ديمقراطية أمريكا المفضوحة والقائمة على الرياء تنخر الاستقرار العالمي

في الوقت الذي يصر فيه منتجو البيت الأبيض على إصدار الحلقة الثانية من قمة "من أجل الديمقراطية" على الرغم من شباك التذاكر البائس في الحلقة الأولى، فإن نية واشنطن لا يمكن أن تكون أكثر وضوحا -- إذ تتمثل في نشر روايتها الزائفة والمختلقة حول "الديمقراطية مقابل الاستبداد" لمواصلة التلاعب بالعالم واستغلاله والتنمر عليه تحت راية "الديمقراطية".

لطالما أصبحت الديمقراطية على النمط الأمريكي نقيض الديمقراطية الحقيقية وأداة للهيمنة الأمريكية. ففي الوقت الذي تدعي فيه "الديمقراطية"، يأتي ما تفعله منافيا للديمقراطية-- ويتمثل في أمركة مفهوم "الديمقراطية"، ورسم خطوط إيديولوجية، والتحريض على الانقسام وخلق المواجهة -- وكل ذلك بهدف الحفاظ على هيمنتها العالمية.

وقد أشار ويليام بلوم، وهو كاتب متخصص في السياسة الخارجية الأمريكية، في كتاب له بعنوان "الديمقراطية أشد الصادرات الأمريكية فتكا" إلى أن "طموح واشنطن للهيمنة العالمية لا تحركه قضية ديمقراطية أو حرية أعمق، أو عالم أكثر عدلا، أو إنهاء الفقر أو العنف، أو كوكب أكثر قابلية للعيش فيه، بل تحركه دوافع اقتصادية وإيديولوجية".

وفي محاولات منها لفرض هيمنتها، صدرت الولايات المتحدة الحروب والاضطرابات باسم "حماية الديمقراطية". وأينما حطت الهيمنة الأمريكية، يصبح السلام ترفا: فالبقاء على قيد الحياة ليس مضمونا، ناهيك عن الحقوق الديمقراطية. وقد عانت دول ذات سيادة مثل أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا من كوارث عديدة بسبب الغزو الأمريكي وحروبها بالوكالة القائمة على عقلية الحرب الباردة.

منذ عام 2001، قُتل أكثر من 900 ألف شخص -- أكثر من ثلثهم من المدنيين، وأصيب الملايين، ونزح عشرات الملايين في حروب وعمليات عسكرية شنتها الولايات المتحدة باسم "مكافحة الإرهاب".

وتحت راية "الديمقراطية"، تتدخل الولايات المتحدة بشكل متعمد في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتقوض استقرارها. فمنذ عام 1945، حاولت الولايات المتحدة الإطاحة بأكثر من 50 حكومة، معظمها منتخبة ديمقراطيا، وتدخلت بشكل صارخ في الانتخابات الديمقراطية في 30 دولة على الأقل، حسبما ذكر بلوم في كتابه.

ولدى استشهادها بالغزو الأمريكي لبنما عام 1989، قالت ترينيداد أيولا، رئيسة مجموعة بنمية جعلت المأساة الوطنية معترف بها رسميا، إن واشنطن تسعى دائما إلى تحقيق مصالحها الخاصة تحت راية "الديمقراطية"، وإذا لم ينجح الخطاب، فإنها ستلجأ إلى القوة.

وبترويجها لعقيدة مونرو في أمريكا اللاتينية لدعم الحكومات الموالية لواشنطن، وتخطيطها لـ"ثورات ملونة" في دول أوراسية، وإسقاطها حكومات في غرب آسيا وشمال أفريقيا باسم "مكافحة الإرهاب"، بذلت الولايات المتحدة قصارى جهدها لخدمة مصالحها في الهيمنة من خلال إسقاط أولئك الذين لا تحبهم وأولئك الذين لا ينصتون إليها وهي ممسكة بالعصا الكبيرة لما يسمى بـ"الديمقراطية".

علاوة على ذلك، فإن العقوبات الأحادية والولاية القضائية طويلة الذراع ليست غريبة على الساسة في البيت الأبيض. فقد فُرضت عقوبات لخنق اقتصاد دول مثل كوبا وبيلاروس وسوريا وزيمبابوي على مدى العقود القليلة الماضية، الأمر الذي شكّل انتهاكات مستمرة ومنهجية وواسعة النطاق لحقوق الإنسان في هذه الدول.

والأسوأ من ذلك أن الولايات المتحدة لجأت بشكل متزايد في السنوات الأخيرة إلى العقوبات الأحادية والولاية القضائية طويلة الذراع الأوسع نطاقا، متجاهلة القانون الدولي والأعراف الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية، وهو ما ألحق الضرر بمصالح البلدان الأخرى بصورة تعسفية. وحتى حلفاءها لا يمكن أن يستثنوا من ذلك.

ينبغي على الدول معالجة الشؤون الدولية بالتشاور فيما بينها، وهو المبدأ الأساسي للديمقراطية في العلاقات الدولية. لكن الولايات المتحدة تسعى دائما إلى تجاوز القواعد. وقد قامت، وهي ترتدي عباءة التعددية و"النظام الدولي القائم على القواعد"، بإثارة الانقسام وخلق المواجهة بين الكتلات.

والأدلة ماثلة للعيان. فقد دأبت الولايات المتحدة مؤخرا على القيام بتحركات متكررة في منطقة جنوب المحيط الهادئ، حيث تحالفت مع بريطانيا وأستراليا لتشكيل "أوكوس"، وهو ما يقوض روح معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ومعاهدة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في جنوب المحيط الهادئ.

إن الديمقراطية قيمة مشتركة للبشرية جمعاء. ومهما كانت الشعارات التي ترددها الولايات المتحدة، لا يمكنها أن تُخفي نواياها الحقيقية الرامية إلى تسييس الديمقراطية وتسليحها، وتعزيز سياسة التكتلات، والحفاظ على هيمنتها.

ووفقا للسيناريو القديم، فإن الحلقة الجديدة من قمة "من أجل الديمقراطية" محكوم عليها بأن تكون مهزلة أخرى. 

بيان الخصوصية وسياسة ملفات تعريف الارتباط

من خلال الاستمرار في تصفح موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط ، وسياسة الخصوصية المنقحة .يمكنك تغيير إعدادات ملفات تعريف الارتباط من خلال متصفحك .
أوافق