تعليق: أمريكا... لص غير مقنع

في معظم الأعمال الأدبية، غالبا ما يتم تصوير اللصوص على أنهم أشخاص يرتدون أقنعة كرمز دلالة عليهم.

والمنطق وراء ارتداء قناع أثناء أعمال النهب يدل على أنه حتى أشد الأشخاص قسوة وخبثا ما زالوا يكنون تقديسا أساسيا للأعراف الاجتماعية، ويظهرون بعض الشعور بالخزي في مواجهة الإهانة والعار.

ولكن عند وصف تصرفات واشنطن المتمثلة في نهب النفط والموارد التي تذخر بها دول مثل سوريا، فإن الصورة التقليدية للص المقنع لا تتفق مع سلوكها.

السرقات التي ترتكبها الولايات المتحدة تختلف، في جوهرها، قليلا عن تلك التي يرتكبها قطاع الطرق التقليديون: فهي تقوم بالخداع والسرقة واللصوصية. والفارق الوحيد هو أن الولايات المتحدة نادرا ما تكلف نفسها عناء العمل سرا. فهي تتحاشى ارتداء الأقنعة، بل ويصل بها الحد إلى ارتداء الزي الرسمي لجمع الغنائم ورفع علمها لتأكيد هيمنتها.

وإذا كنتم ترغبون في العثور على تصوير مناسب يمكنه أن يجسد سلوك واشنطن المؤسف، فالتصوير الدقيق هنا سيكون لص غير مقنع.

ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية ((سانا)) أن القوات الأمريكية سرقت ونقلت بشكل غير قانوني كمية كبيرة من مادة النخالة والنفط من محافظة الحسكة شمال شرق سوريا إلى قواعدها في العراق.

في الواقع، يستخدم الجيش الأمريكي منذ فترة طويلة ارتالا من الشاحنات لسرقة النفط وغيره من الموارد في سوريا.

ووفقا لبيانات رسمية نشرتها سوريا، فإن أكثر من 80 في المائة من إنتاج البلاد من النفط في النصف الأول من عام 2022 قد نهبه الجيش الأمريكي والقوات المسلحة التي يدعمها.

إن هذه الأعمال الوقحة من سرقة الموارد في بلدان مثل سوريا تخدم غرضين.

أولهما، جني أرباح هائلة من خلال الاستيلاء على موارد قيمة. فوفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن سوريا في عام 2022، بلغ حجم الخسائر المباشرة الناجمة عن الهجمات التي شنتها القوات الأمريكية والميليشيات والكيانات الإرهابية التابعة لها على الأراضي السورية 25.9 مليار دولار أمريكي. ومن بين حجم الخسائر هذا، يمكن أن يُعزى مبلغ مذهل قدره 19.8 مليار دولار إلى نهب النفط والغاز والموارد المعدنية، في حين أن مبلغا إضافيا من الخسائر قدره 3.3 مليار دولار نجم عن تخريب المرافق ونهبها.

وثانيهما، حرمان الحكومات غير المطيعة من الموارد الحيوية، لعرقلة مساعيها الرامية إلى تحديث بنيتها التحتية، وتحسين حياة مواطنيها، ومواصلة التنمية الوطنية. وهذا النهب المتعمد للموارد من شأنه أن يعزز من هجمات واشنطن غير المبررة ضد هذه الحكومات المستهدفة، لأنها تصورها عادة على أنها عاجزة عن الحكم الفعّال بسبب عدم كفاية الموارد.

وليس غريبا على بقية العالم ذلك السلوك الذي تنتهجه واشنطن لخدمة مصالحها الذاتية باستغلال بلدان أخرى لتحقيق مكاسبها الخاصة. ففي الآونة الأخيرة، أفادت التقارير بأن الولايات المتحدة أذنت ببيع أسهم تابعة لشركة النفط المملوكة للدولة في فنزويلا، على الرغم من معارضة الحكومة الفنزويلية.

في نهبها لأفغانستان الفقيرة، جمدت الولايات المتحدة أصولها الخارجية منذ عام 2021، وتخطط لإعادة توجيه هذه الموارد لأغراضها الخاصة. إلى جانب ذلك، استولت على ناقلات نفط إيرانية على طرق التجارة الدولية، وتعيد النفط الإيراني خلسة إلى الولايات المتحدة لبيعه وتحاول إضفاء الشرعية على عمل اللصوصية هذا واصفا إياه بأنه "واردات".

وبينما تسعى الولايات المتحدة إلى تنفيذ أجندتها السياسية من خلال مناورات مدروسة، فإن السكان المحليين هم الذين يتحملون العبء الأكبر.

طوال الأزمة السورية التي طال أمدها، كانت الخسائر في الأرواح مروعة، حيث سُجلت ما لا يقل عن 350 ألف حالة إصابة، ويعاني جزء كبير من البالغين حالة من العوز حيث صاروا بالفعل تحت خط الفقر. ويعتمد ثلثا السكان على المعونة الإنسانية كشريان للحياة، بينما يفتقر أكثر من نصفهم إلى إمكانية الحصول على الغذاء بشكل موثوق، وهو ما يجعلهم عرضة للجوع وانعدام الأمن.

والواقع أن واشنطن، عند وقوفها أمام المرآة، ربما لا تزال عازفة عن فهم سبب رؤيتها كدولة ناهبة خسيسة في أعين العالم. وفي هذا الإطار، عبر المواطن السوري علي عيسى عن أسفه قائلا "إن أمريكا هي العدو الأعظم لسوريا. جاءت إلى سوريا بذريعة مكافحة الإرهاب، ولكن في الواقع، نهبت قمحنا ونفطنا... أمريكا هي عدو الجميع".

بيان الخصوصية وسياسة ملفات تعريف الارتباط

من خلال الاستمرار في تصفح موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط ، وسياسة الخصوصية المنقحة .يمكنك تغيير إعدادات ملفات تعريف الارتباط من خلال متصفحك .
أوافق