CRI Online

يوميات - أدب عربي في الصين

cri       (GMT+08:00) 2013-12-19 15:15:10

محمد علي فرحات

السبت ١٤ ديسمبر ٢٠١٣الجمعة 6/12/2013: القناع والوجه

نرى من الصين قناعها، الوجه الموحد بعيداً والحكمة الغامضة، تصل إليها متعباً وتغادر أكثر تعباً، هكذا تتخيل الرحلة قبل بدئها فتتهيّب.

ولكن، لا بعيد هذه الأيام، والمسافة تطول أو تقصر بقدر المعرفة، تلتقي الحضارات والأفراد عند تقاطعات عدة، وتوضع على الطاولات مشاريع مادية وتفاهمات فكرية ومناجيات.

المطار عالمي والطريق السريع والفندق، أين الصين في بكين؟ قد تراها في ما تبقى من أحياء قديمة لكنك تراها بالتأكيد في «القصور المحرمة» حيث كان الأباطرة يحكمون مملكتهم ذات الامتداد الآسيوي والحضور القوي في نزاعات العالم القديم.

صورة ماوتسي تونغ وحيدة فوق أحد الأبواب. قيل انه كان يعتزم اتخاذ القصور المحرمة مقراً بعد نجاح مسيرته الثورية والقضاء على الحكم الوطني الذي كان يرأسه تشان كاي تشيك الذي يجمع الصينيون على أنه نقلهم من القرون الوسطى إلى الحداثة.

لأمر ما تراجع ماو عن الإقامة في القصور المحرمة، ويردد بعضهم أن عرافاً نصحه بذلك وحذره من أن الإقامة هذه ستقصر عمره وعمر حكمه الثوري. هذا يعني أن ماو المغرق في ماديته كان يستشير عرافين، وقد نجد هنا تفسيراً لميوله الشعرية التي لم تنتج سوى قصائد محدودة الخيال.

سياح صينيون وأجانب في القصور المحرمة، بالمئات ولا نخطئ إذا قلنا بالآلاف، يمشون على الأقدام ساعة ونصف الساعة أو أكثر قليلاً.

والممرات البازلتية تختلف درجات لونها من الرمادي إلى الأسود، محددة بذلك طبقات المارة، ففي الوسط يمشي الإمبراطور وأنسباؤه، وعلى الطرفين الحاشية، وفي أقصى الطرفين الخصيان الذين يخدمون النساء ولا يشكلون خطراً. هناك 999 غرفة في مجموعتي القصور، المجموعة الأولى الأمامية لإدارة الحكم والثانية الخلفية للإقامة العائلية. (الرقم 9 هو رقم الحظ في الصين).

تحف معمارية حرم عامة الناس من زيارتها منذ القرن الخامس عشر الميلادي وحتى عام 1925 عندما فتح الحكم الوطني أبوابها للراغبين. وأدى التحريم إلى تغليف القصور بغلالات من الأساطير، بعضها يربط هندستها بمواقع لنجوم الحظ والسعد.

يكتفي أهل بكين من تراثهم بالقصور المحرمة لأنهم مشغولون بالتحديث المتسارع الذي يلفت نظر العالم، تحديث يجمع الحكم الشيوعي وإدارته الصارمة بالاقتصاد المفتوح وتراكم رأس المال والاستثمارات. إنها تجربة اللقاء غير المسبوق بين الضبط والإطلاق، خصوصاً لجهة سياسة الطفل الواحد، التي بدأ تطبيقها في ثمانينات القرن الماضي فحدّت من النمو السكاني وساعدت في العبور من مرحلة موجات الجوع إلى ترسيخ الصين كثاني اقتصاد في العالم.

يمكن المجتمعات الأخرى أن تستفيد من التجربة لا أن تنقلها حرفياً، لأن صين اليوم تقدّر الاختلافات الحضارية لدى تطبيق نظم سياسية واقتصادية، بعدما تسبب التعميم و «التوحيد» في تخريب مجتمعات أثناء السعي إلى إنهاضها.


1 2 3 4
أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي