التقدم إلى الأمام بكل جد واجتهاد، وتسجيل فصل جديد للصداقة والتعاون والتنمية المشتركة للصين وروسيا

شي جينبينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية

سأقوم بزيارة الدولة إلى الاتحاد الروسي تلبية لدعوة الرئيس فلاديمير بوتين. قبل 10 سنوات، كانت روسيا المحطة الأولى لزيارتي الخارجية بعد أن توليت رئيس جمهورية الصين الشعبية. على مدى 10 السنوات الماضية، زرت روسيا لـ8 مرات، وجئت إليها بكل فرح وسرور وعدت إلى بلدي حاملا إنجازات في كل مرة، وسجلنا سويا أنا والرئيس بوتين  فصلا جديدا للعلاقات بين الصين وروسيا.

تعد الصين وروسيا أكبر جار وشريك التنسيق الاستراتيجي الشامل لبعضهما البعض، وكلاهما دولة كبيرة رئيسية في العالم وعضو دائم في مجلس الأمن الدولي. ينتهج كلا البلدين السياسة الخارجية المستقلة، ويعطي الأولوية للعلاقات الصينية الروسية في دبلوماسيتهما.

يتمتع تطور العلاقات الصينية الروسية بالمنطق التاريخي الواضح والقوة الدافعة الداخلية القوية. على مدى 10 سنوات ماضية، قطع التعاون بين البلدين أشواطا بعيدة في كافة المجالات، ودخل البلدان إلى عصر جديد بخطوات واسعة.

-- يلعب التبادل الرفيع المستوى دورا قياديا استراتيجيا مهما. تم إنشاء آليات متكاملة للتبادل الرفيع المستوى والتعاون في كافة المجالات بين الصين وروسيا، الأمر الذي قدم ضمانا من حيث الآليات والمؤسسات لتطور العلاقات الثنائية. في هذه السنوات، أبقى على اتصال العمل المكثف مع الرئيس بوتين، وأجرينا 40 لقاء في المحافل الثنائية والدولية، حيث رسمنا الخطوط العريضة للعلاقات الثنائية والتعاون في أوجه الجوانب بين البلدين، وتواصلنا وتبادلنا الآراء في وقته حول القضايا الدولية والإقليمية الهامة ذات الاهتمام المشترك، مما حدد الاتجاه العام للتطور المستمر والسليم والمستقر للعلاقات الثنائية. 

-- تترسخ الثقة السياسية المتبادلة بين الجانبين باستمرار، مما نصب نموذجا جديدا للعلاقات بين الدول الكبرى. يلتزم الجانبان الصيني والروسي بمفهوم الصداقة المتوارثة عبر الأجيال والتعاون القائم على الكسب المشترك، ويتمسكان بعدم الانحياز وعدم المجابهة وعدم استهداف طرف ثالث، ويتبادلان الدعم الثابت للجانب الآخر في استكشاف الطريق التنموي الذي يتناسب مع ظروفه الوطنية، وتحقيق التنمية والنهضة لكل منهما. أصبحت العلاقات بين البلدين أكثر نضجا وصمودا في عملية التطور، وتنبض بحيوية جديدة باستمرار، الأمر الذي وضع نموذجا لنوع جديد من العلاقات بين الدول الكبرى التي تقوم على أساس الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون والكسب المشترك.

-- تشكلت معادلة التعاون الشاملة الأبعاد والمتعددة المستويات بين الجانبين. بفضل الجهود المشتركة للجانبين، تجاوز حجم التبادل التجاري بين الصين وروسيا 190 مليار دولار أمريكي في العام الماضي، بزيادة قدرها 116% عما كان عليه قبل 10 سنوات، وتبقى الصين أكبر شريك تجاري لروسيا لـ13 سنة متتالية. وشهد حجم الاستثمار المتبادل بين البلدين تزايدا مستمرا، ويتقدم التعاون بينهما في المشاريع الكبيرة في مجالات الطاقة والطيران والفضاء والترابط والتواصل بخطوات متزنة، وشهد التعاون في المجالات الناشئة مثل الابتكار العلمي والتكنولوجي والتجارة الإلكترونية العابرة للحدود زخما قويا، وشهد التعاون بين الحكومات المحلية للجانبين تطورا مزدهرا، مما عاد بالفوائد الملموسة على الشعبين، وقدم قوة دافعة لا تنضب للتنمية والنهضة لكلا الجانبين.

-- يلتزم الجانبان بمفهوم الصداقة المتوارثة عبر الأجيال، وازدادت الصداقة التاريخية بينهما متانة على مر الزمان. احتفل الجانبان بشكل مهيب بالذكرى الـ20 للتوقيع على "معاهدة حسن الجوار والتعاون الودي بين الصين وروسيا"، حيث أعلنتُ مع الرئيس بوتين عن تمديد الاتفاقية وإضفاء مقومات العصر الجديدة عليها. وأقام الجانبان 8 "سنوات تحت عنوان معينة" على المستوى الوطني، مما سجل فصلا جديدا للتعاون الودي بين البلدين. كما تبادل الشعبان الدعم والتشجيع في مكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد، مما أثبت مرة أخرى على "الصديق في وقت الضيق".

-- يبقى الجانبان على التنسيق والتعاون الوثيقين على الساحة الدولية، ويؤديان مسؤوليتهما كدولتين كبيرتين. تحافظ الصين وروسيا بثبات على المنظومة الدولية التي تكون الأمم المتحدة مركزا لها والنظام الدولي القائم على القانون الدولي والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية المبنية على مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتكثفان التواصل والتنسيق والتعاون في إطار الأمم المتحدة ومنظمة شانغهاي للتعاون ومجموعة البريكس ومجموعة العشرين وغيرها من الآليات الدولية المتعددة الأطراف، وتعملان معا على تدعيم تعددية الأقطاب للعالم ودمقرطة العلاقات الدولية، وتمارسان بنشاط تعددية الأطراف الحقيقية، وتكرسان القيم المشتركة للبشرية، وتدعوان إلى إقامة نوع جديد من العلاقات الدولية ومجتمع المستقبل المشترك للبشرية.

قد مضت أكثر من 70 سنة على العلاقات الصينية الروسية. عندما نستعرض هذه المسيرة الماضية، نشعر بعمق أن العلاقات الصينية الروسية لم تصل بسهولة إلى ما هي عليه اليوم، وتتجدد الصداقة الصينية الروسية مع مرور الزمن، التي لا بد  لنا أن نحرص عليها كل الحرص. علمنا التاريخ والواقع أن مفتاح صمود العلاقات الصينية الروسية أمام اختبارات الأوضاع الدولية المتغيرة يكمن في إيجاد الطريقة الصحيحة للتعامل بين الدول.

ستكون زيارتي المرتقبة إلى روسيا رحلة للصداقة والتعاون والسلام. وأتطلع إلى العمل مع الرئيس فلاديمير بوتين سويا على تبني رؤية جديدة ووضع خطة جديدة واتخاذ إجراءات جديدة لتطور علاقات شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا في المرحلة القادمة.

يجب على الجانبين تعزيز التنسيق والتخطيط، والتركيز على قضية التنمية والنهضة لكل منهما، وإبداع أفكار جديدة، وخلق فرص جديدة، وضخ ديناميكية جديدة. ومن المهم تعزيز الثقة المتبادلة وتحفيز الإمكانيات الكامنة، بما يبقي تطور العلاقات الصينية الروسية على مستوى عال دوما.

على الجانبين زيادة الكمية والجودة للتعاون الاستثماري والاقتصادي والتجاري في نفس الوقت، وتعزيز التنسيق السياساتي لخلق ظروف مواتية للتنمية العالية الجودة للتعاون الاستثماري بين البلدين. ومن المهم زيادة حجم التبادل التجاري وإيجاد مزيد من نقاط الالتقاء للمصالح ونقاط النمو للتعاون، بما يشكل معادلة تنموية تتكامل فيها التجارة التقليدية مع التعاون في المجالات الناشئة وتتطوران بشكل متواز. ومن المهم دفع المواءمة بين مبادرة "الحزام والطريق" والاتحاد الاقتصادي الأوراسي باستمرار، بما يوفر مزيدا من الترتيبات المؤسسية للتعاون الثنائي والإقليمي.

على الجانبين تكثيف التواصل الإنساني والثقافي، وإنجاح فعاليات سنة التبادل الرياضي بين الصين وروسيا. ومن المهم الاستفادة من آليات التعاون على المستوى المحلي لتسهيل التواصل بين المقاطعات (الولايات) والمدن المتوأمة وتشجيع تبادل الأفراد والعمل على استئناف التعاون السياحي بين البلدين. ومن المهم إنجاح برامج مثل مخيمات صيفية ومدارس مشتركة لمواصلة تعزيز التفاهم والصداقة بين الشعبين وخاصة بين الشباب في البلدين.

يمر العالم اليوم بتغيرات غير مسبوقة منذ قرن. يعد السلام والتنمية والتعاون والكسب المشترك تيارا تاريخيا لا يقاوم، وتعد تعددية الأطراف والعولمة الاقتصادية ودمقرطة العلاقات الدولية زخما سائدا لا رجعة فيه. وفي الوقت نفسه، تتشابك التحديات الأمنية التقليدية وغير التقليدية، وتترك تصرفات الهيمنة والطغيان والتنمر تداعيات وخيمة، وأمام الاقتصاد العالمي طريق طويل ومتعثر للتعافي. يشعر المجتمع الدولي بقلق شديد من ذلك، ويتطلع بشغف إلى إيجاد وصفة ناجعة لتبديد الأزمة من خلال التعاون.

أشرتُ في كلمتي التي ألقيتُها في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية في مارس عام 2013 إلى أن بلدان العالم تترابط وتعتمد بعضها على البعض بشكل غير مسبوق، وأن البشرية تعيش في نفس القرية العالمية التي تصبح يوما بعد يوم مجتمع مستقبل مشترك يربط فيه بعضنا بالبعض. طرحت لاحقا مبادرة "الحزام والطريق" ومبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية، مما أثرى مقومات مفهوم مجتمع المستقبل المشترك للبشرية والسبل لترجمته على أرض الواقع، وقدم حلا صينيا لمواجهة التغيرات للعالم والعصر والتاريخ.

تترسخ القيم المشتركة للبشرية جمعاء المتمثلة في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية في قلوب الناس بشكل متزايد خلال السنوات العشر الماضية، وأصبح بناء عالم منفتح ومحتضن ونظيف وجميل يسوده السلام الدائم والأمن العالمي والازدهار المشترك تطلعات مشتركة لعدد متزايد من الدول. أدرك المجتمع الدولي تماما أنه ليس في العالم أي دولة تتفوق على الدول الأخرى، وليس هناك نموذج حوكمة ينطبق على جميع الدول، وليس هناك نظام دولي تحت أمر دولة معينة. إن عالما يسوده التضامن والسلام بدلا من الانقسام والاضطرابات يخدم المصلحة المشتركة للبشرية جمعاء.

منذ العام الماضي، شهدت الأزمة الأوكرانية تصعيدا شاملا. ظل الجانب الصيني يتمسك بموقف موضوعي وعادل وفقا لطبيعة الأمور، ويبذل جهودا حميدة لدفع المفاوضات. قدمتُ عدة رؤى تشمل ضرورة الالتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة واحترام الهموم الأمنية المعقولة لكافة الدول ودعم جميع الجهود لحل الأزمة الأوكرانية سلميا وضمان استقرار سلاسل الصناعة والإمداد في العالم، وتعد هذه الرؤى مرجعية أساسية لتعامل الجانب الصيني مع الأزمة الأوكرانية. أصدرت الصين مؤخرا وثيقة "الموقف الصيني من حل الأزمة الأوكرانية سياسيا" التي تتضمن الهموم المعقولة لكافة الأطراف، وتجسد أكبر القواسم المشتركة للمجتمع الدولي بشأن الأزمة الأوكرانية، وتلعب دورا بناء في الحد من امتداد تداعيات الأزمة إلى الخارج والدفع بإيجاد حل سياسي.  لا يوجد حل بسيط للمشاكل المعقدة. نحن على يقين بأنه سيتم إيجاد طريق ملائم لحل الأزمة الأوكرانية وطريق مشرق لتحقيق السلام الدائم والأمن السائد في العالم بكل التأكيد، طالما نتمسك بمفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام والحوار والتشاور بروح المساواة والعقلانية والعملية.

يتعين علينا إنجاز أمورنا قبل إنجاز أمور العالم. تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، يتحد ويناضل الشعب الصيني للدفع بالنهضة العظيمة للأمة الصينية على نحو شامل من خلال التحديث الصيني النمط. بخلاصة الكلام، يكون التحديث الصيني النمط تحديثا يغطي عددا ضخما من السكان ويحقق الرخاء المشترك لجميع أبناء الشعب ويشهد التناسق بين الحضارتين المادية والروحية والتعايش المنسجم بين الإنسان والطبيعة ويتمسك بطريق التنمية السلمية. تعد هذه الخصائص الصينية بلورة لجهودنا الطويلة الأمد في الممارسات والاستكشافات، وتجسيدا لاستخلاصنا المعمق للتجارب الدولية. في المستقبل، سنعمل بعزيمة لا يتزعزع على الدفع بقضية التحديث الصيني النمط إلى الأمام، وتحقيق التنمية العالية الجودة وتوسيع الانفتاح على الخارج على مستوى عال، ونثق بأن ذلك سيوفر مزيدا من الفرص التنموية لروسيا وغيرها من دول العالم.

إن الربيع أول فصل لكل سنة، والعمل أول شيء لكل الأمور. لدينا أسباب لنؤمن بأن الصين وروسيا كرافقين في طريق التنمية والنهضة، ستقدمان بكل التأكيد مزيدا من المساهمة في تقدم الحضارة البشرية.

 

بيان الخصوصية وسياسة ملفات تعريف الارتباط

من خلال الاستمرار في تصفح موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط ، وسياسة الخصوصية المنقحة .يمكنك تغيير إعدادات ملفات تعريف الارتباط من خلال متصفحك .
أوافق