تعليق ((شينخوا)): إساءة استخدام واشنطن لمفهوم "الأمن القومي" يؤدي إلى انعدام الأمن للجميع

عندما يتعلق الأمر بالتلاعب بمفهوم "الأمن القومي"، لا يمكن لأي دولة أن تضاهي الولايات المتحدة، فهي محترفة في ذلك بلا جدال وتستطيع اللعب ببراعة بورقة الضحية.

يعكف المتشددون تجاه الصين في واشنطن منذ فترة طويلة على شن حملة تشهير شاملة ضد أفراد صينيين، وشركات تكنولوجيا صينية عملاقة، والاقتصاد الصيني الأوسع. ويشتمل محتوى تركيبة التضليل النمطية هذه على "عمليات نصب منهجية من قبل الصين"، و"تهديد لأمننا القومي"، و"عقوبات مشروعة من جانب البيت الأبيض".

في الآونة الأخيرة، أخذ بعض الساسة الأمريكيين يغنون أغاني البلوز حول الاقتصاد الصيني وهم يشبهون السوق الصينية بحقل ألغام محتمل للشركات الأجنبية، متذمرين بشدة من الإجراءات المشروعة التي اتخذتها الصين لمكافحة التجسس وصون الأمن الوطني.

ما كانوا يلمحون إليه هو الحظر الذي فرضته الصين مؤخرا على مبيعات شركة أمريكية متخصصة في صناعة رقائق الذاكرة، فشلت في اجتياز مراجعة أمنية أجرتها هيئة تنظيم الفضاء السيبراني الصينية، وتبين أنها تشكل مخاطر جسيمة على سلاسل إمدادات البنية التحتية الحيوية للمعلومات في الصين.

فهم يحاولون من خلال إلقاء الوحل على الصين دون مبرر نقل فكرة سخيفة مفادها أنه عندما تتحدث أمريكا عن الأمن القومي، تصبح المسألة متعلقة بشواغل الأمن القومي، ولكن عندما يتحدث الآخرون عن الأمن، فالأمر لا يصبح كذلك.

من دواعي السخرية أن الولايات المتحدة هي التي تتلاعب منذ فترة طويلة بمفهوم الأمن القومي. فالمسؤول الفعلي عن الإكراه الاقتصادي أفرط مرارا في استخدم هذا المصطلح كذريعة لإساءة استخدام سلطة الدولة، حيث وضع أكثر من 1200 شركة صينية وفرد صيني على قوائم مختلفة وأخضعهم لمجموعة واسعة من القيود دون أي دليل ملموس على ارتكابهم مخالفات.

في السنوات الأخيرة، طمست الولايات المتحدة خطوط الأمن القومي باستخدام الإكراه الاقتصادي حتى تتمكن من اختلاق الأعذار لابتزاز الآخرين. وتتضمن مجموعة الأدوات الكبيرة التي تستخدمها الولايات المتحدة لضرب الآخرين، تكتيكات مثل العقوبات الاقتصادية، والحرمان من الوصول إلى الأسواق، وتجميد الأصول، والتحقيقات الحكومية، وحظر التكنولوجيا.

والآن تزداد حدة تركيز واشنطن على التلاعب بهذا المفهوم. ويبدو أن قائمة تهديدات الأمن القومي التي وضعتها أمريكا تزداد طولا بلا حسيب ولا رقيب. كما يعمل البيت الأبيض بنشاط على إرغام حلفائه على توسيع قوائم مخاوفهم الأمنية بما يتماشى مع مخاوف واشنطن.

إن تعظيم الأمن القومي لواشنطن له خاصيتان: الأولى تكمن في أنها تستطيع تحديد ماهية مشكلة الأمن القومي بالنسبة للولايات المتحدة دون أي دليل موثوق به؛ والثانية هي أنها على استعداد متزايد لاستخدام تلك الشواغل الأمنية الملفقة كذريعة للقيام بأعمال احتواء ضد بلدان أخرى.

وفي الوقت الذي تلعب فيه واشنطن دور الضحية، فإنها تستخدم مخاوف يومية مثل الأمن القومي لتسييس أو استغلال قضايا التجارة والتكنولوجيا، والضغط على الآخرين وابتزازهم لخدمة أجندتها الجيوسياسية. ومن خلال الاستفادة من نفوذها الاقتصادي والتكنولوجي، تستطيع واشنطن أن ترغم الشركات الأجنبية بفعالية على الامتثال لمطالبها.

في الواقع، بالنسبة لصناع القرار الأمريكيين، فإن أي تحد محتمل متصور للهيمنة الأمريكية العالمية هو مصدر قلق للأمن القومي. وصعود الصين في عالم التكنولوجيا يشكل أمرا مزعجا بطبيعة الحال.

ويسير منطق الولايات المتحدة بشأن الصين على هذا النحو: أريد سوقك، لكن عليك أن تبطئ من تطورك في مجال التكنولوجيا. فقد قامت واشنطن تحت ذريعة "الأمن القومي" بإدراج شركات صينية عاملة في مجال التكنولوجيا على القائمة السوداء وفرضت قيودا واسعة على بيع تكنولوجيا الرقائق المتقدمة للشركات الصينية، وهو ما أجبر العديد من حلفائها على الانغماس بشراهة في عملية الحصار التكنولوجي.

وهذه الممارسة القائمة على التمييز والتنمر تعوق بشكل خطير التجارة العادية والتبادلات والتعاون الاقتصاديين، وتنتهك قواعد السوق والنظام التجاري الدولي، وتخل باستقرار سلاسل الصناعة والإمداد على الصعيد العالمي.

والآن تؤثر رواية الأمن القومي "المنتشرة في كل مكان" أيضا على الاقتصاد الأمريكي. فقد حذر المطلعون في مجال الأعمال مرارا من أن الحكومة الأمريكية قد تقوم، من خلال إساءة استخدام هذا التكتيك، بإلحاق الضرر بهذه الصناعة، التي تسعى إلى حمايتها، من خلال عزلها فعليا عن الأسواق العالمية.

أما بالنسبة للصين، فهي انطلاقا من التزامها بالانفتاح القائم على الجودة، تفتح بابها على نطاق أوسع أمام الشركات العالمية وهي تسير على خط رفيع تحقق بشق الأنفس بين التنمية والأمن الوطني. إن مراجعة الصين المشروعة لأمن الفضاء السيبراني لا تستهدف أي دول أو منطقة بعينها، ولا تسعى إلى استبعاد تكنولوجيات أو منتجات من أي بلد بعينه.

وترمي الإجراءات التي اتخذتها الصين مؤخرا إلى تعزيز الأمن الوطني وتهيئة بيئة آمنة ومستقرة ضرورية لتنميتها المستدامة، الأمر الذي لن يحفز نمو الشركات الأجنبية فحسب، بل سيؤدي أيضا إلى تحسين مناخ الأعمال بوجه عام، مع تحسين حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمؤسسات من جميع البلدان العاملة في الصين.

والأرقام تتحدث عن نفسها. فقد ذكر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في تقرير الاستثمار العالمي لعام 2023 أن الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي انخفض بنسبة 12 في المائة العام الماضي، بينما ارتفعت التدفقات إلى الصين بنسبة 5 في المائة لتسجل رقما قياسيا قدره 189 مليار دولار أمريكي، تركزت بشكل رئيسي في الصناعات التحويلية وصناعات التكنولوجيا الفائقة.

وفي النصف الأول من هذا العام، شهدت الصين زيادة سريعة في الشركات حديثة التأسيس ذات الاستثمار الأجنبي. فقد بدأت نحو 24 ألف شركة أجنبية جديدة نشاطها في الصين خلال تلك الفترة الزمنية، وهو ما يمثل زيادة نسبتها 35.7 في المائة على أساس سنوي. وزادت الاستثمارات القادمة من الدول المتقدمة مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا بنسبة 173.3 في المائة.

وبغض النظر عن الكيفية التي يقوم بها المتشددون بتصوير الصين، هناك أمر واحد مؤكد: وهو أن الصين كانت وستظل محركا للنمو وسوقا جذابة لا يستطيع المستثمرون العالميون تجاهلها. فهي منفتحة دوما أمام الشركات الأجنبية التي تلتزم بالقانون وتتنافس بنزاهة.

وإن تلويث الساحة الاقتصادية والتكنولوجية العالمية لن يفيد أحدا.

بيان الخصوصية وسياسة ملفات تعريف الارتباط

من خلال الاستمرار في تصفح موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط ، وسياسة الخصوصية المنقحة .يمكنك تغيير إعدادات ملفات تعريف الارتباط من خلال متصفحك .
أوافق