رسالة أديس أبابا: محمود النوبي
أين الحقيقة في مسألة إصلاح الأمم المتحدة وتوسيع مجلس الأمن الدولي؟ وماهي حقيقة الصفقة التي عقدتها رئاسة الاتحاد الإفريقي مع الدول الاربع الطامحة للعضوية في مجلس الأمن؟ ومن هو المنافس الأقوي لمصر في هذا السباق الدولي الكبير.. هل هي مصر نفسها أم دول أخري تتذرع بالانتماء الأفريقي ـ الأفريقي؟ ولماذا يحاول البعض الربط بين مقعد مجلس الأمن وصفر المونديال رغم الفارق الكبير في الشبه والتشيبة.
وكيف تصدت مصر لمحاولات تغييبها في ظل قاعدة افريقية ـ عربية رخوة بين موقف الجزائر الرافض لحصول ـ مصر ـ علي مقعد دائم ـ وبين موقف ليبي متناقض يطلب في احيان كثيرة إلغاء مجلس الأمن نفسه؟
لم تكن أجواء القمة الطارئة في أديس أبابا يوم الخميس الماضي ـ أقل سخونة مما أحاط بها من تحديات تواجه مصير وحدة الاتحاد الإفريقي وقراراته بشأن العضوية الدائمة في مجلس الأمن عند توسعته, فقد أيدت الدول الأربع الطامحة للعضوية في المجلس هي: البرازيل, والهند, وألمانيا, واليابان اهتماما غير مسبوق بما سيتوصل إليه القادة الإفارقة من قرار يحدد سباق الفوز بالمقاعد الدائمة في مجلس الأمن ـ ذلك أن القرار الذي خرج عن القمة أصاب سفراء هذه الدول ومندوبيها بالصدمة والذي أكد تمسك الدول الإفريقية بقرارات قمة سرت الذي يتضمن ما ورد في توافق إيزلويني حيث تم اعتماده في سوزيلاند في22 فبراير2005 الذي ينص علي مقعدين دائمين يتمتعان بحق النقض بدون تناوب وخمسة مقاعد غير دائمة. وبعد هذا الإعلان بـ24 ساعة ارسلت السفارة النيجيرية في بكين مذكرة رسمية للخارجية الصينية تطلب فيها من الصين تأييدها في الحصول علي مقعد دائم الخاص بإفريقيا مقابل التنازل عن حق النقض, قام الوزير أحمد أبوالغيط بفضح هذا المسعي النيجيري في قمة سرت الأخيرة باعتبار أن نيجيريا هي رئيس الاتحاد الإفريقي المكلف بالترويج للموقف الإفريقي, وعندما انكر الوزير النيجيري تمت مواجهته بصورة المذكرة فلاذ بالصمت. وحدثت معركة ساخنة ـ أكد خلالها أبوالغيط عدم ثقته في الموقف النيجيري, وتم توزيع الورقة النيجيرية علي جميع الحاضرين, بعد ذلك تم الاتفاق علي الموقف الآفريقي الموحد, بحيث يشمل جميع عناصر الاصلاح للأمم المتحدة( المجلس الاقتصادي والاجتماعي, والجمعية العامة, وحقوق الإنسان) وشكلت لجنة للترويج لهذا الموقف وتوالت الاجتماعات فيما بعد لمراجعة ما تم بشأن الترويج للموقف الافريقي دون أن تقدم الرئاسة النيجيرية للاتحاد جديدا تحت زعم أن مسألة حق النقض صعبة وأن الأمر يحتاج إلي بعض المرونة, وسعت نيجيريا خلال قمة سرت إلي تسمية الدولتين من إفريقيا لكل من جنوب إفريقيا ونيجيريا كمرشحتين للقارة لمجلس الأمن, وبالتالي إذا ما حدث تصويت فإن مصر ستخسر بكل تأكيد بسبب اهمال إفريقيا لمدة15 عاما الماضية ـ فإذا ما حصلت نيجيريا علي التسمية, وهو ما كانت تأمل فيه ـ فماذا سيكون الوضع لمصر, فهل سترشح نفسها.
وإذا لم تتقدم للترشيح فإن ذلك معناه الاعتراف بأنها دولة ليس لها وزن في المنطقة, وكيف سيكون عليه الوضع في الجمعية العامة, في الوقت الذي ستعلن فيه نيجيريا انها حصلت علي تأييد إفريقيا.
يكشف الوزير أحمد أبوالغيط قائلا: لا يمكن لأحد أن يتخيل حجم الاتصالات والرسائل التي تمت وعدد المبعوثين الذين ذهبوا إلي العديد من الدول الإفريقية مؤكدا أن حضور الرئيس حسني مبارك قمة سرت قلب موازين نيجيريا وارتبكت جميع حساباتها باعتبار أن التسمية أضحت صعبة بل مستحيلة في حضور الرئيس مبارك.
يعبر مصدر مطلع عن دهشته مما يردده البعض دون فهم للحقائق وتشبيه معركة مجلس الأمن وكأنها مباراة كرة قدم لا تقدم ولا تؤخر, والقول إن صفر المونديال في انتظارنا.. لافتا إلي أهمية الفارق بين الاثنين.. فهنا يجري الحديث عن مصير دولة وأمة لها تاريخ عريق وثقل إقليمي ودولي لا جدال فيه. مشددا علي أن دخول مصر مجلس الأمن في حال توسعته بمثابة حياة أو موت, فإذا لم تدخل مصر المجلس سيكون ذلك النهاية, وهذا لا يمكن أن يحدث بأي حال من الأحوال, وقد تعامل البعض مع هذه القضية بقدر من التبسيط المخل.
لقد نجحت مصر في وقف فكرة التسمية ـ خلال قمة سرت حيث تصدت مصر لفكرة التسمية باعتبار أنه لم يحدث ترويج لإفريقيا, ثم علي ماذا نسمي, وإفريقيا لم تحصل أساسا علي المقعدين, كما لم تصوت الجمعية العامة علي ذلك, ثم أين هي المعايير للاختيار, وحدثت خناقة كبيرة بين الوفدين المصري والنيجيري ومساجلات شديدة اللهجة لأن الجانب النيجيري يدرك جيدا أن كسر الشمال الإفريقي بتكسير العظمة الكبيرة مصر وبالتالي لن يستطيع أحد الكلام. علي الجانب الآخر كانت السنغال تراهن علي أن صراع الأفيال بين مصر وجنوب إفريقيا ونيجيريا مصيره الفشل ومن ثم تختارها الجمعية العامة. أما المنطق المصري فقد كان يستند إلي أن هناك موقفا إفريقيا واحدا وليست هناك دولة تتحرك بمفردها ومن يخالف ذلك, فإن هذا يعني وفاة الموقف الإفريقي.
إن ما يدعو للاستغراب عدم وجود قاعدة عربية حيث كان الهدف الجزائري والليبي ألا تدخل مصر مجلس الأمن وبصفة خاصة الجزائر التي ظلت علي الخط المخالف تماما ـ في الوقت الذي أيدت فيه دول صغيرة مثل جيبوتي وعمان مسعي مصر باعتبارها الدولة الأكبر والأحق لأسباب عديدة.
يكشف المراقبون عن أنهم فوجئوا خلال اجتماع في السفارة الهندية بمشروع بيان يقول صراحة ان افريقيا وافقت علي التخلي عن حق النقض وعن المقعد الخامس ـ مؤكدين أن مصر رفضت هذا البيان رفضا باتا. وفي20 يوليو الماضي قام الرئيس النيجيري أوباسانجو بإرسال رسائل إلي الرؤساء الأفارقة ومن بينهم الرئيس مبارك قال فيها: ان المطالب الإفريقية غير قابلة للتحقيق وغير واقعية. وأنه يقترح ابداء مرونة في موضوع حق النقض وفي المقعد الخامس وطلب الرد عليه خلال يومين وإلا يعتبر عدم الرد موافقة, وردت مصر بعدم الموافقة وحاولت الرئاسة النيجيرية في اجتماع لندن يوم25 يوليو تطويع الموقف الإفريقي بادعاء أن الدول الإفريقية كلها تؤيد اقتراح الرئيس أوباسانجو ـ إلا أن الوفد المصري رفض التنازل عن الموقف الإفريقي, وطلب الرجوع إلي القمة الإفريقية, مشيرا إلي أن اجتماع أديس أبابا تضمن جدول أعماله بندا واحدا هو بحث الاتفاق الذي تم التوصل إليه في لندن بمعرفة الرئاسة النيجيرية والذي يتخلي عن الموقف الإفريقي المتفق عليه في سرت, وقام الرئيس مبارك بارسال رسائل لجميع الرؤساء الأفارقة شدد فيها علي ضرورة الالتزام بقرارات سرت, وأن الأهم من قرارات سرت هو مصداقية القمة الإفريقية فلا يصح أن يتخذ قرار يوم5 يوليو ويلغي يوم30 يوليو كما أجري أبوالغيط اتصالات مكثفة مع نظرائه الأفارقة قبيل القمة الطارئة في أديس أبابا, حيث كانت مهمة الوفد المصري اثبات عدم حدوث اتفاق في لندن مع مجموعة الأربع الطامحة لمجلس الأمن البرازيل, الهند, المانيا, اليابان, وتأكيد أن قرارات قمة سرت الترويج للموقف الإفريقي والتفاوض مع المجموعات الدولية لتحقيق المطالب الإفريقية.
يؤكد دبلوماسيون شاركوا في قمة أديس أبابا أن هذه القمة كانت بمثابة يوم العقاب لنيجيريا التي مضي علي رئاستها للاتحاد الافريقي عام كامل وتصرفت كما لو كانت رئيسا للقارة الإفريقية, وفند وزير الخارجية أحمد أبوالغيط تقرير وزير خارجية نيجيريا رئيس الآلية لافتا إلي أن هذا التقرير تقرير وزير الخارجية وليس تقرير الآلية, وأن كل ما ورد فيه أخطاء في اخطاء, وأكدت19 دولة إفريقية كذب هذا التقرير, كما رصد الوفد المصري ما يوضح أن الخط الإفريقي في تراجع منذ اعلان ايزلويني لدرجة أن رئيس الاتحاد ليس أمينا علي الموقف الإفريقي بعد أن تنازل عن حقوق مقابل لا شيء, ومحاولا الايحاء بأنه حصل علي انجاز كبير.
وفي ضوء ذلك اقترح الرئيس موجابي تشكيل لجنة علي مستوي الرؤساء للترويج للموقف الإفريقي وتتفاوض واذا فشلت تقدم اقتراحات, إلا أن الوفد المصري أكد أنه لا تفاوض ولكن المهمة الوحيدة للجنة تكون الترويج للموقف الإفريقي وفي حالة الفشل تعود للقمة, ولم تنضم نيجيريا ولا جنوب إفريقيا للجنة وتم تعيين رئيس سيراليون رئيسا للجنة.
ويؤكد المراقبون أن مصر تمكنت خلال قمة أديس أبابا من احباط المخططات النيجيرية, وعدم تقديم افريقيا للدول الطامحة علي طبق من فضة ـ كما كانت تأمل ـ الأمر الذي جعل الألمان واليابانيين في موقف لا يحسدون عليه, باعتبار أن الوضع سيظل معلقا إلي سبتمبر المقبل..موعد إنعقاد الجمعية العامة. ويشدد الوزير أحمد أبوالغيط علي أن مصر هي المنافس الأقوي للحصول علي مقعد دائم في مجلس الأمن علي خلفية معايير كثيرة لا تخفي علي أحد, بينما أبدي كثير من المراقبين استغرابهم من موقف الجزائر وليبيا ـ رغم تأييدهما للموقف المصري في قمة أديس أبابا ـ من رفضها حصول مصر علي المقعد الدائم.. وهو تساؤل سيظل بلا إجابة إلي حين. مؤكدين أن مصر متمسكة بمقعدها في مجلس الأمن مهما كلفها الأمر, وفي الوقت نفسه فهي لا تمانع في حصول الدول الطامحة علي العضوية لكن ليس علي حساب مصلحة مصر الوطنية.*
الاهرام-مصر
9-8-2005