‏'‏ حيث يقيم هؤلاء في أحياء وتجمعات فقيرة تحيط بالعاصمة‏.‏ وحتي كتابة هذه السطور لم يكن معروفا سبب أحداث الشغب تلك‏.‏ هل تعود إلي فورة عاطفية نتيجة الإحساس باليأس وفقدان الأمل أم بسبب وجود إشاعات أو شكوك حول حادث تحطم الطائرة وأنه لم يكن قضاء وقدرا‏.‏

في هذا الإطار يمكن القول أن مقتل قرنق يثير الكثير من القضايا والتساؤلات العاجلة والمستقبلية في آن واحد‏.‏ ونشير فيما يلي إلي أبرز تلك القضايا‏:‏

‏1-‏ فيما يتعلق بحادث الطائرة وما إذا كانت هناك مؤامرة أو تدخل ما فإن المعلومات المتوافرة حتي الآن توضح أن الحكومة السودانية علي الأقل ليست ضالعة في هذا الشأن فالطائرة التي استقلها قرنق هي الطائرة الخاصة بالرئيس الأوغندي يوري موسيفيني ويقودها طاقم أوغندي كما أنها سقطت علي الحدود بين أوغندا وجنوب السودان أي أنها كانت بعيدة عن متناول الحكومة السودانية‏.‏ والأهم من ذلك أن الحكومة ليست صاحبة مصلحة في غياب قرنق الآن بل إنها أحد أكبر الخاسرين إذ أنها ستواجه مصاعب إضافية نتيجة غياب قيادة قرنق القادرة علي السيطرة علي الخلافات والانشقاقات في الجنوب وعلي حسن إدراة الشراكة مع الشمال‏.‏

‏2-‏ إن القول بأن أوغندا ربما تكون طرفا في مثل هذا العمل يبدو مستبعدا أيضا بسبب التعاون الوثيق بين جون قرنق ويوري موسيفيني وكان قرنق قد أعلن قبل فترة وجيزة أن أحد أهم القضايا العاجلة أمامه هي طرد قوات جيش الرب الأوغندي المتمرد من جنوب السودان وهذا الأمر يتماهي مع مصالح موسيفيني ولا يقف ضدها‏.‏

‏3-‏ هناك بعض التحليلات التي أشارت إلي أن قرنق كان رجل مرحلة معينة وكان المطلوب منه توقيع اتفاق السلام وأنه قد جاء الوقت لكي يرحل‏.‏ وهذا التحليل يشير إلي أيدي أجنبية‏(‏ غربية بالأساس‏)‏ لكن ذلك يفتقد إلي المنطق أيضا فجون قرنق كان زعيما براجماتيا ولم يكن متصلبا حتي يضطر الآخرون إلي إقصائه بهذا الشكل العنيف بل كان يتسم بالمرونة والقدرة علي التكيف مع الضغوط واستيعابها والتعامل معها‏.‏ كما يشهد بذلك تاريخه كله منذ انطلاقه في عام‏1983.‏

‏4-‏ وعلي ذلك فإن هذا الحادث يبدو حتي الآن‏-‏ قضاء وقدرا خاصة وأن‏'‏ نيال دينق‏'‏ أبرز قادة الحركة في الخرطوم قد أكد ذلك في بيانه باجتماع مجلس الوزراء السوداني صباح أمس‏-‏ علي الهواء مباشرة‏.‏

‏5-‏ إذن ما هي أهم القضايا العاجلة الآن

‏-‏ أن تستطيع الحركة الشعبية اختيار قيادة جديدة يكون بمقدورها السيطرة علي مختلف الأجنحة ومواجهة الانقسامات التي سوف تبرز علي السطح‏.‏ والمرشح الأول هو القائد‏'‏ سلفاكير ميارديت‏'‏ نائب قرنق إذ أنه كان رئيس أركان جيش الحركة كما ينتمي إلي قبيلة الدينكا نفسها التي انحدر منها قرنق وإن كان‏'‏ سلفاكير‏'‏ المعروف بميله إلي الصمت لا يملك المهارات السياسية والكاريزما التي انفرد بها قرنق‏.‏

-‏ القضية الأخري هي وحدة الصف الجنوبي التي كانت مثار خلاف إبان حياة قرنق نفسه فقوة دفاع جنوب السودان التي كانت تناوئ الحركة الشعبية في الماضي لازالت ذات حضور وقدرة عسكرية‏.‏ وتستند الخلافات بين الطرفين علي أسس قبلية وسياسية وأبعاد اقتصادية وليس من السهل الآن احتواؤها حيث أصبحت المهمة الآن أكثر صعوبة‏.‏

-‏ إن غياب قرنق سوف يؤثر بلا شك علي مستقبل قضية إبيي التي أصبحت أول اختبار حقيقي لاتفاق السلام فالحدود التي أعلنها‏'‏ تقرير مفوضية إبيي‏'‏ تم رفضها بشكل مطلق من قبائل المسيرية العربية القاطنة في المنطقة حيث أن المفوضية منحت الجنوبيين أراضي لم يكونوا يطالبون بها من الأصل إلا أن الحركة الشعبية أعلنت تمسكها بقرار المفوضية وقيادة قرنق القوية وحدها هي التي كان بإمكانها معالجة هذا الوضع الحرج وتقويم الاعوجاج في تقرير المفوضية والأمر لا يتوقف علي قضية إبيي وحدها فهي مجرد مثال للمصاعب والتحديات التي ستواجه تطبيق الاتفاق‏.‏

وهكذا فإن الوضع الجديد المترتب علي غياب قرنق سيتطلب الكثير من الجهود والتنسيق والتمسك بالمصالح الوطنية العليا للسودان لتعويض هذا الغياب الفادح وسد هذه الثغرة‏.‏ وهذا ما نأمله للأخوة والأشقاء في شمال السودان وجنوبه علي حد سواء‏.‏

الاهرام-مصر

3-8-2005