السعي وراء التنمية بالتضامن والتعاون وتحمل مسؤولية تعزيز السلام بالجرأة -- كلمة رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جينبينغ في الاجتماع الـ15 لقادة دول البريكس (جوهانسبرغ، يوم 23 أغسطس عام 2023)

فخامة الرئيس سيريل رامافوزا المحترم،

فخامة الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا المحترم،

فخامة الرئيس فلاديمير بوتين المحترم،

دولة رئيس الوزراء ناريندرا مودي المحترم:

يسعدني جدا أن أكون في جوهانسبرغ للتشاور مع الزملاء حول سبل تعزيز التعاون للبريكس وتطورها. هذه المرة الثالثة التي يعقد فيها اجتماع قادة دول البريكس في إفريقيا، الأمر الذي يكتسب دلالات مهمة. ولا يفوتني أن أتقدم بالشكر على ما قام به فخامة الرئيس سيريل رامافوزا وحكومة جنوب إفريقيا من الترتيبات الجيدة والدقيقة لهذا الاجتماع.

في الوقت الراهن، يدخل العالم مرحلة جديدة من الاضطرابات والتحولات ويمر بتعديلات واستقطابات كبرى وزخم قوي لإعادة التشكيل، حيث تزداد العوامل غير المؤكدة وغير المستقرة والصعبة للتوقع.

تعد دول البريكس قوة مهمة لتكوين المعادلة الدولية. ونحن نختار الطرق التنموية بإرادتنا المستقلة، وندافع سويا عن حقوقنا التنموية، ونتوجه سويا نحو التحديث، وذلك يمثل الاتجاه التقدمي للمجتمع البشري، وسيؤثر حتما على عملية التطور العالمي تأثيرا عميقا. استعراضا للتاريخ، نلتزم دوما بروح البريكس المتمثلة في الانفتاح والتسامح والتعاون والكسب المشترك، ونواصل الارتقاء بالتعاون في إطار البريكس إلى مستويات جديدة لدعم التنمية في الدول الخمس؛ ونلتزم دوما بالإنصاف والعدالة الدوليين، ونحن نقف إلى جانب الحق في القضايا الدولية والإقليمية الهامة ونرفع الصوت والتأثير للأسواق الناشئة والدول النامية. ظلت دول البريكس من الدعاة والمنفذين للسياسة الدبلوماسية المستقلة، إذ أنها تتمسك بالتعامل مع القضايا الدولية الهامة بموقف عادل وفقا لطبيعتها، ولا تقايض المبادئ، ولا تخضع للضغوط الخارجية، ولا تكون أتباعا للدول الأخرى. تجمع دول البريكس توافقات واسعة النطاق وأهداف مشتركة، ولن تتغير الغاية الأصلية والتطلعات المشتركة لها مهما كانت تغيرات الأوضاع الدولية.

يعيش التعاون في إطار البريكس الآن مرحلة حاسمة لمتابعة أعمال الماضي وشق طريق للمستقبل. فمن الأهمية بمكان أن نتحكم في الزخم العام ونحدد الاتجاه، ونلتزم بهدفنا الأصلي للتقوية الذاتية عبر التضامن، ونعزز التعاون في كافة المجالات، وندعم علاقات الشراكة العالية الجودة، وندفع الإصلاح للحوكمة العالمية نحو اتجاه أكثر إنصافا وعدالة، بما يضخ مزيدا من اليقين والاستقرار والطاقة الإيجابية للعالم.

-- علينا أن نعزز التعاون الاقتصادي والتجاري والمالي، بما يسهم في التنمية الاقتصادية. تعد التنمية حقا غير قابل للتصرف لجميع الدول، وهي ليست "براءة اختراع" لحفنة من الدول. في الوقت الراهن، ليس زخم التعافي للاقتصاد العالمي صامدا، وقد لا تتجاوز نسبة النمو للاقتصاد العالمي في العام الجاري 3% وفقا لتنبؤات الوكالات الدولية. تواجه الدول النامية تحديات أكثر خطورة ومهام أكثر مشقة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. في هذا السياق، ينبغي أن تكون دول البريكس رفاقا في طريق التنمية والنهضة، وأن ترفض "فك الارتباط" أو "قطع السلاسل" أو الإكراه الاقتصادي. كما ينبغي أن تركز دول البريكس على التعاون العملي، وخاصة في مجالات الاقتصاد الرقمي والتنمية الخضراء وسلاسل الإمداد وغيرها، وتعزز التواصل والتبادل في مجالات الاقتصاد والتجارة والمالية.

ستنشئ الصين "حضانة الابتكار العلمي للصين ودول البريكس في العصر الجديد"، بهدف دعم تحول نتائج الابتكار العلمي والتكنولوجي؛ وستبحث الصين في إقامة "منصة التعاون العالمي للمعطيات والتطبيقات للأقمار الصناعية للاستشعار عن بعد لدول البريكس"، استنادا إلى آلية التعاون للكوكبة الافتراضية من لأقمار الصناعية للاستشعار عن بعد لدول البريكس، بما يوفر دعما من حيث البيانات لتعزيز التنمية للدول الأعضاء في مجالات الزراعة والإيكولوجيا والحد من الكوارث الطبيعية. ويحرص الجانب الصيني على التعاون مع كافة الأطراف في إقامة "آلية التعاون والتواصل للقطاعات المستدامة لدول البريكس"، بما يوفر منصة للمواءمة بين القطاعات والتعاون في المشاريع في إطار تنفيذ أجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة.

-- علينا أن نوسع التعاون السياسي والأمني للحفاظ على السلام والأمان. "الحكم الرشيد أكبر نفع، والاضطراب أكبر ضرر." في الوقت الراهن، يخيم شبح عقلية الحرب الباردة على العالم، وتكون الأوضاع الجيوسياسية خطيرة. تتطلع شعوب العالم إلى بيئة أمنية جيدة. إن الأمن الدولي لا يمكن تقسيمه، إذ أن من يسعى إلى الأمن المطلق لنفسه على حساب الدول الأخرى سيتضرر من عمله في نهاية المطاف. هناك حيثيات معقدة وراء ما وصلت إليه الأزمة الأوكرانية اليوم، فتكون الأولوية الأولى هي الدفع بمفاوضات السلام وتهدئة الأوضاع ووقف القتال وتحقيق السلام، ولا يجوز "صب الزيت على النار" لزيادة تدهور الأوضاع على الإطلاق. 

على دول البريكس أن تتمسك بالتنمية السلمية كالاتجاه العام، وتوطّد علاقات الشراكة الاستراتيجية بين دول البريكس. من المطلوب تسخير الآليات بما فيها اجتماع وزراء الخارجية واجتماع الممثلين الرفيعي المستوى للشؤون الأمنية بشكل جيد، لتبادل الدعم في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية للدول الأخرى، وتعزيز التنسيق بشأن القضايا الدولية والإقليمية الهامة. من المطلوب العمل على الوساطة للقضايا الساخنة، والدفع بإيجاد حلول سياسية لها، بما يخفف حدة القضايا الساخنة. بما أن الذكاء الاصطناعي يمثل مجالا جديدا لتنمية البشرية، فقد وافقت دول البريكس على إطلاق عمل الفريق البحثي للذكاء الاصطناعي في أسرع وقت ممكن. من المطلوب تفعيل دور الفريق البحثي بشكل واف، لمواصلة توسيع التعاون في الذكاء الاصطناعي، وتعزيز التبادل المعلوماتي والتعاون التكنولوجي، والعمل سويا على الوقاية من المخاطر، وتكوين إطار حوكمة ومعايير وقواعد ذات توافقات واسعة النطاق حول الذكاء الاصطناعي، بما يواصل تعزيز أمن تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي وموثوقيتها والقدرة على سيطرتها والوصول المنصف إليها.

-- علينا أن نعزز التواصل الشعبي والثقافي والاستفادة المتبادلة بين الحضارات. إن الحضارات المتنوعة والطرق التنموية المتعددة تمثل صورة أصلية للعالم. ولن ينتهي تاريخ البشرية في حضارة واحدة أو نظام واحد. لذا، على دول البريكس أن تكرس روح الاحتضان مثل البحر الذي يحتضن الأنهار، وتدعو إلى التعايش السلمي والمنسجم بين الحضارات المختلفة، وتحترم طرق التحديث التي تختارها الدول بإرادتها المستقلة. ومن المطلوب تسخير الآليات مثل ندوة الحكم والإدارة ومنتدى التواصل الشعبي والثقافي ومسابقة المرأة للابتكار على نحو جيد، بما يعمق التواصل الشعبي والثقافي ويعزز التقارب بين الشعوب.

يقترح الجانب الصيني على دول البريكس بتوسيع التعاون في مجال التربية والتعليم وتفعيل دور رابطة التعليم المهني بشكل جيد، والبحث في إنشاء آلية التعاون في التعليم الرقمي، لتشكيل معادلة شاملة الأبعاد للتعاون التعليمي، إضافة إلى تعزيز التواصل بين الثقافات التقليدية، وتدعيم التوارث والابتكار للثقافات التقليدية المتميزة.

-- علينا أن نتمسك بالعدالة والإنصاف لاستكمال الحوكمة العالمية. يعد تعزيز الحوكمة العالمية خيارا صحيحا اتخذه المجتمع الدولي لتقاسم الفرص التنموية ومواجهة التحديات الكونية. وإن القواعد الدولية ينبغي أن يضعها ويحافظ عليها الجميع وفقا لمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ولا يجوز أن يقررها صاحب العضلات الكبيرة والصوت العالي، ناهيك عن تكوين العصابات وتغليف القواعد الخاصة بها لتصبح قواعد دولية. على دول البريكس أن تطبق تعددية الأطراف الحقيقية، وتحافظ على المنظومة الدولية التي تكون الأمم المتحدة مركزا لها، وتدعم وتعزز النظام التجاري المتعدد الأطراف الذي تكون منظمة التجارة العالمية مركزا له، وتعارض "الدوائر الضيقة" و"التكتلات الإقصائية". ومن المطلوب التفعيل الكامل لدور بنك التنمية الجديد للدفع بإصلاح المنظومة المالية والنقدية الدولية ورفع تمثيل وصوت الدول النامية.

يسعدني أن أرى أن الدول النامية تتعاظم حماستها للمشاركة في التعاون في إطار البريكس، ويطالب الكثير منها بالانضمام إلى آلية التعاون للبريكس. علينا أن نتمسك بروح البريكس المتمثلة في الانفتاح والتسامح والتعاون والكسب المشترك لإدخال مزيد من الدول إلى أسرة البريكس، في سبيل حشد الحكمة والجهود للدفع بتطور الحوكمة العالمية نحو اتجاه أكثر عدلا وإنصافا.

أيها الزملاء!

تحتضن القارة الإفريقية العريقة حكمة بسيطة وعميقة. يقول المثل الإفريقي إن "السير بوحده سريع والسير مع الجماعة بعيد". وتدعو روح أوبونتو إلى "نحن موجودين، لذلك أنا موجود"، مؤكدة على التواكل والتلازم بين الناس. أما التناغم والتعايش السلمي والوئام الأعظم للعالم، فهي تعد من التطلعات الجميلة التي تسعى إليها الأمة الصينية منذ آلاف السنين. إن الجانب الصيني على استعداد للعمل مع شركاء البريكس سويا على الالتزام بمفهوم مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية، وتعميق التعاون في شتى المجالات، وتحمل مسؤولية البريكس في مواجهة التحديات المشتركة وخلق المستقبل الجميل، لكي نبحر معا صوب بر التحديث!

شكرا لكم. 

بيان الخصوصية وسياسة ملفات تعريف الارتباط

من خلال الاستمرار في تصفح موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط ، وسياسة الخصوصية المنقحة .يمكنك تغيير إعدادات ملفات تعريف الارتباط من خلال متصفحك .
أوافق