اتخذت الصين والمجر قرارا يوم الخميس بترقية علاقاتهما الثنائية إلى مستوى شراكة استراتيجية شاملة في كل الأحوال في العصر الجديد، وهو ما يمثل أحدث خطوة في جهود الصين لتعميق التعاون مع دول وسط وشرق أوروبا.
جاء الإعلان عن هذا القرار خلال زيارة الدولة التي أجراها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المجر، وهي آخر محطة في جولته الأوروبية التي شملت ثلاث دول.
وجاء هذا القرار بعد يوم واحد من اتخاذ الصين وصربيا قرارا ببناء مجتمع مصير مشترك، وهو ما يعد ترقية لعلاقاتهما من الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تأسست قبل ثماني سنوات.
إن إدراج صربيا والمجر -الدولتين الرئيسيتين في وسط وشرق أوروبا- في أولى جولات شي الخارجية لهذا العام وأول زيارة يقوم بها لأوروبا منذ ما يقرب من خمس سنوات، يؤكد التزام الصين بتعزيز التعاون مع هذه المنطقة.
وخلال محادثاته مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان هنا يوم الخميس، قال شي إن التعاون بين الصين ودول وسط وشرق أوروبا يتمتع بزخم داخلي قوي، معربا عن أمله في أن تواصل المجر لعب دور مهم في تعزيز التعاون بين الصين ودول وسط وشرق أوروبا بما يصب في صالح شعوب الجانبين.
وأضاف شي أن العلاقات الصينية-المجرية تمر حاليا بأفضل فتراتها في التاريخ وقد حافظت شراكتهما الاستراتيجية الشاملة على مستويات عالية من التطور، مشيرا إلى أنه مع تعميق الثقة السياسية المتبادلة والتعاون المثمر في مختلف المجالات، وضع البلدان نموذجا لبناء نمط جديد من العلاقات الدولية.
تعد معظم دول وسط وشرق أوروبا أسواقا ناشئة تتمتع بإمكانات كبيرة،، لا سيما في مجالي الارتباطية والاستثمار في الطاقة.
من خلال تضافر نقاط قوة دول وسط وشرق أوروبا مع الصين منذ عام 2012، دفع التعاون الأعمق بينهما التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدى هذه الدول، وعزز أيضا عملية التكامل الأوروبي.
وقد جرى تعزيز هذه المواءمة الاستراتيجية من خلال تدفقات استثمارية قوية؛ إذ أنه في الفترة من يناير حتى مارس 2024 فقط، ارتفعت استثمارات الصين في دول وسط وشرق أوروبا بنسبة 36.35 بالمئة مقارنة بالعام السابق، لتصل إلى حوالي 450 مليون دولار أمريكي. وحتى مارس 2024، ارتفع الإجمالي التراكمي للاستثمارات الصينية في منطقة وسط وشرق أوروبا إلى 5.2 مليار دولار.
وخلال مقابلة مع وكالة أنباء ((شينخوا))، قال وزير الاقتصاد الوطني المجري مارتون ناجي: دعونا نأخذ المجر كمثال؛ تمكنت المجر في عام 2023 من جذب إجمالي 13 مليار يورو (حوالي 13.86 مليار دولار) من الاستثمار الأجنبي المباشر، منها حوالي 8 مليارات يورو (حوالي 8.53 مليار دولار) من الصين.
وأعرب ناجي عن تطلع الجانب المجري إلى مزيد من التعاون مع الصين في مجالات التجارة الخارجية والاستثمار الرأسمالي والبنية التحتية والخدمات اللوجستية والذكاء الاصطناعي والطاقة الجديدة، من بين مجالات أخرى.
وقالت يلينا غروبور ستيفانوفيتش، مديرة المكتب التمثيلي لغرفة التجارة والصناعة الصربية في الصين، إن هذا هو الحال أيضا بالنسبة لصربيا، "فخلال العامين الماضيين، برزت الصين كأكبر مستثمر أجنبي مباشر في صربيا، ما جلب العديد من المنافع للبلاد".
وقالت ستيفانوفيتش إن "صربيا تتمتع الآن بالمزيد من الفرص لتركيز جهودها بشكل منهجي على جذب استثمارات من الصين في قطاعات صناعية ذات قيمة مضافة عالية مثل علوم الحياة والاقتصاد الرقمي وصناعة السيارات وقطاع الزراعة الذكية، إلى جانب التنمية الخضراء".
وأضافت أن مثل هذه الاستثمارات، إلى جانب المشروعات التعاونية في إطار مبادرة الحزام والطريق مثل خط سكة حديد بلجراد-بودابست وميناء بيرايوس في اليونان، تواصل إفادة الشعوب في منطقة وسط وشرق أوروبا.
وقالت إيفونا لاجيفاس، نائبة مدير معهد السياسة والاقتصاد الدولي في صربيا، إن تعاون الحزام والطريق قدم لصربيا فرصا مهمة لتعزيز الارتباطية وتعزيز التنمية الاقتصادية مع دول الجوار.
وأضافت لاجيفاس أن مشروعات البنية التحتية الرئيسية، مثل مشروع خط سكة حديد بلجراد-بودابست، ومشروع الطريق السريع (إي 763)، عززت مكانة صربيا كمركز إقليمي للنقل.
وتتكشف زيارة شي إلى أوروبا في الوقت الذي تناور فيه واشنطن لحشد حلفائها في أوروبا من أجل ما يسمى "إزالة المخاطر" من الصين وإبطاء تقدم البلاد في مجال التكنولوجيا الفائقة، إلى جانب تصاعد خطاب الحمائية فيما يتعلق بما يسمى "القدرة الإنتاجية المفرطة الصينية" في قطاعات الطاقة النظيفة.
وقالت تشن فنغ ينغ، الباحثة في معاهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، إن تعزيز تعاون الصين مع صربيا والمجر حفز النمو الاقتصادي المحلي ورفع مستويات المعيشة.
وأضافت تشن أن هذا النجاح يعد مثالا مقنعا على الفوائد الملموسة التي تم الحصول عليها من خلال إقامة شراكات مع الصين ومن خلال تحقيق تقدم جماعي.
وأشارت إلى أن مثل هذا الإنجاز كان له أيضا تأثير ملهم وتحفيزي ملحوظ على الدول الأخرى بمنطقة وسط وشرق أوروبا.