أثار الكشف الأخير عن الأنشطة العسكرية البيولوجية الأمريكية في أوكرانيا مخاوف واسعة النطاق، لكنه كشف للتو عن غيض من فيض في "الإمبراطورية العسكرية البيولوجية" الأمريكية في جميع أنحاء العالم.

كما تشكل الأنشطة العسكرية البيولوجية الأمريكية الواسعة، التي تكتنفها السرية، تهديدات خطيرة للصحة والاستقرار العالميين. ومع ذلك، لا يزال الساسة الأمريكيون مصرين على موقفهم، حتى أنهم يغضون الطرف عن مخاوف المجتمع الدولي ويصفونها بأنها معلومات مضللة.

تشير البيانات الرسمية إلى أن الولايات المتحدة تمتلك 26 مختبرا بيولوجيا ومرافق أخرى ذات صلة في أوكرانيا، والتي يباشر البنتاغون القيادة الكاملة عليها. علاوة على ذلك، يُطلب تخزين جميع مسببات الأمراض الخطيرة في أوكرانيا في هذه المختبرات، ويشرف الجانب الأمريكي على جميع الأنشطة البحثية. ولا يمكن نشر أي معلومات للجمهور دون موافقة الولايات المتحدة.

وباستخدامها ذرائع مثل التعاون للحد من مخاطر السلامة البيولوجية وتعزيز الصحة العامة العالمية، تمتلك الولايات المتحدة 336 مختبرا بيولوجيا في 30 دولة وتضعها تحت سيطرتها. ومع ذلك، فإن ذرائع واشنطن لا يمكن أن تخدع أحدا.

تعمل وزارة الدفاع الأمريكية مع السلطات الصحية في البلدان المضيفة في العديد مما يسمى ببرامج المشاركة البيولوجية التعاونية الأمريكية في الخارج. وبعبارة أخرى، فإن الجيش الأمريكي ليس وكالة أبحاث مدنية محايدة أو سلطات صحية أمريكية، ولكنه يقوم بشكل مباشر بتمويل وإدارة وتشغيل المختبرات البيولوجية خارج البلاد.

كما أجرت الولايات المتحدة العديد من الأنشطة العسكرية البيولوجية في قاعدة فورت ديتريك داخل البلاد. وتعد فورت ديتريك، المعروفة بأنها سيئة السمعة كونها "مركز أحلك التجارب التي تجريها الحكومة الأمريكية"، حيث يقع معهد البحوث الطبية للأمراض المعدية التابع للجيش الأمريكي، مركز الأنشطة العسكرية البيولوجية الأمريكية وتمتلك صيتا سيئا بسبب ممارساتها غير القانونية وغير الشفافة وغير الآمنة.

شكلت المؤسسات البيولوجية الأمريكية، مثل قاعدة فورت ديتريك، مخاطر صحية خطيرة على شعوب البلدان المضيفة. في عام 2021، رفعت مجموعة مدنية كورية جنوبية دعوى قضائية ضد قاعدة فورت ديتريك والقوات الأمريكية في كوريا بشأن المواد السامة المهربة إلى القواعد العسكرية الأمريكية في هذا البلد الآسيوي في انتهاك للقانون المحلي.

ووفقا للشكوى المقدمة من جمعية الثقافة الكورية للتثقيف في مجال السلامة من الحرائق، انتهكت القوات الأمريكية في كوريا ومختبر فورت ديتريك البيولوجي القانون الكوري الجنوبي وقاما باستيراد مواد سامة إلى البلاد ثلاث مرات بين عامي 2017 و2019.

كما وجد تحقيق أجرته وزارة الدفاع الأمريكية، صدر في يوليو 2015، أن مختبرا عسكريا أمريكيا في ولاية يوتا الأمريكية فشل في تحييد جراثيم الجمرة الخبيثة الحية وقام بشحن العينات السامة إلى الباحثين في 86 مختبرا في الولايات المتحدة وسبع دول أخرى، بما فيها كوريا الجنوبية.

لطالما ساور المجتمع الدولي القلق بشأن الأنشطة العسكرية البيولوجية للولايات المتحدة. إن العالم بحاجة ماسة إلى معرفة ما تفعله الولايات المتحدة في فورت ديتريك والمختبرات البيولوجية البالغ عددها 336 مختبرا في جميع أنحاء العالم، وكذلك ما إذا كانت الأنشطة تتفق مع اتفاقية الأسلحة البيولوجية.

وما يؤسف له أن الولايات المتحدة هي وحدها التي وقفت على مدى العقدين الماضيين في طريق إنشاء آلية للتحقق من تنفيذ اتفاقية الأسلحة البيولوجية ورفضت التحقق من مرافقها البيولوجية في الداخل والخارج.

وتشكل الأنشطة العسكرية البيولوجية تهديدا رئيسيا للسلم والأمن الدوليين، فضلا عن المصالح الأمنية لجميع الدول. لذلك، يتحتم على واشنطن الاستجابة بجدية للشواغل العالمية بطريقة منفتحة وشفافة ومسؤولة، وتقديم بيان كامل عن أنشطتها العسكرية البيولوجية في الداخل والخارج، وإخضاع نفسها للتحقق متعدد الأطراف.