الاتفاق السعودي الإيراني بشأن استعادة العلاقات يفيد الأمن الإقليمي ويظهر حسن نية الصين لتعزيز الأمن العالمي

بعد سنوات من الخلاف المفتوح، اتفقت المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية الأسبوع الماضي على استعادة العلاقات الدبلوماسية بعد محادثات توسطت فيها الصين، وهو تطور مهم للبلدين ونعمة لأمن واستقرار الشرق الأوسط.

وفي بيان مشترك مع الصين صدر يوم الجمعة، اتفقت السعودية وإيران على إعادة فتح سفارتيهما وبعثتيهما الدبلوماسية خلال شهرين، وإجراء محادثات بين وزيري خارجيتهما بشأن ترتيب تبادل السفراء، واستكشاف سبل تحسين العلاقات الثنائية.

وأشاد وانغ يي، مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، بالاتفاق السعودي الإيراني لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، باعتباره "نصرا للحوار والسلام" ، وقد حظي بترحيب واسع في جميع أنحاء العالم.

وانضم الاتحاد الأوروبي يوم السبت إلى دول من بينها مصر والإمارات العربية المتحدة والأردن والعراق وكوبا وباكستان للترحيب بالاتفاق، قائلا في بيان نشر على موقعه الالكتروني إنه "يقدر الجهود الدبلوماسية التي أدت إلى هذه الخطوة المهمة".

كما أثنت الأمم المتحدة على الدور الذي لعبته الصين خلال العملية.

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك بعد التوصل إلى الاتفاق إن "الأمين العام أعرب عن تقديره لجمهورية الصين الشعبية لاستضافتها هذه المحادثات الأخيرة وتشجيعها الحوار بين البلدين".

-- الاتفاق يتجاوز النطاق الأمني

وكانت السعودية وإيران على خلاف بشأن مجموعة من القضايا منذ سنوات وتدعمان أطرافا متعارضة في صراعات في دول مثل اليمن وسوريا.

وفي أوائل عام 2016، قطعت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع إيران ردا على هجمات وقعت على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران بعد أن أعدمت المملكة رجل دين شيعي.

وقبل إبرام الاتفاق في بكين، عقد البلدان خمس جولات من المحادثات في العراق لتحسين العلاقات الثنائية منذ عام 2021.

وكتب فيصل ج.عباس، رئيس تحرير ((عرب نيوز))، في مقال نشر على الموقع الإلكتروني للصحيفة اليومية الناطقة باللغة الإنجليزية التي تتخذ من السعودية مقرا لها يوم السبت، أن الاتفاق السعودي الإيراني الذي تم التوصل إليه عبر وساطة صينية هو تطور مهم في الجغرافيا السياسية الإقليمية، مضيفا أنه يمكن أن يكون مغيرا حقيقيا للعبة، ويبشر بعصر من السلام والازدهار الإقليميين لم نشهده منذ عقود.

وقال محمد رضا منافي، رئيس تحرير قسم أخبار آسيا والمحيط الهادئ في وكالة أنباء ((إرنا)) الإيرانية الرسمية، إنه بما أن إيران والمملكة العربية السعودية دولتان قويتان في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، فإن العلاقة السلمية والودية بينهما من الممكن أن تجلب المزيد من السلام والاستقرار إلى المنطقة والعالم.

وذكر عدنان برجي، مدير المركز الوطني اللبناني للدراسات، أن هذه الخطوة تعني الكثير لكلا البلدين، لأنها ستخفف التوترات بين الشيعة والسنة.

وأفاد برجي أن المصالحة بين الخصمين الإقليميين يمكن أن تكون مثالا تحتذي به الدول الأخرى في حل النزاعات من خلال الحوار.

وقال محللون إن تخفيف حدة التوتر سيمنح إيران مجالا أكبر للتعامل مع تداعيات العقوبات القاسية التي تفرضها الولايات المتحدة، بينما سيهدئ أيضا الحدود السعودية مع اليمن، حيث يخوض التحالف الذي تقوده السعودية صراعا عسكريا مع جماعة الحوثي المدعومة من إيران.

وأشار خالد حمادة، وهو محلل عسكري لبناني وعميد متقاعد، في تصريح لوكالة أنباء ((شينخوا)) إلى أن الاتفاق السعودي الإيراني الذي توسطت فيه الصين يتضمن نقاطا تتعلق مباشرة بالأزمة اليمنية، مثل احترام سيادة الدول الأخرى، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

-- حسن النية لتعزيز الأمن العالمي

قال وانغ يي، الذي ترأس مراسم الافتتاح والختام للمحادثات السعودية الإيرانية في بكين، إن الحوار بين البلدين في بكين "أصبح ممارسة ناجحة للتطبيق القوي لمبادرة الأمن العالمي".

وتسعى المبادرة، التي اقترحتها الصين في عام 2022، إلى معالجة التحديات الأمنية المعقدة والمتشابكة بعقلية الكسب المشترك.

وذكر وانغ "سنواصل لعب دور بناء في التعامل بشكل صحيح مع القضايا الساخنة في عالم اليوم وفقا لرغبات جميع الدول وإظهار مسؤوليتنا كدولة كبرى".

ويعتقد المحللون أن استضافة الصين الناجحة للمحادثات، التي أدت إلى تحقيق انفراجة، تبرز حسن نية بكين وسعيها لتعزيز السلام في الشرق الأوسط من خلال الحوار السياسي، فضلا عن جهودها المبذولة لدفع تنفيذ مبادرة الأمن العالمي التي تسعى إلى القضاء على الأسباب الجذرية للصراعات الدولية وتعزيز السلام الدائم والتنمية في العالم.

وقال برجي إن وساطة الصين الناجحة في الاتفاق السعودي الإيراني تثبت أن العالم منفتح على نظام يتسم بالتعددية تدعمه الصين، بدلا من نظام يتسم بالأحادية فرضته الولايات المتحدة على مدى العقود الماضية.

وأفاد أن نجاح الاتفاق السعودي الإيراني يعكس النهج المختلفة التي اعتمدتها الولايات المتحدة والصين في الشرق الأوسط.

وأضاف أن "الصين تتعامل مع (علاقاتها الدبلوماسية) بروح الصداقة والإقناع وتحقيق المصالح المتبادلة، بينما تتعامل الولايات المتحدة (مع علاقاتها الدبلوماسية) بروح الفرض والهيمنة وضمان المصالح الأمريكية والإسرائيلية على حساب الكرامة والمصالح العربية".

وأوضح داي شياو تشي، الأستاذ في كلية دراسات الشرق الأوسط بجامعة الدراسات الدولية ببكين، أن الحلول التي اقترحتها الصين، والتي تسعى إلى حل المشكلات الدولية عبر المنفعة المتبادلة والتشاور السلمي والسبل غير العنيفة وغير العسكرية، اكتسبت اعترافا متزايدا في جميع أنحاء العالم.

وذكر أسامة دنورة، الخبير السياسي المقيم في العاصمة السورية دمشق إن "العلاقات المتوازنة" للصين مع كل من السعودية وإيران سمحت لها بتحقيق هذا الإنجاز الكبير. 

بيان الخصوصية وسياسة ملفات تعريف الارتباط

من خلال الاستمرار في تصفح موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط ، وسياسة الخصوصية المنقحة .يمكنك تغيير إعدادات ملفات تعريف الارتباط من خلال متصفحك .
أوافق