الصين.. العنوان الأبرز لدبلوماسية الباندا

بقلم/ مهدي ديراني، الميادين نت

إن تاريخ اعتماد الحيوانات في العلاقات الدبلوماسية بين البلدان يعود إلى تاريخ مصر القديمة. ومما لا شك فيه أن للدبلوماسية أنواعاً عديدة لكل منها تقاليد ومهمات محددة وتاريخ. فماذا عن دبلوماسية الباندا؟

قد تكون الدبلوماسية الأسلوب الأمثل للتفاوض والتمثيل السياسي للبلاد وتصريف شؤونها الخارجية لدى الدول الأجنبية. لكن دولاً عديدة أدخلت دبلوماسية جديدة في إطار علاقاتها الدولية، كتلك التي تعتمدها الصين والمسماة بـ"دبلوماسية الباندا".

ومما لا شك فيه أن للدبلوماسية أنواعاً عديدةً، يختلف تصنيفها بحسب الجهة المستفيدة من السلوك الدبلوماسي والجهات التي تُمارِس المهمات الدبلوماسية. وهي تشمل الدبلوماسية الكلاسيكية، والدبلوماسية ذات الأطراف المتعددة، والثقافية، والبرلمانية، والاقتصادية، والعامة، والعسكرية، وغيرها.

ولكل من هذه الأنواع، تقاليد ومهمات محددة وتاريخ. فماذا عن دبلوماسية الباندا؟

إن تاريخ اعتماد الحيوانات في العلاقات الدبلوماسية بين البلدان يعود إلى تاريخ مصر القديمة، والبعض الآخر يرجعه إلى مرحلة أقرب. إذ كان الهدف الأساس خلف تقديم أنواع مختلفة من الحيوانات هو التعويض للدولة الصديقة أو  الإشارة إلى الخضوع أو التحالف.

ومن الضروري أن تكون الحيوانات التي يتم إهداؤها ذات قيمة عالية في موطنها بسبب ندرتها أو مظهرها الخلاب أو تاريخها. 

تعدّ الصين الموطن الأصلي للباندا، وهو ما دفع الحكومة الصينية إلى جعل جميع حيوانات الباندا رمزاً للدولة وملكاً لها. فالباندا تمثل كنز الدولة الصينية. ويُقال إن التجار عمدوا إلى جلب حيوان الباندا إلى الدول الغربية، ومن ثم عرضه في حدائق الحيوانات في ثلاثينيات القرن الماضي. ما دفع السلطات الصينية إلى وقف تصديرها إلى الخارج على اعتبار أنها رمز الدولة.

يرجع المؤرخون تاريخ بدء دبلوماسية الباندا في الصين إلى عام 1941، بعد انتهاء الحرب الصينية- اليابانية الثانية، حيث قدمت زوجة الزعيم الصيني "شينغ شاي شيك" زوجين من الباندا إلى الولايات المتحدة تعبيراً عن الشكر والتقدير للحكومة الأميركية على مساعدة الصين في محاربة اليابان.

وبعيد نجاح الثورة الشيوعية في الصين عام 1946، أعاد الرئيس المؤسس للدولة الاشتراكية الصينية، ماو تسي تونغ، عام 1949 إحياء تقاليد منح الباندا للحلفاء. وحينها، قدم تونغ الباندا إلى الاتحاد السوفياتي وكوريا الشمالية.

في العام 1972، وبعد شهرين من رحلة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون التاريخية إلى الصين، والتي أنهت 25 عاماً من العزلة والتوتر بين بكين وواشنطن، أرسلت الحكومة الصينية زوجين من الباندا كهدية إلى الشعب الأميركي. 

ومنذ ذلك الحين، استمرت الصين بتقديم الباندا كهدايا إلى الدول التي ترغب في بناء علاقات دبلوماسية معها. ومنذ منتصف الثمانينيات، توقفت الصين عن تقديم الباندا كهدايا إلى الحكومات الأجنبية، ليعدّل في تقاليد هذه الدبلوماسية ومراسمها لتشمل؛ تأجير الباندا للحكومات الأجنبية مقابل بدل مادي، أو إرساله (الباندا) للمشاركة في معارض قصيرة الأجل، أو ضمن إطار البحث والتعاون العلميين.

في العام 2016، أهدت الصين كوريا الجنوبية زوجين من دببة الباندا المهددة بالانقراض. وأتت خطوة بكين هذه كهدية إلى كوريا الجنوبية بعدما تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ في أثناء زيارته سيؤول لإجراء محادثات القمة بين البلدين عام 2014، بإرسال زوج من الباندا إلى البلاد للبحث المشترك.

عام 2019، أهدى الرئيس الصيني شي جين بينغ، اثنين من دببة الباندا إلى حديقة الحيوانات في موسكو خلال زيارته إلى روسيا، في خطوة عمقت الثقة والاحترام بين البلدين. وبنت السلطات الروسية حينها منزلاً خصيصاً للدبين، حيث سيقيمان  في موسكو لمدة 15 عاماً ضمن مشروع بحثي مشترك.

أما في العام 2022، فأهدت الصين زوجين من الباندا "سهيل وثريا" إلى قطر، كرمز إلى عمق العلاقات بين البلدين، قبيل انطلاق بطولة كأس العالم "FIFA" في قطر.

إذاً، هي استراتيجية ثقافية، لا يمكن فصلها عن الاستراتيجية الدبلوماسية الخارجية للصين، تعمد خلالها بكين إلى متابعة زوجي الباندا المقدمين منها إلى الدول، مركزة على تفاعل رؤساء الدول والسياسيين الأجانب مع هذه الحيوانات.

وتابعت الحسابات الصينية زيارة عائلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لأول باندا ولد في فرنسا والذي سمي بـ"يوان منغ"، مركزة على خلق تفاعل دبلوماسي غير تقليدي مع السياسيين والمواطنين عبر الباندا.

(ملاحظة المحرر: يعكس هذا المقال وجهة نظر الكاتب، ولا يعكس بالضرورة رأي إذاعة الصين الدولية.)

بيان الخصوصية وسياسة ملفات تعريف الارتباط

من خلال الاستمرار في تصفح موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط ، وسياسة الخصوصية المنقحة .يمكنك تغيير إعدادات ملفات تعريف الارتباط من خلال متصفحك .
أوافق