CRI Online

حُلمُ الصِّين في خَنَانْ

cri       (GMT+08:00) 2013-10-09 10:44:13

بقلم مروان سوداح رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين – تشنتشو

عندما تصل الى منطقة خَنَانْ، وتسمى أيضاً مقاطعة، ويَعني الإسم المدينة الواقعة جنوبي النهر الأصفر، تشمخ أمامك بنايات عصرية وعاصمتها الراقية تشنتشو، فتخال بأنك في دولة أُوروبية غربية، لكنك تُدرك بأنك لا تزال في الصين بما تراه مِن طقوس آسيوية في الأماكن العامة، وألوان الزينة الصينية التقليدية الكثيرة التي تملأ المَحَال وواجهاتها، وبرغم الصورة الحضارية المتطورة هذه، كان المسؤولون الصينيون قد اعتذروا مسبقاً للوفد العربي الضيف، بأن المنطقة أقل تحضّراً وتطوّراً من بكين والمناطق الأخرى الشرقية في الصين، التي شهدت عملية تاريخية لتنفيذ النقلة النوعية والمرحلية الاولى في الاقتصاد الصيني بلا تردد وبدون تراجع ولا مُمَاحَكات أو جدل بيزنطي مُعِيق. فهناك في المناطق الشرقية والساحلية المنفتحة على العالم، بدأت عملية إصلاح وإنفتاح منذ العام 1978، بعد اعتناق الشعب الصيني لأيديولوجية الفيلسوف والقائد دنغ شياو بنغ الحكيم والداعي أنذاك الى تسريع التطور بشرط ملازمته للانضباطية في مختلف المجالات وشروعه بإرساء قاعدة مادية عملاقة للإنتاج الضخم، أولاً في منطقة واحدة ومحددة بأهداف أستكشافية، لينتقل بعدها الى أُخرى حال نجاح عملية الإزاحة التدريجية لمُخلّفات الماضي والفَقر والأسى المتوارث، ليُحَّلَ محله العمل وقيمته الكبرى والتطور فالكفاية المادية والمَسّرة.

تفخر خَنَاْن بأنها جذر الحضارة الصينية، وقد اكتشفنا فيها إزدهاراً كبيراً، ولاحظنا بأن وصف المسؤولين الصينيين لها بأنها أقل تطوراً هو من عاداتهم الحميدة كبسطاء. ففيها وُلِدت وتطوّرت وازدهرت الحضارة الصينية، ومنها انتشرت. وخَنَاْن هي من أولى المناطق الصينية التي ساندت حركة الإصلاح والإنفتاح و"الإنتقال الى الأمام". فقد أدركت المنطقة بسرعة أهمية هذه الحركة، والتقطت الرسالة التطورية بلا إبطاء، ويُعتبر شعبها واحداً مِن المًسرِّعين للإقلاع الحضاري والثقافي وتجديد الحياة الإجتماعية، الى ذلك الأكثر إنتاجاً وعَملاً، أضف اليه أنها شهيرة بنظافتها وترتيبها وانضباطية ناسها وتناسق عمائرها بصورة تبعث على الفخار والتأمّل، دونما توقف ولا ملل. ففي ربوعها تستشعر بأن التعمير الواسع الجاري في سَهلِهَا ليس هدفاُ بحد ذاته، بل أنه عملية سيكولوجية وسوسيولوجية متصلة ومتناغمة ومُحفِّزة الى مزيدٍ من العملِ في ظلال الإنسجام اللوني والنفسي للعناصر البشرية والمادية والروحية للمجتمع الخناني برمته.

خلال اجتماعنا مع الرفيق دنغ كاي، نائب أمين منظمة الحزب الشيوعي الصيني في المنطقة، وصحبه من المسؤولين وعددهم خمسة قادة محليين، علمنا الكثير ورأينا العديد من المؤسسات الإنتاجية الخنانية والمجمّعات الرياضية الثقافية والمدارس والمنطقة السكنية الجديدة، وهي بحق مدينة متكاملة، أُقيمت على عجلٍ، وتتسع لعدة ملايين من المواطنين، وتم تجهزها بكامل البنية التحتية والثقافية والتعليمية والصناعية والخدمية الخ، إضافة الى المتاحف التي تعرض للُقيّات مادية تحكي تاريخ الصين والمنطقة منذ أكثر من خمسة آلاف سنة. ومن المعلومات التي دونتها مِن فِيِهِ المتحدث دنغ كاي، وهي لافتة، أن خَنَاْن مقاطعة إقتصادية هامة جداً في قِوام الصين، وتبلغ مساحتها 165 ألف كم مربع، ويَصل عديد سكانها الى 105 ملايين نسمة فقط"!"؛ وقد حكمتها عشرون عائلة ملكية بانية فيها الحضارة وناشرة الثقافة، ويُصنفها الأثريون بأنها الثالثة على مستوى العالم في مجالها التاريخي. وفي "حقل الخبز"، تعتبر خَنَاْن أهراء الصين، فهي تُنتج خمسون مليار كغم/ قمح/سنة، ويُخصص كل رابع رغيف يُخبز في أفرانها لإطعام ضيوفها الأجانب. وفي التصنيع، تزدهر المنطقة أيضاً، وتُصنّف خامسةً في العملية الصناعية على مستوى مقاطعات ومناطق الصين، وبلغ دخلها في العام الماضي 2012، أكثر من 3 تريليونات "يوان"، ووصل طول الطرق العريضة فيها الى 6 آلاف كم، ويتوافر في إطاراتها 168 طريق سريع. وفي آذار من العام الحالي، وافقت الحكومة الصينية المركزية على بناء "منطقة إختبارية" في خنان مساحتها 400 كم مربع.. فقط!، مهمتها تحويل النمو الاقتصادي المتميز الى كل المنطقة وإشاعته فيها، وربط القرى والأرياف بها، رغبة بـ.. "تَمدِين الرِّيف" فيها، أي جعله متطوراً يُحاكي المدينة، وبالتالي التخفيف من هجرة القرويين للمدن، في حثيثة محاولة لوقفه نهائياً. لذا، فقد أُعلن عن خطة طموحة للغاية ستجعل من المنطقة متطورة الى الدرجة الأعلى، كدولة هي من الأكثر إزدهاراً في أوروبا والعالم، وهو الحُلم الصيني المذهل ذاته القابل للتطبيق والترجمة مِن فكرة الى واقع يومي مُعَاش دون أي تلكؤ.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي