السعودية: مع السلامة يا الولايات المتحدة، أهلا وسهلا يا العالم

بقلم شين بينغ

بدأ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين زيارة تستغرق 3 أيام إلى المملكة العربية السعودية في 6 يونيو، محاولا لإنقاذ العلاقة بين البلدين وإنقاذ نفوذ بلاده المتراجع في منطقة الشرق الأوسط، ولكن هل يمكنه الحصول على ما يرام؟

 من المعروف أن الولايات المتحدة كانت قوة استراتيجية مهيمنة في المنطقة على مدى الثلاثين عامًا الماضية وأن السعودية كانت صديقًا قويًا للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. لكن في غضون بضعة السنوات فقط، خاصة بعد وصول إدارة بايدن إلى السلطة، شهدت العلاقة بين البلدين تراجعا مفاجئا وحادا. ويمكننا أن نستعرض الأحداث الثلاثة التالية التي ترمز إلى تغيرات مهمة طرأت على العلاقة بين البلدين.

"الاتفاق الذي لا يتزعزع"

بعد انتهاء حرب الشرق الأوسط الرابعة، اتبعت الولايات المتحدة استراتيجية "الدبلوماسية المكوكية" في المنطقة، ثم توسط وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر في "الاتفاق الذي لا يتزعزع" بين الولايات المتحدة والسعودية، رغم أن محتوى الاتفاق لم يتم الإعلان عنه، يمكننا الاستنتاج أن جوهر الاتفاق هو أن السعودية بادلت النفط والتسوية بالدولار الأمريكي بما يسمى بـ "الضمان الأمني".

في ذلك الوقت، كانت الفوضى والاضطرابات تسود منطقة الشرق الأوسط، وأرادت السعودية تحقيق الاستقرار والتنمية في ظل تربص "الأعداء الأقوياء"، مثل اليهود الإسرائيليين والفرس الإيرانيين، وكان خيارها للاعتماد على الولايات المتحدة هو خطوة لا مفر منها. ولكن هل جلبت القواعد العسكرية والقوات الأمريكية الأمن الحقيقي للسعودية؟ من حرب الخليج إلى الملف النووي الإيراني حتى الربيع العربي، ليس من الصعب أن نجد أن هذا "الاتفاق الذي لا يتزعزع" هو في الواقع يسهم فقط في الحفاظ على أمن السعودية في الفوضى التي تسببها الولايات المتحدة، مما أوقع السعودية في وضع اتهم أشقاؤها العرب فيه بأنها "وقفت متفرجة أمام الفوضى"، وساهم إلى حد ما في تغذية الإرهاب في داخل السعودية. قد أدركت السعودية نفسها منذ فترة أنها استُخدمت بالولايات المتحدة، فتبنت موقفا أقوى تجاه قضايا مثل القواعد العسكرية ومبيعات الأسلحة. عليه، بدأ هذا "الاتفاق الذي لا يتزعزع" يتفكك تدريجيا.

خفض الإنتاج من منظمة أوبك

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح النفط أهم جزء في العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة. بالاعتماد على النفط في السعودية ودول الشرق الأوسط، حافظت الولايات المتحدة على نظامها الصناعي الدولي الضخم وسيطرت بحزم على الوضع في الشرق الأوسط. وبالمقابل، طورت السعودية اقتصادها بشكل كبير وأخذت زمام المبادرة في المنطقة بمساعدة الولايات المتحدة. على مر السنين، صمدت "صفقة النفط" بين البلدين للاختبارات الدورية العديدة.

ولكن منذ وصول إدارة بايدن إلى السلطة، يبدو أن هذه العلاقة لم تعد كما كان عليها. وخاصة بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية في عام 2022، قررت مجموعة أوبك ضد إرادة الولايات المتحدة خفض الإنتاج على نطاق واسع، واتهمت إدارة بايدن التي حاولت استخدام نفوذ أسعار الطاقة لتخفيف التضخم داخل بلدها، السعودية بالخيانة في العلاقة بين البلدين.

 لماذا قررت السعودية قيادة هذه الجولة من خفض الإنتاج في هذا التوقيت؟ من حيث المظهر، رغبت السعودية في تقليل تأثير الأزمة الأوكرانية على أرباحها من صادرات النفط، إلا أن الأسباب العميقة تكون أكثر تعقيدا. أولا، تتراجع قوة الولايات المتحدة حتى تكون من الصعب أن تحافظ على هيمنة الدولار في نظام التجارة الدولية، كما أن سجلاتها الرديئة في المنطقة جعلت السعودية لم تعد تثق كما كانت في السابق بما تزعمه من الوفاء بالتزاماتها الأمنية. ثانيا، قامت الولايات المتحدة بتعديل استراتيجية الطاقة بعد استكشاف وتطور النفط الصخري والطاقة الجديدة. وفي ناحية أخرى، أدركت السعودية تدريجيًا أنه يجب ألا تقتصر مجموعة أوبك تأثيراتها على الطاقة فقط، وبل يجب أن تلعب دورًا أهم في الساحتين السياسية والاقتصادية الدوليتين. منذ ذلك الحين، فقدت الولايات المتحدة "الذهب الأسود" للسعودية، مما أدخل العلاقة بين البلدين إلى مرحلة سوداء.

المصافحة بين السعودية وإيران

في مطلع شهر إبريل، تقابل وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في بيجينغ، وحضرا اللقاء الجماعي مع وزير الخارجية الصيني تشين قانغ، ووقعا على بيان مشترك بشأن إعادة العلاقة الدبلوماسية بين البلدين بحضور الأخير. ترى جميع وسائل الإعلام العربية السائدة أن اللقاء الرسمي بين وزيري الخارجية السعودي والإيراني بعد 7 سنوات بوساطة الصين يكتسب أهمية كبيرة. لا تمثل المصافحة بينهما المصالحة بين البلدين والشعبين فحسب، بل تمثل فاتحة لتسوية الخلافات التي دامت قرونًا بين الأمتين العربية والفارسية، ووحدة غير مسبوقة بين المسلمين الشيعة والسنة، الأمر الذي يؤثر تأثيرا عميقا على المجتمعات الإسلامية في العالم.

لا نبالغ إذا قلنا إن هذه المصافحة ستغير المعادلة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وستلعب دورا مهما في إعادة تشكيل التعددية العالمية إلى حد كبير. ومن منظور تاريخي أوسع، منحت المصافحة الحضارة العربية ميزة تنافسية للتنافس مع الحضارة الغربية حتى يقول المحللون إن وحدة العالم الإسلامي بعد المصالحة بين السعودية وإيران قد تصبح كابوسًا للمسيحية. لا تريد الولايات المتحدة  وأوروبا وإسرائيل أن ترى المصالحة بينهما، ناهيك عن المصالحة بوساطة الصين. إذا لا تزال إدارة بايدن لديها أوهام لتحسين العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، فلا شك أن التحول الاستراتيجي للسعودية هذه المرة يمثل ضربة شديدة عليها.

ليس من الصعب أن نجد من الأحداث الثلاثة المذكورة أعلاه أن "انزلاق" العلاقات الأمريكية السعودية قد اشتد، ومن المرجح أن يعود بلينكن إلى واشنطن دون أي إنجاز. كما قوبلت زيارته باستقبال بارد في السعودية إذ لم تذكرها وسائل الإعلام المحلية كثيرا في العناوين الرئيسية، وبدا أنها أولت اهتماما أكبر بنجوم كرة القدم، مما أظهر بلا شك خيبة الأمل والاستياء من الشعب السعودي والأوساط الأكاديمية تجاه الولايات المتحدة.

يحب المحللون في جميع أنحاء العالم استخدام مصطلح "التحول الاستراتيجي" لوصف سلسلة من التحركات الدبلوماسية السعودية في الآونة الأخيرة. لكن أريد التأكيد أن هذا "التحول" ليس تحولا من قوة كبرى إلى أخرى، ولا من معسكر إلى آخر، ولا من أيديولوجية إلى أخرى، بل هو تحول من الهيمنة الأمريكية إلى العولمة وتعددية الأقطاب، ومن نظام البترودولار المتخلف إلى تجارة حرة متبادلة المنفعة، ومن الحروب الأهلية والانقسامات الماضية في العالم العربي إلى السلام والوحدة والاستقلال الذي يسود المنطقة حاليا.

بناءً على ما رأيتُه وسمعته، بما في ذلك ما قرأته على الإنترنت وما تحدثت عنه مع أصدقائي السعوديين، لمستُ تغيرات مادية وروحية هائلة شهدتها السعودية وشعبها في السنوات الأخيرة. وهذا النوع من التغير لا يمنحه أحد، بل تم الحصول عليه من خلال التنمية المستقلة والكفاح الدؤوب. طالما تزيل منطقة الشرق الأوسط تدريجياً العبء الثقيل، ألا وهو للولايات المتحدة، ستمشي على طريق التنمية والنهضة كحصان تركض في الصحراء في الأيام القديمة، وستصبح جزءا مهما في العالم متعدد الأقطاب. تجمع السعودية بين الثروات التاريخية والحديثة وبين الرؤية التقليدية والمستقبلية، فمن المحتم أن تؤدي دورا أكبر وأهم على المسرح الدولي.

كما قال مروان بيساهرا لـ"الجزيرة": يعتقد المزيد من شعوب الشرق الأوسط أن فك الارتباط بين الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط هو أمر مرغوب فيه ولا مفر منه. وفي ظل الوضع الدولي الراهن، حان الوقت للسعودية لتقول "مع السلامة يا الولايات المتحدة، أهلا وسهلا يا العالم"!

  

الكاتب محلل في الشؤون الدولية،

 ويكتب لصحيفة China Daily وصحيفة Global Times وإلخ.

 يمكن الاتصال به عبر الإيميل (xinping604@gmail.com)

 

بيان الخصوصية وسياسة ملفات تعريف الارتباط

من خلال الاستمرار في تصفح موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط ، وسياسة الخصوصية المنقحة .يمكنك تغيير إعدادات ملفات تعريف الارتباط من خلال متصفحك .
أوافق