كلمة رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جينبينغ في الجلسة الختامية لمنتدى الأعمال لدول البريكس عام 2023

فخامة الرئيس سيريل رامافوزا المحترم،

الأصدقاء من أوساط الأعمال،

السيدات والسادة والأصدقاء،

    يطيب لي أن أتقدم بالتهنئة على نجاح منتدى الأعمال لدول البريكس في جنوب إفريقيا!

    قبل 10 سنوات، شاهدنا أنا وقادة دول البريكس الأخرى ولادة مجلس الأعمال لدول البريكس في جنوب إفريقيا. على مدى 10 سنوات مضت، لم تنسى أوساط الأعمال لدول البريكس  الغاية الأصلية، بل وانتهزت الفرص لتعميق التعاون، مما قدم مساهمة إيجابية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول البريكس، وأضفى طاقة إيجابية على نمو الاقتصاد العالمي.

     في الوقت الراهن، تطرأ تغيرات على العالم والعصر والتاريخ بشكل غير مسبوق، ويقف المجتمع البشري عند مفترق الطرق الحاسم. هل نتمسك بالتعاون والتمازج، أو نتجه نحو الانقسام والمواجهة؟ هل نعمل سويا على الحفاظ على السلام والاستقرار، أو ننزلق إلى هاوية "الحرب الباردة الجديدة"؟ هل نحقق الازدهار من خلال الانفتاح والتسامح، أو نقع في الركود في ظل الطغيان والتنمر؟ هل نعزز الثقة المتبادلة عبر التواصل والاستفادة التبادلة، أو نسمح للكبرياء والانحياز أن يحجبان الضمير؟ يكون اتجاه تأرجح بندول التاريخ مرهونا بقرارنا.

 "مواكبة العصر تسهل الجهود." كانت الإنجازات الملحوظة التي حققتها البشرية في التنمية الاقتصادية والبناء الاجتماعي خلال العقود الماضية يرجع سببها إلى أن البشرية اتعظت من دروس الحربين العالميتين والحرب الباردة، وواكبت التيار التاريخي للعولمة الاقتصادية وفتحت طريقا مستقيما قائما على الانفتاح والتنمية والتعاون للكسب المشترك. يعد عالم اليوم مجتمعا للمستقبل المشترك يتقاسم فيه جميع البلدان السراء والضراء. إن ما يتطلع إليه شعوب العالم ليس "الحرب الباردة الجديدة" أو "الدوائر الضيقة"، بل وهو عالم يسوده السلام الدائم والأمن للجميع، وعالم ينعم من الازدهار المشترك والانفتاح والتسامح والنظافة والجمال، وذلك يمثل منطقا لتقدم التاريخ وتوجها لتطور العصر.

طرحت رؤية بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية قبل 10 سنوات، بغية دفع كافة الدول لبناء كوكب الأرض الذي نعيش فيه كعائلة كبيرة متناغمة. في وجه الاختبارات الخطيرة التي أتت بها العواصف أو الأعاصير، من الضروري أن تلتزم دول العالم بالرؤية الصحيحة تجاه العالم والتاريخ والوضع العام، وتترجم مفاهيم مجتمع المستقبل المشترك للبشرية في الخطوات الملموسة، وتنفذ رؤيته على أرض الواقع.

-- علينا أن نعزز التنمية والازدهار المشتركين. كانت معظم الأسواق الناشئة والدول النامية تتمكن من الخروج من مستنقع الاستعمار الماضي. وحققنا الاستقلال الوطني بالجهود الشاقة والتضحيات الهائلة، ونستمر في استكشاف طرق تنموية تتماشى مع ظروفنا الوطنية. كل ما فعلناه يرمي في نهاية المطاف إلى تأمين حياة سعيدة للشعب. لكن لا تقبل بعض الدول فقدان هيمنتها، وتقوم بتضييق وقمع الأسواق الناشئة والدول النامية بشكل تعسفي، وهي تقوم باحتواء كل من ينمو جيدا، وتضيق كل من يكاد اللحاق بها. قد قلت لأكثر من مرة إن من يطفئ مصابيح الآخرين لا يحصل على ضوء إضافي.

لكل بلد الحق في التنمية، ولشعوب الدول الحرية للسعي وراء الحياة السعيدة. طرحت مبادرة التنمية العالمية، بهدف دفع المجتمع الدولي لسلك طريق التنمية المشتركة وإحياء أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة عام 2030. الآن، بفضل دعم الدول، تتقدم مبادرة التنمية العالمية على نحو معمق وملموس يوما بعد يوم، وتنفذ مشاريع التعاون في كافة المجالات بشكل مزدهر. إن الجانب الصيني على استعداد للعمل مع جميع الدول على الإسراع في دفع التعاون في إطار المبادرة، وتعزيز القوة الدافعة للتنمية العالمية، والدفع بإصلاح منظمة التجارة العالمية على نحو شامل ومعمق، ومواجهة التحديات المشتركة، وتعزيز رفاهية شعوب الدول.

-- علينا أن نعمل على تحقيق الأمن للجميع.، لم ينعم العالم بالأمن والسلام في السنوات الأخيرة، إذ أن كثيرا من الدول والمناطق تعاني بما فيه الكفاية من الحروب والاضطرابات والنزوح والتشرد لشعوبها. يأمل المجتمع الدولي باللحاح في اجتثاث جذور الصراعات والحروب وإيجاد الحل الجذري لتحقيق الأمن والأمان الدائمين في العالم. وأثبتت الحقائق أن مواصلة توسيع التحالفات العسكرية وزيادة مناطق النفوذ وتضييق الفضاء الأمني للدول الأخرى، لأمر سيؤدي حتما إلى الوقوع في المأزق الأمني وانعدام الأمن لكافة الدول. لن يكون هناك طريق الأمن للجميع إلا بالتمسك بمفهوم الأمن الجديد المشترك والشامل والتعاوني والمستدام.

في العام الماضي، طرحت مبادرة الأمن العالمي، التي لاقت دعما من أكثر من 100 دولة ومنظمة دولية. إن الجانب الصيني على استعداد للعمل مع كافة الأطراف على تنفيذ مبادرة الأمن العالمي على أرض الواقع، مع التمسك بالحوار بدلا من المجابهة، والترافق بدلا من التحالف، والكسب المشترك بدلا من المحصلة الصفرية، وبذل جهود مشتركة لبناء مجتمع الأمن المشترك.

-- علينا أن نتمسك بالتواصل وتبادل الاستفادة بين الحضارات. زهرة واحدة لا ُتظهر جمال الربيع، بينما الزهور من الأصناف المختلفة المنفتحة تجعل العالم مفعما بحيوية الربيع. إن التنوع هو من طبيعة الحضارة البشرية. بما أن دول العالم تختلف عن بعضها البعض من حيث التاريخ والثقافة والنظام، فهي تحتاج بشكل أكثر إلى التواصل وتبادل الاستفادة والتعلم وتحقيق التقدم المشترك. أما التضخيم المتعمد للتناقضات بين ما يسمى بـ"الديمقراطية والسلطاوية" وبين "الحرية والدكتاتورية"، لا يؤدي إلا إلى انقسام العالم والصراعات بين الحضارات.

طرحت مبادرة الحضارة العالمية، التي تؤكد على تعزيز التنوع الحضاري في العالم وتكريس القيم المشتركة للبشرية جمعاء وتعزيز التواصل والتعاون على الصعيد الإنساني والثقافي. يرحب الجانب الصيني بدول العالم للمشاركة النشطة في التعاون في إطار المبادرة، بغية تفعيل تبارى الحضارات المختلفة مثل تفتح الزهور المختلفة، وكسر حواجز التواصل، وتوارث الحضارة البشرية إلى الأجيال المقبلة.

السيدات والسادة والأصدقاء!

"التغيرات هي طبيعة الدنيا." في عصرنا الحالي، إن الصعود الجماعي  لدول الأسواق الناشئة والدول النامية مثل دول البريكس، يغير الخارطة العالمية بشكل جذري، إذ بلغت نسبة المساهمة لدول الأسواق الناشئة والدول النامية في النمو الاقتصادي العالمي خلال العقدين الماضيين 80%، وارتفعت حصتها من إجمالي الناتج المحلي للعالم من 24% إلى أكثر من 40% خلال العقود الأربعة الماضية. "لا تستطيع الجبال منع مياه الأنهار من التدفق إلى البحر." ستتنامى وتزدهر دول البريكس كقوة إيجابية ومستقرة وساعية إلى الحسنات، مهما كان حجم العوائق. سنستمر في تعميق علاقات الشراكة الاستراتيجية للبريكس، وتوسيع نموذج "البريكس +"، والعمل على توسيع العضوية لها، وتعميق التضامن والتعاون مع بقية دول الأسواق الناشئة والدول النامية، وتعزيز تعددية الأقطاب للعالم ودمقرطة العلاقات الدولية، والدفع بتطور النظام الدولي نحو اتجاه أكثر عدلا وإنصافا. اليوم، تجتمع  دول البريكس في جنوب إفريقيا مع أكثر من 50 دولة، لا بهدف كسب أحد للاصطفاف أو إثارة المواجهة بين المعسكرات، بل بهدف إقامة معادلة عامة للسلام والتنمية. يسعدني أن أرى أن أكثر من 20 دولة تدق باب البريكس، ويرحب الجانب الصيني بها بكل الإخلاص للانضمام إلى آلية التعاون للبريكس!

السيدات والسادة والأصدقاء،

تنتهج الصين بحزم السياسة الخارجية السلمية المستقلة، وتسعى إلى إقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. ظلت الصين باعتبارها دولة نامية وعضوا لـ"دول الجنوب العالمي" مع الدول النامية الأخرى في السراء والضراء والمستقبل المشترك، وتحافظ بثبات على المصالح المشتركة للدول النامية، وتدفع بزيادة تمثيل دول الأسواق الناشئة والدول النامية وأصواتها في الشؤون الدولية. ليست لدى الصين جينات الهيمنة أو الاندفاع للقيام بالتجاذبات بين الدول الكبرى، بل وظلت الصين تقف بكل ثبات إلى الجانب الصحيح للتاريخ، وتتمسك بمفهوم "المثل العليا هي خلق عالم يتقاسمه الجميع".

في الوقت الراهن، يعمل الشعب الصيني تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني على دفع النهضة العظيمة للأمة الصينية على نحو شامل بالتحديث الصيني النمط. تكمن الميزات الرئيسية للتحديث الصيني النمط في الحجم السكاني الضخم، والرخاء المشترك لجميع أبناء الشعب، والتوافق بين الحضارتين المادية والمعنوية، والتعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة، وسلك طريق التنمية السلمية. قد خلق التحديث الصيني النمط شكلا جديدا للحضارة البشرية، وأظهر آفقا جديدة للتحديث. نأمل من الدول النامية الغفيرة أن تستكشف طرقا جديدة مؤدية إلى التحديث انطلاقا من ظروفها الوطنية، واستفادة من المكاسب الحضارية الممتازة للبشرية.

تعد التنمية العالية الجودة المهمة في مقدمة الأولويات للصين لبناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل. ونعمل على تطبيق المفهوم الجديد للتنمية وإقامة المعادلة الجديدة للتنمية. خلال العقد المنصرم، يتجاوز متوسط نسبة المساهمة الصينية في نمو الاقتصاد العالمي 30% سنويا. ويشهد الاقتصاد الصيني توجها مستمرا للانتعاش والتحسن منذ بداية العام الجاري. وتتمتع الصين بميزة النظام لما لها من نظام اقتصاد السوق الاشتراكي، وتتمتع بميزة الطلب لما لها من السوق الضخمة للغاية، وتتمتع بميزة العرض لما لها من النظام الصناعي المتكامل، وتتمتع بميزة الأكفاء لما لها من عدد كبير من الأيدي العاملة ذات الكفاءة العالية ورجال الأعمال. لن تتغير أساسيات الاقتصاد الصيني التي تتمثل في صلابة قوية وإمكانيات جبارة وديناميكية كبيرة وتوجه مستمر نحو التحسن، وسيتقدم الاقتصاد الصيني إلى الأمام باستمرار كسفينة كبيرة تمخر عباب البحار الهائجة.

ستظل الصين فرصة مهمة لتنمية العالم. وسنبقي أبوابنا مفتوحة، ونرحب بكل من يرغب في التعاون معنا. إن الصين باعتبارها اقتصادا ضخما، ستقوم بدفع الانفتاح العالي المستوى بثبات، وتوسيع النفاذ إلى السوق، وتقليص القائمة السلبية للاستثمار الأجنبي، ورفع مستوى الانفتاح لقطاع الخدمات الحديثة. سنواصل تحسين بيئة الأعمال، وتطبيق المعاملة الوطنية للشركات الأجنبية، وخلق بيئة تجارية من الدرجة الأولى تقوم على قواعد السوق والقانون والمعايير الدولية، وبناء شبكة مناطق التجارة الحرة الموجهة نحو العالم حسب المعايير الراقية. وسنواصل دفع بناء الحضارة الإيكولوجية، وتسريع وتيرة بناء الصين الجميلة، والدفع بتحقيق أهداف ذروة الكربون والحياد الكربوني بخطوات حثيثة ومتزنة، وتدعيم التحول الأخضر والشامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. استشرافا للمستقبل، ستقدم الصين مساهمة أكبر في الاقتصاد العالمي مع دخول 1.4 مليار ونيف من سكانها بالكامل إلى المجتمع الحديث، وستوفر مجالا أرحب لأوساط الأعمال لدول العالم.

السيدات والسادة والأصدقاء!

تولد العظمة والمجد من المشقة والصعوبة. طالما نوحّد الجهود لتعزيز التعاون، لا نخاف من أي مخاطر أو تحديات في الطريق أمامنا، وسندفع بالسفينة العملاقة لتنمية البشرية نحو مستقبل أكثر إشراقا!

بيان الخصوصية وسياسة ملفات تعريف الارتباط

من خلال الاستمرار في تصفح موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط ، وسياسة الخصوصية المنقحة .يمكنك تغيير إعدادات ملفات تعريف الارتباط من خلال متصفحك .
أوافق