اندماج الزراعة مع الرقمنة و البيانات الكبيرة يغير حياة القرويين في الصين

لطفي مقدم 

مراسل شبكة تلفزيون الصين الدولية

عاشت مدينة تشاويوان بمقاطعة شاندونغ على واقع احتفالات خاصة ب "مهرجان الحصاد للقرويين الصينيين"، وتعتبر المدينة كمنطقة شهدت تطورًا مبكرًا في التصنيع الزراعي المحلي، والتي تتمتع بمزايا بارزة في توحيد الإنتاج الزراعي وتوسيع النطاق الصناعي وتطوير العلامة التجارية المتكاملة العالية الجودة. تزخر يانتاي (مدينة متواجدة على مستوى محافظة تضم مدينة تشاويوان) ب 17 مؤسسة رائدة في التصنيع الزراعي على المستوى الوطني وب 15 مؤسسة زراعية مدرجة. تتجاوز قيمة الإنتاج السنوي للقطاع الزراعي في هذه المنطقة 180 مليار يوان، ويحقق و يقدر التصدير السنوي للمنتجات الزراعية بأكثر من 3 مليارات دولارا أمريكيا. و على رأس قائمة هذه المنتوجات التفاح و العنب والكرز الكبير والكمثرى والشعيرية لونغ كو وغيرها من المنتجات الزراعية و الغذائية المعروفة في الصين.

من بين العديد من المنتجات الزراعية، يعتبر " التفاح" هو الأبرز. وتتمتع المنطقة بتاريخ من زراعة التفاح لأكثر من 150 عامًا، وتتجاوز قيمة علامتها التجارية 15 مليار يوان. في السنوات الثلاث الماضية، قامت المدينة بتجديد أكثر من 1.32 مليون مو من البساتين القديمة، وبنت أكثر من 300 بستان تجريبي قياسي، و15 بستانًا كبيرًا حديثًا تزيد مساحتها عن 500 مو (مو واحد يساوي نحو 0.067 هكتار)، ويعمل القطاع الزراعي على الانتقال من "التوسع الكلي" إلى "تحسين الجودة والكفاءة".

الزراعة كأساس:

تعتبر مقاطعة شاندونغ ب"علية الصين"، فهي معروفة بمحاصيلها المتنوعة و الوفيرة وتضاعف هذا خاصة بعد السياسات الإنمائية التي دفعت بهذا القطاع الحيوي للتطور والازدهار، و هذا يعود الى سواعد القرويين والفلاحيين الذين استطاعوا ترويض هذه الأرض لتمدهم بوفرة كبيرة ألذ الثمار وأشهاها. لقد برز تحول نوعي على تقنيات الزارعة و أساليب التسيير، من أجل خلق بيئة متكاملة بين الزراعة، الصناعة و التسويق الشيء الذي غير بصورة واضحة حياة القرويين و الفلاحيين.

يصل عدد قطيني مدينة تشاويوان 543127 نسمة، وتبلغ مساحتها الإجمالية 1432.32 كيلومترًا مربعًا وفي 2020 وصل الناتج المحلي الإجمالي لها الى 69.756 مليار يوان.  وتجاوزت ايرادات صناعة المنتجات الزراعية فيها عشرين مليار يوان في عام 2021، وخلال الفترة الأخيرة وصلت صادرات هذه الصناعة إلى 379 مليون دولار امريكي. فلقد استطاعة مدينة تشاويوان أن تصبح علامة فارقة في القواعد الزراعية على المستوى المحلي والوطني حيث أصبحت واحدة من أشهر المناطق المنتجة للعنب الذي يسوق إلى كل المناطق في الصين وحتى إلى الخارج من خلال قاعدة لوجستية قوية ومدفوعة بالتجارة الإلكترونية. إن الظروف المعيشية للفلاحين تحسنت كثيرا على مستويات عديدة، فارتفاع المنتوج الزراعي وتحسن جودته، و توسع الأرضي المغروسة و ضم أراضي جديدة لزراعة الكرم و التفاح ساعد القرويين على التخلص من الفقر. لقد سمح هذا التطور على خلق مجال اقتصادي أخر يتمثل في السياحة الريفية التي أصبحت لديها الكثير من الجمهور في داخل الصين و مع التطور الكبير لمستوى الحياة في الأرياف الصينية أصبحت هذه الأخيرة نقطة جذابة في مجال السياحة الداخلية الصديقة للبيئة. اليوم توفر مدينة تشاويوان للزوار فضاءا جميلا و متناغما وسط حقول العنب والتفاح لقضاء عطلة نهاية الأسبوع وسط البساط الأخضر و مزارع الكرم و التفاح بعيدا عن المدن الحديثة و المزدحمة.

يستفيد الفلاحون على المستوى القاعدي في الصين من دعم بلا حدود من الحكومة المركزية أو الحكومات فالتمويل عادة ما يكون تمويل عمومي أوتمويل خاص و هذا لأهمية قطاع الزراعة في الصين و الذي يعد قطاع حيوي يحسب له ألف حساب لاتصاله المباشر بالأمن الغذائي وبالسيادة الوطنية، فالتاريخ الصيني و الذي يمتد لأكثر من خمسة ألف سنة يؤكد لنا على هذه العلاقة الفريدة التي تربط الحضارة الصينية بالزراعة و الأرض.

التكنولوجيا و التطور الصناعي في المجال الزراعي و الغذائي:

عندما يحين موسم الحصاد، في مدينة تشاويوان، ينشغل المزارعون بالحصاد وتجفيف المحاصيل الزراعية، ما ينشر بهجة الحصاد في كل مكان. وتقترن شهرة تشاويوان في الصين بإنتاج الذهب، لكنها أيضا مدينة زراعية تهتم بتطوير الزراعة والأرياف. عانت المدينة في الفترة الماضية من ظاهرة الهجرة التي خصت شباب المنطقة بسبب كونها مدينة زراعية لا تتناسب مع تطلعاتهم الشخصية خاصة ألوائك الذين دارسوا في المدن الكبيرة في الصين. أما اليوم وبالاعتماد على العلم والتكنولوجيا، شهدت المنطقة ثورة صناعية و تطور للصناعة الغذائية و أفرزت هذه الخطوة عن إظهار الطاقة الكامنة التي يزخر بها الاقتصاد المحلي من فرص جديدة كما غيرت من مستوى التنمية المحلية والمستوى المعيشي للمواطنين. هذا التوجه جعل العديد من الشباب يعودون إلى مسقط راسهم من اجل المساهمة في نهوضها اقتصاديا واجتماعيا و هذا ما أصبح رافعة جديدة للمدينة من الازدهار و التطور.

ومن بين شباب المدينة الذين عادوا لمسقط راسهم من اجل مواصلة العمل و تحقيق النجاح و الازدهار السيدة: وانغ لي التي تخرجت من الجامعة اليابانية سنة 2012 و اشتغلت في مدينة تيانجين الى غاية سنة 2018، حين قررت العودة إلى بلدتها من أجل تحمل مسؤولية قيادة الشركة العائلية التي تعمل بشكل رئيسي في الأغذية المعلبة وهريس الفاكهة وهريس الخضروات والفواكه وعصيرها والخضروات والتي تبلغ طاقتها الإنتاجية سنويا 70000 طن من الفواكه المختلفة.

 فاليوم وباستعمال المحاصيل المحلية تواصل الشركة تطوير أساليب الإنتاج والدمج، و قالت السيدة وانغ لي "إن معظم المواد الخام   التي تدخل في صناعة العصير تأتي من تشاويوان، ما يعادل حوالي 60 ألف طن سنويا" و في نفس الوقت أكدت على حد قولها "أن شركتها تتعامل مع حوالي 3500 مزارع من تشاويوان". وفقًا لإجراءات تشغيل صارمة، وعملية إنتاج تتوافق تمامًا مع إجراءات ISO9001 و HACCP.  وتقوم الشركة بتنفيذ نموذج عمل "شركة + قاعدة + مزارعين" لتطوير قواعد المواد الخام حيث تطبق معايير موحدة وإدارة موحدة وسقي موحد وتسميد موحد وانتقاء كيس موحد وشراء موحد من المزارعين. كل هذا من اجل جعل الصناعة الزراعية تستفيد من أحدث أساليب الإنتاج والتسيير.

تعد تشاويوان مصدر ومنطقة الإنتاج الرئيسية لشعرية لونغكو، ما دفع بها اليوم لتطوير صناعة هذه الشعرية التقليدية وتكييفها مع الصناعة الغذائية في القديم وحسب السيد كو الذي يعتبر وريث ثقافي لا مادي في الصين لصناعة شعرية لونغكو. وصفة الشعرية تقتصر على بذور الفاصوليا الجافة و التي يتم تحويلها فيما بعد لشعرية بعد العديد من المراحل التي كانت متعبة. فصعوبة إنتاجها يحد من انتشارها في السوق ويحرم عدد كبير من الموائد الصينية بالتمتع بها.

في الوقت الحاضر، شيدت في مدينة تشاويوان عددا من التجمعات الصناعية في مجالات مثل إنتاج الشعرية عبر تنمية الاندماج الصناعي، وتسعى تشاويوان إلى بناء المدينة لتصبح نموذجا للنهوض الريفي بقيادة التكنولوجيا في مقاطعة شاندونغ. في شركة رائدة في مجال الصناعة الغذائية لهذا النوع من الشعرية في تشاويوان، رأينا أن المصنع حقق التشغيل الآلي والذكي لكل خطوط إنتاجه، ما دعم سياسته التسويقية وأكدت نائبة المدير العام للشركة السيدة يانغ تشيان تشيان أن مجموعة من منتجات الشركة تصدر إلى جميع أنحاء العالم، وأنه اليوم "أصبح بفضل التكنولوجيا الحديثة و الإدارة الالية الكلية للمصنع من الممكن إنتاج 10 أنواع من المواد الغذائية باستعمال مادة أولية واحدة على خط واحد من الإنتاج".

إن الصناعة الزراعية والغذائية تستفيد اليوم من التطور المتعدد الابعاد الذي يطرأ على مدينة تشاويوان من أجل أن تستخلص منه نقاط قوة تساهم في تطويرها وتطوير القرويين.

الزراعة تستعين بالتجارة الإلكترونية و البيانات الكبيرة من أجل تحسين أدائها:

في خضم الإصلاح الهيكلي للاقتصاد الصيني من جانب العرض، استفاد قطاع الفلاحة في الصين من التطور الذي عرفه الاقتصاد الصيني خاصة ذلك المتعلق بالتجارة و بالأحرى بالتجارة الالكترونية و منصات البيع على المباشر. لا يخفى على أحد أن الصين عملت في الماضي على التخلص النهائي من الفقر على أراضيها و كان ذلك بفضل السياسات التي كانت تعالج الظاهرة على جميع المستويات و في جميع المناطق خاصة الريفية منها.

لقد استفاد القرويون و الفلاحون من الإمكانيات الغير المحدودة التي وفرها لهم الانترنت و شبكة الجيل الخامس، المدفوعتين بالذكاء الاصطناعي. فاليوم أصبح الفلاح الصيني في القواعد الزراعية على المستوى المحلي مثل تشاويوان في تواصل مع الزبون النهائي في كل أرجاء الصين و حتى خارجها، فعندما تتجول بالقرب من الحدائق الزراعية ترى الهياكل القاعدية للعديد من شركات التوصيل السريع و الشركات اللوجستية التي شيدت فروع لها على أراضي مجاورة للمناطق المزروعة من أجل تسهيل وتسريع عملية التوصيل، بعد أن كان القرويون يعانون من مشاكل النقل و التسويق وكثرة الوسطاء.

من بين النماذج الحية لهذا التحول قرية داهوتشنجيا التي استفادت خلال السبع سنوات الأخيرة من هذه الديناميكية الإيجابية والتي غيرت وجه القرية. ليو شيوي فنغ واحدة من المقاولين الذين قاموا برفع التحدي. ففي البداية، قامت باستغلال 12 موا، ثم طورتها إلى 18 موا، الآن تجاوزت مساحة مزرعتها 30 موا. وقالت ليو شيوي "أعتقد أن الدخل جيد، كما اجتذبت القرية شركات استثمار لتطوير الزراعة، مما يساعد على زيادة دخل القرويين، وبناء قرية داهوتشنجيا لتصبح نموذجا للنهوض الريفي".

إن هذا الرخاء و الازدهار الذي تعيشه القرية يدل على نجاعة التجارة الالكترونية وقدرة شبكة الأنترنت و البيانات الكبيرة في دعم هذا القطاع الحساس في إيجاد منافذ جديدة لمنتوجاتها العالية الجودة (جميع المحاصيل عضوية). الأرقام التي سجلها مهرجان التسوق الزراعي من ال 7 سبتمبر و حتى ال 25 سبتمبر على منصة جيندونغ في يانتاي خير دليل على ذلك فحسب أرقام المنصة تم تسجيل 150.000 طلبية وتابع البث المباشر للتجارة الالكترونية (التفاح والبطاطس والعنب والمنتجات الزراعية الأخرى) أكثر من سبع مائة ألف مشاهد عبر الأنترنت مع مبيعات تجاوزت 5 ملايين يوان.

إن تنظيم "مهرجان الحصاد للقرويين الصينيين" و"مهرجان التسوق الزراعي" على الانترنت وربطه بمنصات التجارة الإلكترونية هذا العام يعد من التدابير الاستراتيجية لتنشيط المناطق الريفية. ومن المخطط إطلاق عدد من "الترقيات للعلامات التجارية" و"ترقيات الخدمات" و"ترقيات الاستثمارات" لدعم الزراعة والتوجيه المهني طوال العملية ومراقبة الجودة في جميع الجوانب، والتدريب الحصري. تدابير الدعم لتمكين السلسلة الصناعية للصناعة الزراعية بأكملها من توفير منتجات زراعية عالية الجودة، وتعزيز التنمية عالية الجودة للصناعة الزراعية، ومساعدة الإنعاش الريفي بشكل أفضل بدعم من الفوائد التي جنتها التجارة الإلكترونية.

ساعدت إنجازات الإنعاش الريفي في تشاويوان من خلال الأنشطة المتصلة بالإنترنت والبث المباشر عبر الإنترنت وما إلى ذلك، وبمساعدة البنية التحتية الكاملة الخاصة بالأنترنت والكفاءة الرقمية والذكية سلسلة التوريد الاجتماعي وقدرات الخدمة التقنية المبتكرة للمنتجات الزراعية والجانبية في المدينة في توسيع المبيعات، وزيادة الدخل للمزارعين، بحيث يتم توفير المزيد من المنتجات الزراعية العالية الجودة لآلاف الأسر.

القطاع الزراعي يشكل حجر الزاوية في قضية الأمن الغذائي فاليوم الصين وعلى مشارف الثورة الصناعية الرابعة استطاعة أن تضع حجر الأساس لنموذج القطاع الفلاحي في العصر الجديد والذي يستعمل التكنولوجيا العالية والبيانات الكبيرة من أجل تحسين مستوى معيشة القرويين و الفلاحين و تحقيق الاكتفاء الذاتي. 

بيان الخصوصية وسياسة ملفات تعريف الارتباط

من خلال الاستمرار في تصفح موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط ، وسياسة الخصوصية المنقحة .يمكنك تغيير إعدادات ملفات تعريف الارتباط من خلال متصفحك .
أوافق