رحلة ثقافية إلى غرب الصين

هل تعرف كم عدد القوميات التي تعتنق الإسلام في غرب الصين ؟ وأذكر اسم أكبر مسجد في الصين.

إذا انطلقت من مدينة شيآن حاضرة مقاطعة شانشي وإحدى العواصم القديمة بالصين وتتجه إلى شمالها الغربي، فستصادف الكثير من الرجال يضعون على رؤوسهم أغطية بيضاء ومزيدا من المطاعم التي تحمل لوحات كتب عليها "المطعم الإسلامي"، ويدل ذلك على أنك قد دخلت في المناطق الواسعة المكتظة بالمسلمين الصينيين. إن أصحاب أغطية الرأس البيضاء هم أبناء قومية هوي المسلمة الصينية، وهي إحدى الأقليات القومية العشر التي تعتنق الدين الإسلامي في الصين. يقيم معظم أبناء القوميات العشر الذين يعتنقون الدين الإسلامي في المناطق الغربية بالصين. ومن بين هذه القوميات، يكون عدد أبناء قوميتي هوي والويغور أكثر نسبيا.

أبناء قومية هوي في مدينة شيآن

يقطن أبناء قومية هوي بشكل رئيسي في منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي ومقاطعتي تشينغهاي وقانسو، أما أبناء قومية الويغور فيكتظون في منطقة شينجيانغ الذاتية الحكم لقومية الويغور. وبالإضافة إلى هاتين القوميتين تعتنق الإسلام قوميات القازاق والقرغيز والأوزبيك والطاجيك وغيرها. يعتنق أبناء هذه القوميات العشر دينا واحدا، ولكن لكل قومية ثقافتها الفريدة وعاداتها وتقاليدها المتميزة.

يوجد في الصين عدد غير قليل من باحثي الثقافة الإسلامية، والسيد هوانغ تينغ هوي واحد منهم. يعمل في معهد علوم القوميات التابع لأكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية. ظل السيد هوانغ تينغ هوي منهمكا في بحوث الثقافة الإسلامية. وقال لمراسلنا إنه إذا أراد أي شخص معرفة الثقافة الإسلامية في الصين، فعليه زيارة منطقة نينغشيا ومقاطعة قانسو أولا للتعرف عن كثب على حياة وثقافة المسلمين هناك، ثم يزور منطقة شينجيانغ لكشف خصائصها المتميزة.

بسبب اختلاف المناطق جغرافيا، تشكل في الصين نظامان للثقافة الإسلامية هما ثقافة الويغور الإسلامية التي تمثلها قومية الويغور وثقافة هوي الإسلامية التي تمثلها قومية هوي. تعتبر ثقافة هوي الإسلامية وليدا لثقافة هوي الإسلامية وثقافة قومية هان – القومية الأغلبية في الصين، أما ثقافة شينجيانغ فهي نتاج للثقافتين الإسلامية والتركية.

إذن ، فلنزر أولا مدينة يينتشوان حاضرة منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي المسلمة.

مسجد نان قوان

يقع في مدينة يينتشوان مسجد مشهور اسمه مسجد نان قوان. يتميز بناء هذا المسجد بالأسلوب المعماري العربي الواضح، وتلفت القبة الخضراء الكبيرة فوق قاعة الصلاة الرئيسية أنظار الكثير من الناس. وعلى قمة القبة هلال هادئ يتجه إلى السماء. وعلى كل ركن من الأركان الأربعة لسقف القاعة قبة صغيرة.

بني مسجد نان قوان في ثمانينات القرن الماضي. رغم خلو قاعة الصلاة من مظاهر الزينة الكثيرة والنقوش والرسومات، إلا أن المسجد مجهز بكل المرافق اللازمة مثل حمامات النساء والرجال وقاعات الصلاة الصغيرة وغرفة الراحة للأئمة وقاعة الاستقبال، ويتصل ببعضها البعض عبر ممرات مسقوفة . ويمكن للسياح زيارة المسجد في غير أوقات الصلاة.

شأن مسجد نان قوان شأن مساجد أخرى في مناطق مكتظة بالمسلمين في الصين، تكون للمسجد أدوار متعددة، فهو ليس موقعا رئيسيا لتأدية المسلمين واجباتهم الدينية فحسب، بل هو مكان لممارسة المسلمين نشاطات اجتماعية أخرى أيضا.

ربما هذا فرق رئيسي بين مساجد الدول العربية والمساجد في الصين، ويمكن القول بأنه ميزة من ميزات الثقافة الإسلامية في الصين.

وهناك ميزة أخرى لثقافة هوي الإسلامية حيث استفادت من المذهب الكونفوشيوسي لقومية هان – القومية الأكثر عددا في الصين. وبما أن المذهب الكونفوشيوسي التقليدي الصيني فرض قيودا كثيرة نسبيا على تصرفات الناس. يرى البعض أن سبب عدم إجادة أبناء قومية هوي الرقص والغناء مثل أبناء قومية الويغور هو نتاج تأثيرات المذهب الكونفوشيوس لمدة طويلة من الزمن.

الآن وصلنا إلى منطقة شينجيانغ الذاتية الحكم لقومية الويغور.

أبناء قومية الويغور

وإذا زرت منطقة شينجيانغ الصينية، فسترافقك موسيقى وأغان ذات نغمات سريعة طوال رحلتك. ومن المعروف أن قومية الويغور إحدى القوميات التي تحب وتجيد الرقص والغناء في الصين.

هناك اختلافات كثيرة بين أبناء قوميتي هوي والويغور، بالإضافة إلى طبيعتهم المختلفة يمكننا أن نجد الاختلاف من ملابسهم مثلا غالبا ما يلبس رجال قومية هوي قبعة بيضاء غير أن رجال قومية الويغور يحبون قبعة مربعة مزينة بخطوط خضراء .

إن كلمة "مقامات" مأخوذة أصلا من اللغة العربية. وتعتبر المقامات الاثني عشر عملا نموذجيا لفنون غناء ورقص قومية الويغور وهي طاقم موسيقي شامل يتكون من اثني عشر جزءا . إن المقام لا يضم موسيقى فقط بل يشمل رقصا منسجما مع الموسيقى.

المقامات الاثني عشر

ظهرت المقامات الاثني عشر في القرن الثاني عشر أو قبله، وكانت تنتشر في مناطق آسيا الوسطى وهضبة إيران في القرن الثالث عشر. وبعد ذلك، سميت هذه الموسيقى بكلمة عربية هي "مقام" ، كما سميت عناوين الأجزاء الاثني عشر بكلمات عربية أو فارسية مثل نهاوند وحجاز وسيكا ودشت وغيرها.

حينما نتحدث عن المسلمين في شينجيانغ، لا بد أن نذكر المساجد. لأنها لا يمكن الاستغناء عنها في حياة المسلمين. يوجد في شينجيانغ أكبر وأشهر مسجد في الصين اسمه عيد خا، ويقع هذا المسجد في مدينة كاشغر جنوب شينجيانغ. بني قبل أكثر من خمسمائة سنة، ويتمتع بشهرة عالية في مناطق وسط وجنوب آسيا.

وعلى جانبي مسجد عيد خا شمالا وجنوبا ست وثلاثون قاعة لإلقاء الخطب، وفي كل يوم يأتي إلى هذا المسجد آلاف المسلمين لتأدية الصلاة ، أما في يوم الجمعة، فغالبا ما يكتظ المسجد بستة أو سبعة آلاف مسلم. وبعد تأدية المسلمين الصلاة، يجتمعون رجالا أو نساء كبارا أو صغارا في الميدان أمام المسجد ليسلموا على بعضهم البعض، ثم يبدأون الأناشيد والغناء والرقص الجماعي للتمتع بالحياة السعيدة.

مسجد عيد خا

قدمنا قبل قليل موجز أحوال المسلمين المقيمين في شمال غربي الصين والذين تمثلهم قوميتا هوي والويغور. وفي الواقع أنه بالإضافة إلى ثقافتها الإسلامية ذات الخصائص الصينية، توجد في شمال غربي الصين مناظر طبيعية كثيرة ومتنوعة وآثار تاريخية نفيسة جدا تستحق زيارة السياح.

وتوجد هناك ثاني أكبر صحراء في العالم – صحراء تاكلاماقان ومروج واسعة وبحيرات على الجبال وموقعا لولان ونييا الأثريان المشهوران في العالم.

وأثق بأن العرب يعرفون جيدا طريق الحرير القديم. فإذا أتيحت لك الفرصة فأقترح عليك أن تنطلق من مدينة شيآن حاضرة مقاطعة شانشي وتعبر مناطق شمال غربي الصين سيرا على طريق الحرير القديم، هكذا ستتاح أمامك فرصة يحسدك الآخرون عليها بلا شك.