بعد مرور عام على الهجوم المميت على مبنى الكابيتول الأمريكي في 6 يناير 2021، لا يزال الديمقراطيون والجمهوريون مختلفين بشدة حول جوانبه الرئيسية وتداعياته والتحقيقات ذات الصلة في الكونغرس، وهو ما يسلط الضوء على وجود كونغرس متزايد التَحَزب ودولة أكثر انقساما وتنامي انعدام الثقة في الديمقراطية الأمريكية.
وقد حذر خبراء أمريكيون من أن الولايات المتحدة لم تتعلم الدروس من أحداث الشغب التي تسببت في وقوع وفيات عديدة وتعرض أكثر من 100 شخص لإصابات وإلحاق أضرار بمبنى الكابيتول. ومع استمرار تدهور السياسات الحزبية في الولايات المتحدة، يقولون إن البلاد لا تزال تواجه خطر تكرار الحادث.
-- تواصل تحقيقات الكونغرس
بعد ستة أشهر من العمل المكثف، تعتزم اللجنة المختارة في مجلس النواب الأمريكي المعنية بالتحقيق في أحداث الشغب التي وقعت في الكابيتول، البدء في عقد جلسات استماع عامة في العام الجديد لمواصلة النظر في الملابسات التي أدت إلى الهجوم على مبنى الكابيتول من قبل حشد من أنصار الرئيس دونالد ترامب في ذلك الوقت.
تتطلع لجنة الكونغرس المؤلفة من تسعة أعضاء إلى نشر تقرير مؤقت يحتوي على النتائج الأولية بحلول الصيف، ومن المتوقع تسليم التقرير النهائي في الخريف.
وفي حديثه إلى برنامج ((واجه الأمة)) على شبكة ((سي بي إس))، قال آدم شيف، رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب، وهو عضو ديمقراطي باللجنة المختارة، يوم الأحد "نأمل أن نكون قادرين على سرد القصة للبلاد حتى يفهموا أن الأمر لا يتعلق فقط بذلك اليوم، الذي وافق الـ6 من يناير، وإنما بكل ما أفضى إلى ذلك. ما حدث في ذلك اليوم والخطر المستمر في المستقبل".
استنكر الديمقراطيون أحداث الشغب التي وقعت في الكابيتول واصفين إياها بهجوم على الديمقراطية حيث حاول أنصار ترامب منع الكونغرس من المصادقة على فوز جو بايدن في انتخابات الرئاسة لعام 2020. غير أن معظم الجمهوريين قللوا من أهمية تداعياته، لا سيما ما تردد عن دور ترامب في التحريض عليه، وعارضوا إجراء تحقيق في الهجوم.
في رسالة إلى الجمهوريين بمجلس النواب يوم الأحد، أكد زعيم الأقلية في مجلس النواب كيفين مكارثي معارضة حزبه لأحداث الشغب في الكابيتول، فيما اتهم الديمقراطيين باستخدام التحقيق "كسلاح سياسي حزبي لإحداث مزيد من الانقسام في بلادنا".
تواجه اللجنة المختارة مستقبلا تكتنفه حالة من عدم يقين إذا ما سيطر الجمهوريون على مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل. وقد حثت ليز تشيني، نائبة رئيس اللجنة وواحدة من العضوين الجمهوريين الوحيدين باللجنة، الجمهوريين على "أن يقوموا في عملهم على الإخلاص للدستور".
وقالت تشيني يوم الأحد في برنامج ((واجه الأمة)) "أعتقد أن البلاد بحاجة إلى حزب جمهوري قوي للمضي قدما، لكن حزبنا يجب أن يختار. إما أن نكون مخلصين لدونالد ترامب أو أن نكون مخلصين للدستور، لكننا لا نستطيع أن نكون الاثنين معا".
لا يزال الأمريكيون منقسمين حول أداء اللجنة المختارة. يقول حوالي 53 في المائة من الأمريكيين إن التحقيق في الكونغرس "مهم لمستقبل الديمقراطية"، في حين يصفه 42 في المائة بأنه "مضيعة للوقت بعيدا عن قضايا مهمة أخرى"، وفقا لاستطلاع جديد للرأي أجرته صحيفة ((يو إس إيه توداي)) بالتعاون مع جامعة سوفولك يوم الثلاثاء.
فعلى وجه التحديد، يقول 88 في المائة من الديمقراطيين إن عمل اللجنة مهم بينما يصفه 78 في المائة من الجمهوريين بأنه مضيعة للوقت.
كما أظهر الاستطلاع أن أغلبية نسبتها 54 في المائة من المستطلعة آراؤهم قالوا إنهم "ليسوا واثقين تماما" أو "ليسوا واثقين على الإطلاق" من نتائج التقرير النهائي الذي تعده اللجنة المختارة.
وقال ديفيد باليولوجوس، مدير مركز الأبحاث السياسية بجامعة سوفولك في بوسطن، إن "الاستطلاع يخبرنا أنه مهما عملت اللجنة بجد وبذلت كل الجهد الواجب، فإنها تواجه غالبية من الناخبين غير الواثقين من أنها ستحقق أهدافها".
-- الانقسامات السياسية تتعمق
تعكس وجهات النظر المتباينة إزاء اللجنة المختارة الانقسامات السياسية العميقة التي تتجلى في وجهات نظر الأمريكيين المتضاربة حول أحداث الشغب التي وقعت في الكابيتول يوم 6 يناير، ونتائج انتخابات عام 2020، والأولويات التشريعية، فضلا عن تفويضات الكمامة واللقاحات.
لا يزال الأمريكيون مختلفين حول ما إذا كانت أحداث الشغب في الكابيتول تمثل محاولة لتقويض الديمقراطية. فقد أظهر الاستطلاع الذي أجرته صحيفة ((يو إس إيه توداي)) بالتعاون مع جامعة سوفولك أن 85 في المائة من الديمقراطيين يصفون مثيري الشغب بـ"المجرمين"، بينما يقول ثلثا الجمهوريين، "لقد ذهبوا بعيدا جدا، لكن لديهم وجهة نظر".
ويعتقد 54 في المائة فقط من الأمريكيين أن بايدن فاز بشكل شرعي في انتخابات 2020، بينما يعتقد 47 في المائة أن هناك حالات حقيقية لتزوير في الانتخابات غيّرت النتيجة، وفقا للاستطلاع للرأي أجرته مؤسسة شوين كوبرمان للأبحاث مؤخرا.
لقد أصبحت الاختلافات الحزبية أكثر وضوحا من حيث نظرة الأفراد لجائحة كوفيد-19 وتعاملهم معها. فعلى سبيل المثال، الجمهوريون أقل ميلا من الديمقراطيين إلى الإبلاغ عن انتهاكات ارتداء الكمامة وإلى ممارسة التباعد الاجتماعي، ويُشكّل الجمهوريون نسبة غير متكافئة بشكل متزايد من أولئك الذين لم يتلقوا التطعيم، وفقا لاستطلاعات متعددة أجرتها مؤسسة عائلة كايزر.
تم تسجيل أكثر من 58 مليون حالة إصابة بكوفيد-19 وأكثر من 830 ألف حالة وفاة ذات صلة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وفقا لما ذكرته جامعة جونز هوبكنز. ومع ذلك، لا يوجد إجماع في البلاد بشأن إرتداء الكمامة وتلقي التطعيم وإجراءات التخفيف الأخرى التي من شأنها أن تساعد في إنهاء أزمة كوفيد-19، التي طال أمدها، في وقت مبكر.
على الرغم من الانتشار السريع للمتحور أميكرون، صعّد الجمهوريون من تحديهم لتفويضات بايدن بشأن اللقاحات في جميع أنحاء البلاد، متهمين إدارة بايدن بتجاوز سلطتها.
علاوة على ذلك، انقسم المشرعون الديمقراطيون والجمهوريون لأشهر حول الأولويات التشريعية بما في ذلك حزمة الإغاثة المتعلقة بمواجهة كوفيد-19، وبرامج الضمان الاجتماعي الجديدة، ومبادرات المناخ، وإصلاح عملية التصويت.
يقول الجمهوريون إن خطط الإنفاق الهائلة التي وضعتها إدارة بايدن ستؤدي إلى مزيد من التضخم وزيادة الدين القومي. لكن الديمقراطيين والبيت الأبيض يجادلون بأن حزمة الإنفاق التي طرحها بايدن ستساعد في تخفيف التضخم عن طريق رفع النمو الاقتصادي طويل الأجل وتقليل تكلفة المعيشة بالنسبة للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
-- استمرار انعدام الثقة في الديمقراطية الأمريكية
في الوقت الذي يعرف فيه الأمريكيون اليوم الكثير عن عملية التخطيط لاقتحام الكابيتول وتنفيذها، "لا يوجد إنذار كافٍ بشأن ما يعنيه هذا للديمقراطية الأمريكية"، هكذا قال داريل ويست الزميل الأقدم بمعهد بروكنغز في حديثه لوكالة أنباء ((شينخوا)).
وذكر ويست "هناك مخاطر جسيمة تواجه البلاد لأن معظم الجمهوريين ما زالوا يدعمون ترامب. الولايات المتحدة لم تتعلم الدروس من الأحداث التي وقعت قبل عام مضى وتواجه خطر تكرار ما حدث".
ويعتقد ما يقرب من 46 في المائة من الأمريكيين أن هجوما مشابها على الكابيتول من المحتمل أن يقع، وفقا للاستطلاع الذي أجرته صحيفة ((يو إس إيه توداي)) بالتعاون مع جامعة سوفولك.
وصرح كريستوفر جالديري، الأستاذ المساعد في كلية سانت أنسيلم، لـ((شينخوا)) بأن "هناك الكثير من الأسباب التي تدعو إلى القلق" بشأن تقدم الديمقراطية الأمريكية.
وقال جالديري "إذا أصبح من المقبول لدى أحد الأحزاب أن العمل العنيف هو رد مناسب على خسارة في الانتخابات، فإن ذلك يجعل من الصعوبة بمكان الحفاظ على نظام حكم ديمقراطي".
ومن ناحية أخرى، لا يزال جزء كبير من الناخبين يؤمنون بنظريات مؤامرة خاطئة بشكل واضح حول كل من انتخابات 2020 وهجوم 6 يناير بدلا من التعامل مع ما حدث، حسبما أشار جالديري.
ومن المرجح أن تكون الانتخابات المستقبلية ملوثة بنفس المستوى من انعدام الثقة العميق الذي ساد في عام 2020، وفقا للاستطلاع الذي أجرته مؤسسة شوين كوبرمان للأبحاث مؤخرا.
فحوالي 31 في المائة من الأمريكيين غير واثقين من أن الأصوات التي سيتم الإدلاء بها في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022 سيتم عدها بنزاهة ودقة، ويقول 29 في المائة إنهم لن يثقوا في النتائج إذا لم يفز مرشحهم المفضل في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
وبشكل عام، يقول أكثر من نصف الأمريكيين إن الديمقراطية الأمريكية معرضة لخطر الانقراض، بمن فيهم 49 في المائة من الديمقراطيين والجمهوريين، فضلا عن 54 في المائة من المستقلين، حسبما كشف استطلاع الرأي.
وقال كلاي رامزي، الباحث بمركز الدراسات الدولية والأمنية في جامعة ميريلاند، لـ((شينخوا)) إن أحداث الشغب التي وقعت في الكابيتول يوم 6 يناير توضح كيف أن "أنظمة الأخبار والمعلومات في الولايات المتحدة معطلة بشكل أساسي".
وأضاف رامزي أن "موقعي فيسبوك وتويتر كشفا أنهما يعرفان مدى سوء الأمر من خلال حظر عدد قليل من الأفراد من منصتيهما -- لكنهما ليسا على استعداد لاتخاذ الخطوة الأكثر أهمية والمتمثلة في الإعلان عن الخوارزميات التي تفرض المعلومات الخاطئة والمشاعر المبالغ فيها على الخطاب السياسي".
"نعلم أن هناك بعض التغييرات التي ينبغي القيام بها"، هكذا ذكر رامزي، مضيفا "إذا لم نفعل شيئا، لا يمكننا سوى توقع المزيد من نفس الشيء".